هل ما يحدث فى ليبيا له صلة بالتحول الديمقراطى؟ هل يمكن اعتبار العنف وفوضى السلاح مقدمة لاستعادة قوام الدولة الليبية؟ والأهم: هل حقق الليبيون طموحاتهم من ثورة 17 فبراير 2011؟ الإجابة هى: بالقطع لا.. وهى إجابة يقولها الدكتور محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا الأسبق والرئيس الحالى لتحالف القوى الوطنية، ويضيف عليها: ما يحدث فى ليبيا هو نفسه ما يحدث فى مصر وتونس، والإسلاميون فى شمال إفريقيا، يقرأون من كتاب واحد! «الأهرام العربى» التقت الدكتور جبريل الأسبوع الماضى فى القاهرة التى زارها ليطلع (من يهمه الأمر) على تطورات الوضع فى ليبيا، ونقلت إليه حيرة المصريين من تفاصيل المشهد الليبى، وسألناه: كيف ترى المشهد الحالي في ليبيا؟ المشهد الآن في ليبيا هو خليط من عدة جوانب، الجانب الأول هناك تعثر في العملية السياسية، وكتائب مسلحة بدأت تفرض قوتها ويكون لها صوت أعلى، وهناك الشارع الليبي الذي بدأ يتحرك مرة أخرى، وهذا شيء إيجابي، حيث هناك أصوات كثيرة لأول مرة بدأت تنادي بالحوار الوطني كمخرج من هذا المأزق، فالمشهد الليبي مشهد متشابك، وبالتالي هو مفتوح على احتمالات كثيرة وليس مشهداً واضح القراءة بحيث يمكننا التكهن بما هو قادم، وقد يفضي إلى احتمالات عدة. بعد إقرار قانون العزل السياسي وأسبوع من التفجيرات التي حدثت في بنغازي، هل تتوقع أن تكون لهذا القانون آثار إيجابية فيما يتعلق بالاستقرار السياسي في ليبيا؟ وما تأثيره على العدالة الانتقالية خصوصاً أن هناك قانوناً سيتم طرحه خلال الأيام المقبلة للعدالة الانتقالية؟ القانون ستكون له آثار سلبية على قضية المصالحة الوطنية، التي ستتأثر كثيراً بطرح هذا القانون، وأنا كنت أتمنى أن الإخوة والأعضاء الذين أعدوا هذا القانون ألا ينظروا إليه عند صياغته بمعزل عن موضوع المصالحة الوطنية حتى يلاحظوا علاقة التأثير والتأثر بين الأمرين، لكن للأسف هذا الأمر لم يحدث والقانون كان قد تمت صياغته بشكل مشخصن وأُخذ بطريقة هدم المعبد على الجميع، وهذا ليس في صالح مستقبل الدولة الليبية إطلاقا. كان تحالف القوى الوطنية قد طرح في بدايات القانون مسودة متعلقة بعزل كل من عمل مع النظام منذ 1 سبتمبر 1969، إلى إعلان التحرير في 23 أكتوبر 2011، هل هذا الطرح كان صحيحاً؟ طبعاً، كان خطأ كبيراً، وهذا قد أدخلني في مشادات وخلافات شديدة بيني وبين أعضاء تحالف القوى الوطنية بسبب هذا الأمر، وكنت على وشك تقديم استقالتي من التحالف بسبب هذا المقترح، لأن ما قدمه أعضاء التحالف مخالف لميثاق التحالف يقوم على ليبيا للجميع وبالجميع، فكيف تقدم مشروعاً يقصي الجميع وتقدم مشروعاً يخالف الميثاق الخاص بالتحالف بشكل جذري، وقد تم إقناعي بالاستمرار في تحالف القوى الوطنية بصعوبة، لكن مازلت أنا إلى الآن ضد قانون العزل السياسي، سواء ما قدمه التحالف أم ما قدمته الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، لأن الأمور كانت مشخصنة وسيدفع ثمنها الوطن وفي النهاية لا يبقى سوى الله سبحانه وتعالى وهذا الوطن. فالتحالف زائل والجبهة زائلة وكل الأشخاص زائلون وبالتالي النظرة كانت نظرة ضيقة حول هذا القانون. من وجهة نظرك من هم أكبر المستفيدين من قانون العزل السياسي في ليبيا؟ أكبر المستفيدين من هذا القانون هم من كانوا في السجون أغلب الوقت خلال فترة حكم القذافي، وربما البعض منهم الآن يتصدر المشهد، نتيجة أنه لم يشارك في الدولة الليبية في السابق، والآن هذا القانون أعطاه أحقية الانفراد بكل الأمور. لماذا يسيطر الجهاديون السابقون على كل الجهات الأمنية؟ أولا ما تم داخل ليبيا لم يتم بطريقة ديمقراطية إلى الآن، حيث كانت التعيينات في هذه الجهات تتم من قبل المجلس الوطني الانتقالي السابق خلال مرحلة الثورة، وبعض من هذه التعيينات مازالت مستمرة إلى الآن، فالتشكيل الحكومي الخاص بالسيد عبد الرحيم الكيب، والسيد علي زيدان، بالنسبة للمؤسسات الأمنية والعسكرية لم تطال رئاسة الأركان ولا جهاز الاستخبارات، وأنا أتمنى أن هذه المناصب الحساسة مثل رئاسة الأركان وجهاز الاستخبارات أن يشغلها أُناس لا ينتمون إلى أي كيان سياسي، وأن يكون ولاؤها للوطن فقط، لأن هذه الأجهزة من المفترض أن تخدم الوطن ولا تخدم أي كيان سياسي على الإطلاق، لا تحالف القوى الوطنية ولا تيار الإسلام السياسي ولا أي تيارات سياسية أخرى، لأنه من المفروض أن تُبعد هذه التيارات عن هذه المناصب الحساسة. لماذا صوت تحالف القوى الوطنية على قانون العزل السياسي؟ هناك سوء فهم، لأن العزل السياسي كان محصوراً في المادة الأولى التي اعترض عليها التحالف بالكامل، وقد صوت التحالف ضد هذه المادة بالكامل، وقد تم تمرير هذه المادة بموافقة 115 عضواً مقابل اعتراض 54 عضواً، ولكن التصويت النهائي على القانون كان مجرد تحصيل حاصل، لأن العزل كان قد حدث بعد التصويت بالموافقة على المادة الأولى، وعندما خسر التحالف التصويت على المادة الأولى كانت بقية المواد الأخرى بالقانون هي مواد تنفيذية مثل هيئة العزل والمجلس الذي سيتم إنشاؤه وهذه قضايا تفصيلية. ما موقع تحالف القوى الوطنية داخل المؤتمر الوطني العام خصوصاً أنه الكتلة الأكبر؟ لقد أعطى قانون انتخابات المؤتمر الوطني التي جرت في 7/7/20112 الأغلبية للأفراد المستقلين، وليس للأحزاب السياسية، فالأحزاب لديها 80 مقعداً والأفراد 120 مقعداً، ثم اكتشفنا أن هؤلاء الأفراد هم من تيار الإخوان المسلمين وذراعه السياسية حزب العدالة والبناء، فتحالف القوى الوطنية يملك 50 ٪ من المقاعد المخصصة للأحزاب السياسية داخل المؤتمر، وليس من ال200 عضو بالمؤتمر، و120 مقعدا الذين يشكلون الأغلبية هم مستقلون؛ والمستقلون هم أرجوحة مرة يصوتون مع برنامج تحالف القوى الوطنية، ومرة يصوتون ضد برنامج التحالف وليس لهم موقف ثابت وواضح من القضايا. لماذا لم تصر على تشكيل الحكومة برغم أنك الأحق بذلك؟ نحن تقدمنا لتشكيل الحكومة، لكن بدا واضحا أن تحالف الكتل الأخرى أو التيارات السياسية الأخرى، كانت ضد ألا يصل التحالف إلى تشكيل الحكومة، فلعبت مرة أخرى قضية المستقلين مع الجبهة الوطنية للإنقاذ مع الإخوان المسلمين، وهذا تحالف أكبر من تحالف القوى الوطنية، حيث تحالفت هذه الكيانات إضافة إلى المستقلين كانت أكبر من التحالف والكتلة التي ساندت التحالف. لكنك كنت قريباً جدا من الفوز برئاسة الحكومة خلال جولتي الانتخاب اللتين جرتا بالمؤتمر؟ نعم، ففي الجولة الأولى حصلت على 94 صوتا وفي الجولة الثانية 96، لكن جولة الإعادة التي تم استحداثها سواء خلال رئاسة المؤتمر الوطني العام، أم خلال رئاسة الحكومة والتي هي غير موجودة أصلاً في الإعلان الدستوري، هي كُيفت من داخل المؤتمر الوطني العام لهذا الغرض، لأن من الجولة الأولى بانتخابات رئاسة المؤتمر، كان تحالف القوى الوطنية سيفوز في انتخابات رئاسة المؤتمر الوطني عندما رشح السيد علي زيدان، وكان سيفوز برئاسة الحكومة عندما ترشحت أنا؛ لكن كُيف موضوع الإعلان الدستوري وبالمخالفة للإعلان الدستوري واخترعت جولة ثانية في حالة عدم الوصول لكذا.. تكون فيه جولة ثانية، وفي الجولة الثانية تتآلف كل الكتل الأخرى ضد تحالف القوى الوطنية حتى لا يصل لرئاسة الحكومة أو حتى قبلها رئاسة المؤتمر. بماذا تفسر تكرار سيناريو المؤتمر وانتخابات رئاسة الحكومة؟ كان هناك نوع من التنسيق بين هذه الكتل كما بينت بألا يصل تحالف القوى الوطنية إلى رئاسة الحكومة، وهذا الأمر كان قد حدث خلال انتخابات رئاسة المؤتمر الوطني العام قبل رئاسة الحكومة أيضا، وأعتقد أن بعض الكيانات السياسية الآن نادمة على فعل ذلك، لأنها دفعت الثمن قاسيا الآن. هل هذا راجع لأن القوى المنافسة لتحالف القوى الوطنية هي أكثر تنظيما من التحالف؟ ربما، لأن الإخوان المسلمين كتنظيم كان قد تأسس منذ 1928، وجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا أيضا جماعة منظمة ومؤدلجة لها تنظيمها ولها الالتزام التنظيمي في الانضباط والحركة، وكذلك الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي تأسست منذ عام 1980، فهناك بُعد تاريخي وكوادر بُنيت خلال هذه الفترات، لكن تحالف القوى الوطنية ولد في 21 فبراير 2012، وهو الكيان السياسي الذي ولد بعد ثورة 17 فبراير 2011. برغم ذلك جاءت نتيجة الانتخابات لصالح تحالف القوى الوطنية وليس لصالح جماعة الإخوان المسلمين؟ هذا نتيجة ما طرحه التحالف من أفكار، والليبيون التفوا حول هذه الأفكار التي تتحدث عن التنمية، وأنه لا وقت للسياسة الآن ولا وقت للإيديولوجيا، بل هو وقت لإعادة جمع شتات الوطن ولم الشمل والبناء التنموي، وهذا ما ينشده الليبيون فعلا؛ أما الكيانات الأخرى كانت تطرح في أمور وقضايا سياسية وزجت بالدين في قضية العلمانيين والليبراليين، وهذا قد استفز كثيراً مشاعر الليبيين، خصوصاً أنه لم تكن هناك فتنة على أساس ديني منذ الفتح الإسلامي لليبيا، وفجأة وجدنا قضية العلمانيين والإسلاميين كما هي في مصر وتونس، كأنما الجميع يقرأ من نفس الكتاب؛ وهذه الثنائية الليبراليون والإسلاميون. وأنا دائما أتحدث عن أنه قبل ثورات الربيع العربي لم نكن نسمع عن هذه الثنائية. هل رئيس الوزراء الحالي السيد علي زيدان، محسوب على تحالف القوى الوطنية؟ لا، ليس محسوبا على تحالف القوى الوطنية، وصحيح نحن دعمنا علي زيدان كشخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، لأن أفكاره تقترب من أفكار التحالف، ولكنه لم يكن عضوا في التحالف على الإطلاق.