بعد إعلانه عن عدم ترشحه لانتخابات مجلس الشعب المقبلة بسبب الصورة الضبابية وحالة الخلط والتخبط التى تشوب انتخابات مجلسى الشعب والشورى المقبلة، وعلى الرغم من كونه من أبرز نواب البرلمان السابق، ورئيس كتلة المستقلين، فإن موقف الدكتور جمال زهران، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة بورسعيد له دلالاته فما هى أسباب عدم الترشح وما هى قراءته للمشهد السياسى لمصر فى سياق الموجة الثانية للثورة وفى ضوء الانتخابات وفى وجود التكتلات والتحالفات السياسية والحزبية والظهور الملحوظ لفلول الحزب الوطنى سواء على القوائم الفردية أو قوائم الأحزاب وحول هذه التساؤلات وغيرها كان لنا معه هذا الحوار: - كبف تقرأ المشهد السياسى الآن فى ضوء ما يحدث فى ميدان التحرير وبقية الميادين فى مصر؟ ما نشهده الآن قى الميادين هو نتيجة طبيعية لحالة التلكؤ الشديدة ومحاولات الالتفاف على الثورة والتأخر الشديد فى إصدار وتنفيذ مطالب الثورة ثم تفاقمت الأزمة بهذا الاعتداء الإجرامى على المتظاهرين المسالمين من أسر الشهداء والمصابين بلا رحمة. - لاحظنا فى الفترة الأخيرة تكون عدد من الائتلافات ما بين الأحزاب وما لبثت هذه الائتلافات والتكتلات وانقسمت وتفككت قبل أيام معدودة من فتح باب الترشح زيادة عدد الأحزاب فى العملية الانتخابية المقبلة؟ أولاً لا يجب علينا القلق من زيادة عدد الأحزاب السياسية، فالمجتمعات التى تخرج من الثورات إلى فترات النهضة لا يكون هناك مانع من تعدد الأحزاب، لأن هذا فى النهاية يثرى الحياة السياسية فكل هذه الأحزاب تتبلور حول اتجاهات فكرية أربعة وهى التيار الدينى والتيار الليبرالى والتيار اليسارى بكل أفكاره والتيار القومى العروبى، فالأحزاب كلها تدور برامجها الانتخابية فى ظل تلك التيارات الأربعة وسوف تنتهى فى صورة تحالفات وقوى كل حسب تياره، كما يجب ألا ننسى أننا خرجنا من الثورة ودخلنا فى مرحلة التسوية السياسية أو الإصلاح السياسى وتواجهنا عقبات: أولها الانتخابات حيث إنه كان يجب أن نبدأ بالدستور، ثم الانتخابات، لأن الدستور هو المشرع للانتخابات وليس العكس، ولقد طالبنا أن يكون النظام الانتخابى بالقائمة وليس بنظام القائمة والفردى، ولكن النظام الانتخابى الآن جعل القوائم مختلطة وبنسب كبيرة مما يرهق الناخب فى العملية الانتخابية، كما أن السياسات التى تتبع الآن من إطالة العملية الانتخابية تهدف إلى تبريد الثورة والالتفاف عليها ومحاولة إجهاضها إلا أن الثورة المصرية لن تجهض اعتمادا على رؤية ووعى الشارع المصرى والذى سيتفهم فى نهاية الأمر تلك المحاولة من أجل أبعاده عن الثورة. الأمر الثانى: أنه لم يتم تطبيق قانون العزل السياسى أو قانون الغدر إلا منذ أيام قليلة مما سمح بفلول الوطنى للترشح فى الانتخابات وبأعداد كبيرة تصل إلى 80% من المرشحين كما وجدنا قوائم فردية بأكملها حزب وطنى والفضيحة الأكبر والأخطر أننا وجدنا بعض الفلول على قوائم الأحزاب، وهذا يدل على أن المصلحة الشخصية والسياسية غلبت على المصلحة الوطنية والقومية. الأمر الثالث: عدم تطهير القضاء فلا يعقل أن يشرف على انتخابات 2011، نفس القضاة الذين أشرفوا على انتخابات 2010، فهؤلاء لابد أن يحاكموا على جريمة تزوير الانتخابات. الأمر الرابع: الانفلات الأمنى المتعمد فى الشارع المصرى والدليل أحداث ماسبيرو الأخيرة وقبلها أحداث السفارة الصهيونية والعباسية فهذا الملف يقلقنى للغاية حيث إنه لا يوجد ملف أمنى عند الداخلية والجيش من أجل تأمين الانتخابات وإن كان يوجد فليعرضه على الرأى العام حتى تطمئن الجماهير فثلثا الشعب المصرى سيشارك فى الانتخابات. فى ضوء هذا لم أتقدم للترشح لأن الاستمرار فى هذه الانتخابات الهزلية هو خيانة للثورة مع كل الاحترام لمن قرر المشاركة فقد يرى ما لا أراه فأنا لست بصدد تخوين أحد أو التقليل من قدر أحد، وإنما قد تتعارض وجهات النظر وإن خلصت النوايا. وأنا بحكم خبرتى السياسية أكاد أجزم بأن هذه العملية الانتخابية ستنتهى بكوارث وحتى إن استمرت إلى النهاية فإنها لن تأتى ببرلمان يعبر عن الثورة وإنما سيكون البرلمان معظمه تيار دينى بجانب رجال الحزب الوطنى. - الآن ومع دخول العملية الانتخابية فى رأيك أى النظم الدستورية تصلح لمصر النظام الرئاسى أم البرلمانى؟ فى رأيى توجد لدينا خبرة النظام الرئاسى وخبرة النظام البرلمانى، ولكن النظام البرلمانى حدثت عليه ثورة فى 52 والنظام الرئاسى حدثت عليه ثورة فى 2011، ولكن فى رأيى وتقديرى الشخصى أن ما تحتاجه مصر الآن فى هذه المرحلة الراهنة هو النظام البرلمانى، وهذا لعدة أسباب أولها أننا لا نحتاج لرئيس جديد نعطيه صلاحيات مطلقة وبالتالى نخلق فرعون جديد لكن ما نريده هو دولة مؤسسات قوية، وأن يقتصر دور الرئيس فيها على عمل انسجاما بين تلك المؤسسات وبعضها البعض، فنحن نريد أن يأتى رئيس صاحب برنامج ويعمل على تنفيذه من خلال مؤسسات الدولة وأن يمثل دور الحكم للفصل فيما بينها، فلماذا لا نعطى الفرصة للنظام البرلمانى؟ فلقد كان لدينا نظام برلمانى فى السابق فى ظل ملكية وما نريده الآن نظام برلمانى فى ظل جمهورية، فالنظام البرلمانى له عدة مميزات أهمها تقوية الأحزاب فى المرحلة الأولى، ثم يحدث تكون ائتلافات من أجل تكوين الحكومة وبهذا الشكل لن يكون لدى أحد رفاهية الاختلاف وبالتالى سيكون الاتفاق إجبارياً من أجل تشكيل الحكومة ومن أجل الضغط الشعبى ومن أجل إنجاح النظام البرلمانى أولا يجب أن يكون لدينا مجلس شعب قوى وتكون شروط الانضمام إليه أو الترشح قاسية لكن إذا نظرنا إلى شروط الترشح للمجلس المقبل نجد أنه يجب على المترشح أن يجيد القراءة والكتابة، فهل هذا المرشح قادر على أن يشرع أو قادر على تأسيس دستور لمصر. - يشير بعض الخبراء إلى أن التيار الإسلامى هو التيار الحاكم لمصر فى الفترة المقبلة فما رأيك؟ من المحتمل أن يحصل التيار الدينى على نسبة من المقاعد وهى نسبة لن تزيد فى رأيى على 30% ، ومن المنتظر أن يكون هذا البرلمان برلماناً مشرذماً ما بين القوى السياسية المختلفة من جانب وبين التحالفات غير المعلنة والتى ستتم من تحت المنضدة. ولكن الأمر الذى استوقفنى كثيرا هو إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه سيدعم الأحزاب الشبابية وحدها وهنا يثار تساؤل مهم: لماذا الأحزاب الشبابية؟ دون غيرها؟ هل السبب الوقوف بجانب الشباب لا أعتقد وإنما الهدف الحقيقى من ورائها هو اكتساب ولاء للمجلس العسكرى داخل مجلس الشعب، وتلك ستكون كارثة وبالتالى فالمشهد كله به نوع من التخبط وعدم الانضباط والمشاركة فيه تعتبر نوعا من العبث، فنحن الآن أضعنا ثمانية أشهر وخمسة أشهر انتخابات إذن 13 شهرا ولو كانت الأمور سارت لنصابها الصحيح لكنت فى نصف هذه المدة أقررت الدستور والانتخابات على أقل تقدير. - إذا تحدثنا عن السياسية الداخلية لمصر وسياسية إدارة البلاد كيف تقيم هذه السياسة فى ضوء الوضع الحالى؟ لم يتم تغيير أى شىء من مطالب الثورة، فعندما نتحدث عن أهم مبدأ وهو مبدأ العدالة الانتخابية فلم يتحقق منها شىء حتى معالجة الأمور خاطئة فعندما أقول إن الحد الأدنى للأجور 1 والحد الأقصى 36 ضعفاً، فهذا يخلق فجوة كبيرة، ففى كل دول العالم الحد الأقصى ما بين 10: 15 فعندما أجد مواطناً يأخذ 1000 جنيه وآخر يأخذ 36 ألفاً فأين العدالة إذن؟ فلماذ لا أجعل الحد الأقصى 15 وأستفيد من الفرق لتحسين مرافق الدولة والخدمات؟. - هذا على المستوى الداخلى فماذا عن سياسة مصر الخارجية فيما بعد الثورة؟ لم يستطع المجلس العسكرى أن يحدث أى تغيير إستراتيجى أو نوعى فى ملفات مصر الخارجية، فالجنود المصريون قتلوا على الحدود المصرية الفلسطينية، ولم نجد أى رد فعل للمجلس العسكرى، ثم صرنا نستجدى الاعتذار من جانب الكيان الصهيونى، فأنت لم تحقق الحد الأدنى من المعادلة ولم تثأر لدماء الشهداء. - لكن الحكومة أعلنت والكيان الصهيونى أنه تم الاعتذار لمصر رسميا؟ أين هذا الخطاب؟ أنا رجل علم لا أؤمن إلا بالحقائق، أين جواب الاعتذار الذى لم يره أحد ولم نسمع عنه إلا فى الصحف القومية المصرية؟، كما أن الضغط الشعبى هو ما أجبر سفير الكيان الصهيونى على الهرب وليس المجلس العسكرى، كما أنه قبل بكل الضغوط العربية عليه فمبارك يحاكم شكليا وكذلك الضغوط الأمريكية التى تمنعك من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران على الرغم من أهميتها السياسية والاقتصادية، وهذا يدل على أن توجهات مصر الخارجية لم تتغير رغم الضغوطات التى تفرضها المرحلة الراهنة حتى وزير الخارجية لا نجد وزير خارجية يعبر عن الثورة وتوجهاتها. - لكن البعض يرجع للمجلس العسكرى العديد من الإنجازات فى ملف السياسية الخارجية والتى على رأسها المصالحة الفلسطينية وملف تبادل الأسرى؟ هذه كلها إنجازات شكلية ليست ذات قيمة وهى فى الحقيقة صفعة للإنسان العربى فما المغزى أن تكون قيمة المواطن الإسرائيلى 1027 أسيراً فلسطينياً؟، ففى هذا تسويق للمواطن الصهيونى ورفع قيمته على المواطن العربى، كما أن إسرائيل شكرت مصر على دورها ومساهمتها فى إتمام هذه الصفقة وأنا عندما تشكرنى إسرائيل أشك فورا فى صدق وإخلاص النيات. ثم أين الإنجاز وهم لم يتطرقوا إلى ملفات حيوية مثل ملف تصدير الغاز لإسرائيل والموقف من اتفاقية كامب ديفيد وإعادة النظر فيها، إذن فالملفات الأساسية والمحورية لمصر لم يتم التعامل معها من قبل المجلس العسكرى. - هل ترى أن التعاون المصرى الإيرانى فى المرحلة المقبلة يخدم مصر؟ أنا من أنصار مد الجسور مع إيران لأن هذا يخدم المصالح المصرية فى المقام الأول كما أنه لا يجب ترك الساحة الإقليمية لإيران أو غيرها من اللعب بشكل منفر والنظام البائد عمد إلى الميل تجاه المعسكر الصهيونى الأمريكى ضد معسكر الممانعة إيران وسوريا ولبنان أو حزب الله، لكن الآن وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير يجب أن تختلف الصورة وتتغير ويتم وضع هذه العلاقات فى نصابها الصحيح، وذلك فى مصلحة مصر فى المقام الأول، فعلى المستوى الاقتصادى على سبيل المثال نجد أن كثيراً من دول الخليج والتى على رأسها الإمارات يحدث تبادل تجارى بينها وبين طهران يصل إلى 28 ملياراً سنويا، والمشكلة فى الأساس مع دول الخليج السياحة يكفى أن أقول لك أن هناك مليونى سائح إيرانى يتلهفون لزيارة العتبات المقدسة فى مصر وعندما طلب منى مديرو شركة السياحة التوسط لدى وزير السياحة والذى قال لى إن هذا خط أحمر، والغريب فى الأمر أن الأسباب والذرائع التى يقولها البعض من الخوف من زيارة السائحين الإيرانيين لمصر من مد التشيع هذا كلام فارغ ولا يمت للصحة بأى صلة، وحجج واهية تضر مصر فى المقام الأول، فلو تخيلنا أن مصاريف الحد الأدنى للسائح الإيرانى فى مصر 3000 دولار فسيكون العائد 6 مليارات دولار ما يعادل 140 مليار جنيه مصرى تقريبا ناهيك عن فرص العمل التى ستتوفر ونحن نضحى بكل هذا من أجل تفاهات. - الآن وبعد مرور 10 أشهر تقريبا على الثورة المصرية فى منظوركم ما الذى حققته؟ وما الذى لم تحققه بعد؟ أولا الثورة هى عمل استثنائى فى تاريخ الإنسانية والشعوب والثورة حسب مفهوم العلوم السياسية هى عمل يستهدف إحداث تغيير جذرى فى المجتمع، ولقد قامت الثورة فى مصر لأنه قد ثبت بالدليل العملى أن الوضع القائم فى مصر لم يكن ملائما للشعب، وبالتالى فالشعب قام بثورته على كل رموز الفساد والطغيان التى كانت سائدة فى حينها، وعندما نقيم نجاح ثورة ما من عدمه يقيم من خلال ما استطاعت الثورة أن تحدثه من تغيير فى المجتمع ولم يتحقق من ثمار الثورة حتى الآن هو خلع حسنى مبارك والقضاء على مشروع التوريث ومحاكمات هزلية لن تقدم أو تؤخر فى شىء، فما زال معظم المحافظين من داخل لجنة السياسات ورؤساء المؤسسات الرقابية فى الدولة والصف الأول والثانى من الجهاز الإدارى جميعهم يدينون بالولاء لحسنى مبارك. ونخلص من هذا كله فى النهاية أن جميع شعارات الثورة لم يتحقق منها شىء وخصوصاً الشعارات الرئيسية التى هى الحرية والعدالة الاجتماعية، فإذا نظرنا إلى الحرية نجد أن قانون الطوارئ قد عاد من جديد وعادت سياسات تكميم الأفواه والعدالة الاجتماعية لم يحدث بصددها أى تطورات أو حتى خطط حقيقية ملموسة. - هناك من يرى أن المجلس العسكرى لا يسعى إلى القفز على الحكم أو الاستمرار فى إدارة البلاد وإنما جل ما يرغبه هو الحصول على امتيازات للجيش تعزز من وضع المؤسسة العسكرية على الساحة السياسية المصرية على غرار النموذج التركى؟ كان هدف المجلس العسكرى الأساسى هو القضاء على مشروع التوريث، والهدف الثانى هو الحفاظ على نظام مبارك بفساده وسياساته ودعائمه، فلم يتغير شىء منذ أن قامت الثورة وحتى الآن والمجلس العسكرى تعامل مع الثورة على أنها عمل يرتقى إلى مرحلة الانتفاضة الشعبية، كما أن المجلس رفض أو تكاسل عن تحقيق مطالب الشعب ومطالب القوى السياسية وقام بتنفيذ الأجندة السياسية الخاصة به من وجهة نظره فقط. وفى رأيى سواء طالت المدة أو قصرت فإن المجلس العسكرى سيعود إلى ثكناته ويرحل، لكن هدفه هو الحصول على امتيازات واستقلالية تامة, وأن يتم الفصل ما بين ما هو مدنى وما هو عسكرى فى المؤسسة العسكرية.