لا أحد يستطيع بسهولة، “أن يعطى ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، لأن قيصر والمتحدثين باسمه، لا يتورعون عن استخدام اسم الله، للوصول إلى العرش والبقاء عليه، وإلا ما صارت منابر المساجد والكنائس، مسارح انتخابية وسياسية، كما أن المتحدثين باسم الدين، لا يتورعون عن الصلاة للحاكم، حتى إنهم حرموا الثورة عليه، فلما قامت تعلقوا بها ليجدوا لهم مكانا بجوار قيصر الجديد ، لذا أشفق على الأنبا تواضروس الثانى الذى قال حسنا منتظراً أو بعيدا : “ لا علاقة للكنيسة بالسياسة"، أشفق بشدة، لأن السياسة لن تترك الكنيسة، كما لن تترك المسجد، فى عصر تستخدم فيه السياسة والدين معا، كى لا يأخذ الشعب ما للشعب. وليست المناسبة – وهى لطيفة - أن الأنبا تواضروس الثانى، اختير لكرسى الباباوية ، فى يوم عيد ميلاده الستين- من مواليد 4 نوفمبرفى عام ثورة يوليو 1952- إنما المناسبة – وهى تاريخية وصعبة- أن البابا أتى بعد ثورة يناير الشريفة، التى شهدت أعظم اتحاد وطنى بين المسلمين والمسيحيين والشباب منهم خاصة، حين تآلفا فى مواجهة الطغيان بكل أشكاله، رافعين شعارات يحتاج تحقيقها كل أبناء الوطن وهى “عيش – حرية- عدالة اجتماعية" شعارات يحتاج إلى تحقيقها الجميع، دون تمييز فلم يميز الفقر والجهل والمرض بين أحد، ما دفع الشباب المصرى الحديث إلى الثورة، وقد كان لهم – خاصة القبطى منهم – ملاحظات سلبية عدة على موقف قيادات الكنيسة الأرثوذكسية من ميدان التحرير، وهى ملاحظات طالت أيضا رجال الدين الإسلامى رسميين وغير رسميين ومنهم من أفتى بعدم جواز الخروج على الحاكم، حتى لو كان يحكم مخالفا ما أنزله الله للبشر، حضا على الحرية والعدل والمساواة، وألا يجوع مواطن، والنيل يجرى بخيره، لا يتوقف أو يوقف إلا عند قصور الأغنياء.وهى مصر لن تسمع بعد ثورتها، لرئيس أو شيخ أو بابا، لا يدفع لأن يكون حاضرها أفضل من ماضيها، ومستقبلها أفضل من هذه الأيام، التى علا فيها ضجيج كل من يزايد على هذا الوطن، وهو ضجيج أرجو أن يبتعد البابا الجديد عنه، وأرجو ألا يشغله عن العاجل المهم والآجل الأهم، والعاجل والآجل معا، يستصرخان من أجل العمل لأن تكون مصر لكل المصريين، رجالا ونساء، وفقراء وأغنياء، مقيمين أو بعيدين، ولا أقول مسلمين ومسيحيين، فانا أخاطب رجلا يفترض فيه، أن يكون بابا لكل المصريين. والحقيقة أنها – وفى هذا المناخ - غايات صعبة جدا، إذ صار العمل من أجل الوطن صعبا جدا، لكن هذا لا يعنى أن أمام البابا ملفات عاجلة ، ويجب حسمها بخاصة فى إعادة تنظيم الكنيسة داخليا وفى علاقتها بشعبها. وقد حدد كثيراً منها حين قال «يجب أن نهتم بفصول التربية الكنسية منذ الصغر وأن نجعل فصول إعداد الخدام من أولوياتنا، فالخدمة هى التى سوف تصنع نهضة جديدة داخل الكنائس سواء بمصر أم ببلاد المهجر. وأيضا السعى لإنشاء معهد لإعداد خدام كنائس بالمهجرلإطلاعهم على الثقافات المختلفة فى الدول الأوروبية وأمريكا وكندا، معتبرا أن إقامة قنوات للحوار مع الشباب أمر ضروري، ومؤكدا أن الكنيسة صمام أمان للبلد، حسبما كان يعبر البابا شنودة الثالث، ويدعو تواضروس المسيحيين إلى الاندماج فى المجتمع من خلال التعليم ووسائل الإعلام. لكن هناك قضايا أخرى منها تغيير لائحة انتخاب البطريرك، والمعروفة ب»لائحة 57 لتحقيق المشاركة الواسعة للشعب المسيحى ، لأن لائحة 57 بها سلبيات عديدة منها أن يكون الناخب مصرى الجنسية فقط، فى حين أن أقباط المهجر لهم جنسيات مختلفة مثل الأنبا إيليا بالسودان والأنبا أثناسيوس بفرنسا، وتغيير لائحة المجلس الملى العام لانتخاب مجلس ملى قوى يكون مجلسا لشعب الكنيسة ، ولا يكون فيه أساقفة أو رجال دين فقط، وتخصص نسبة لمشاركة الشباب والفصل بين الجانب الخدمى والدينى، وإنشاء مكتب إعلامى بالكنيسة ووجود متحدث إعلامى واحد باسم الكنيسة والبابا الجديد، إضافة إلى ذلك تظل أعقد قضية وهى قضية الطلاق التى باتت تؤرق معظم المسيحيين وبخاصة الشباب..لكننى أعود إلى ما بدأت به، وهى العلاقة بين الكنيسة والسياسة، والبابا الجديد وهو صيدلانى محنك ترأس مصنعا حكوميا للأدوية، يعرف أن الكنيسة والسياسة، كتركيبتى الماء والزيت لا يمكن أن تمتزجا، وكما قال عمل كل منهما يفسد الآخر، وكثيرون يستبشرون بالفصل بينهما، باعتبار أن البابا لن يتعرض لضغوط من النظام الحالى، كما كان يفعل النظام السابق، وأظن أن الرئيس مرسى، لن يفعل ما فعله مبارك، لكن السلطة والسياسة ليستا فى قصر الرئاسة فقط، إنما فى قصور أخرى، وهناك أحزاب سياسية دينية، وهناك أيضا أصوات مسيحية تعرف طريقها للقصر أو البيت الأبيض، وكثيرا ما تتحدث واحدة مثل هيلارى كلينتون كأنها حامية حمى المسيحيين فى وطنهم مصر، وأنا متاكد أن السياسة ستلف حبائلها حول البابا الجديد، وستصطنع مواقف تختبره فيها، فإذا صمت احتج المسيحيون واتهموه بالتخلى عن شعبه، وإذا تحدث احتج المسلمون واتهموه بالتدخل فى شأن سياسى، وفى هذا البلد كثرة مسيحية ، وكثرة إسلامية، وقلة مصرية... اللهم وأنا المصرى المسلم المقر بوحدانيتك. أدعوك أن تنجى البابا الجديد من شرورهم.