المعتكف لا يخرج لزيارة مريضولا لاتباع جنازة ولا ينقل الهاتف المحمول إلى المسجد دخل رمضان الحبيب إلى القلوب وجاء بكل بركات السماوات نقصد فيه وجه الله عز وجل، ونتضرع أن يقبل منا الصيام والقيام وتلاوة القرآن، فهو شهر الرحمة والقرآن. دائما ما نقول ونردد فى شهر رمضان المبارك، إن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران. وحول أسرار ونفحات العشر الأواخر من رمضان، كان لنا هذا الحوار مع الشيخ أيمن كمال خطيب وإمام مسجد الرحمن الرحيم بحلوان. هل هناك فضيلة معينة للعشر الأواخر من رمضان غير العتق من النيران؟ الحديث الذى ذكرته هو جزء من حديث طويل، أخرجه الإمام ابن خزيمة فى صحيحه، والبيهقى والطبراني، وهو برغم انتشاره للأسف على ألسنة الدعاة، فإنه حديث قد ضعفه المحدثون. والحديث ضعيف سندا ومتنا. أما السند، ففيه انقطاع، لأن سعيد بن المسيب رحمه الله لم يحفظ له رواية عن سلمان الفارسى رضى الله عنه. أما من ناحية المتن: فإن الحديث يحصر الرحمة فى عشر، والمغفرة فى عشر، والعتق فى عشر، ورحمة الله تعالى ومغفرته لا تنقطع، وعتقه لعباد له من النار هو موجود على الدوام، من أول ليلة من ليالى رمضان، فلا يجوز الأخذ بالحديث، لأن فيه تضييقا فيما وسعه الله تعالى على عباده، وحكرا على فضل الله الواسع. «إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك فى كل ليلة». هل الليلة تحسب من أول رمضان أم العشر الأواخر؟ وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة. رواه الترمذى وابن ماجه. هل فضل الله العشر الأواخر عن سائر الشهر الكريم وما الدليل؟ نعم فضل الله العشر الأواخر من رمضان، بأنه أقسم بهن فى سورة الفجر فقال تعالى: « وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ « الفجر:1 - 4». وقوله تعالى: “ وَلَيَالٍ عَشْرٍ” قيل المراد “بلَيَالٍ عَشْرٍ” عشر ذى الحجة، وأطلق على الأيام ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالى ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها الليالي، وقيل المراد “بلَيَالٍ عَشْرٍ” ليال العشر الأخيرة من رمضان، أما على الأول الذين يقولون المراد بالليال العشر عشر ذى الحجة، فلأن عشرة من ذى الحجة أيام فاضلة قال فيها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». وأما الذين قالوا: إن المراد بالليال العشر هى ليال عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل فى الليالى أنها الليالى وليست الأيام، وقالوا: إن ليالى العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التى قال الله عنها خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (الدخان: 3، 4)، وقد رجح بعد العلماء هذا القول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، وقالوا إن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثانى إنها الليالى العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها، ولأن فيها ليلة القدر، ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذى هو وقت فريضة من فرائض الإسلام وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد فى غيرها مسلم (1175) عن عائشة . ومن ذلك أنه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها البخارى (1913) ومسلم(1169) وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم “ كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره “ البخارى (1920) ومسلم (1174) زاد مسلم وجَدَّ وشد مئزره. وقولها «وشد مئزره» كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير فى العبادات. وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع. وفيه كذلك أنه كان عليه السلام يوقظ عائشة رضى الله عنها إذا أراد أن يوترالبخارى (952) . لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله فى العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه فى سائر السنة. وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه، ومبادرته الأوقات، واغتنامه الأزمنة الفاضلة . ما الذى يستحب لمسلم أن يحققه فى العشر الأواخر؟ ويُستحب للمسلم أن يحقق فى هذه العشر مفهوم العبودية لله فى حياته، وأن يركز على تزكية نفسه وإصلاح قلبه وذلك من خلال: الإكثار من قراءة القرآن الكريم. والإكثار من التقرب إلى الله بالأدعية والأعمال الصالحة لا سيما دعاء اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عنا. والاجتهاد بقيام الليل. والاعتكاف قدوة بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم. إن من العبادات العظيمة فى شهرنا هذا، وفى عشرنا هذه الاعتكاف، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتكف فى هذه العشر، والاعتكاف فيها له فضل عظيم، فإن فيه إصابة سنة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن فى الاعتكاف تفريغ القلب، فإنه ترك الخلائق والتفرغ لعبادة الخالق، وفى هذا الاعتكاف إحياء للسنة، وقد قال الله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ ( البقرة: 187)، فيشرع فى أى مسجد، وأعظمه المسجد الحرام. هذا الاعتكاف فيه الصلوات الخمس، وهو مبكر إليها تلقائياً باعتكافه، وكذلك فيه إدراك تكبيرة الإحرام دائماً، لأنه متفرغ لذلك، وأيضاً فيه تلاوة القرآن داخل الصلاة، وخارج الصلاة، وفيه أيضاً التفكر، والتدبر، والتأمل، وفيه محاسبة النفس، والتفكير فى عيوبها، والتوبة، وفيه التركيز للاستعداد ليوم الرحيل، وإعداد العدة، ولذلك يقلل الإنسان فيه من الزيادة فى النوم، أو الأكل، أو مخالطة الناس، وإذا حصَّل له رفيق يراجع معه القرآن فهو طيب، وقد تدارس النبى صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل. هل هناك مدة معينة للاعتكاف؟ والاعتكاف كما قال بعض العلماء: ليس له مدة معينة فيشرع لأى مدة، وقال بعضهم: أقله ليلة، من المغرب إلى الفجر، وقال بعضهم: أقله يوم وليلة أربعة وعشرين ساعة. والمعتكف لا يخرج لزيارة مريض، ولا لاتباع جنازة؛ لأن المقصود حبس النفس داخل المسجد لطاعة الله تعالى، وله أن يخرج لما لابد له منه كقضاء الحاجة، وغسل الجنابة إذا احتلم مثلاً، ومن طعام إذا لم يوجد من يجلبه له، وليس من الاعتكاف أن ينقل جهاز الحاسب الآلى المحمول (اللاب توب) بما فيه إلى المسجد، والهاتف المحمول (الموبايل) بما فيه أيضاً، وإنما يقتصر فى استعمالهما على ما لابد منه، كمتابعة أعمال مهمة شريطة ألا تاخذ جل وقته أو تفقد الأهل فى البيت، ويشترط فيه ألا يضيع عملاً، ولا وظيفة، لأنه يأخذ عليها أجراً وهى أمانة، ولا يضيع أهله وأولاده، والمرأة لابد أن تستأذن زوجها، ولا تضيع أولادها، وأن يكون المكان مأموناً لها، وكذلك ألا تكون حائضاً ولا نفساء. ما الواجب على العبد كى تنطبق عليه شروط الفوز فى رمضان؟ فينبغى على المسلم الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فإنه هو الأسوة والقدوة، والجِدّ والاجتهاد فى عبادة الله، وألا يضيّع ساعات هذه الأيام والليالي، فإن المرء لا يدرى لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات الموت الذى هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله، وانتهى عمره، فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم . وإن كان ثلثا رمضان قد انصرم ولا حول ولا قوة الا بالله فما زالت أفضل الليالى لم تأت بعد وفيها ليلة القدر نسأل الله عز وجل ان ييسر لنا قيامها والعبادة فيها على الوجه الذى يرضيه عنا وأن يعيد علينا رمضان سنوات عديدة وأزمنة مديدة بفضله وجوده وكرمه. ما الفرق بين التواشيح والتواحيش وهل هما من السنة ؟ ما أعلمه فى هذا الأمر أن التواشيح هو ما جرت عليه العادة من سماع بعض أبيات الشعر المغناة بصوت ندى، كما ألفنا من المنشدين قديما وحديثا كالشيخ نصر الدين طوبار والشيخ النقشبندى وغيرهما وهذا ليس فيه بأس فى مقامه إن كان حفلا أو قبل الفجر أو ما شابه وإن لم يرد له أصل فى السنه المطهرة سواء فى الفعل أم التوقيت ولكن قد يدخل فى معنى المباح طالما أن فاعله لا يعتقد أنه عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل لأن الأصل فى العبادة التوقف . أما ما يسمى بالتواحيش فهو ما يقوله المنشدون فى آخر رمضان لا سيما الجمعة الأخيرة المسماه بالجمعة اليتيمة، وهى أيضا أبيات مغناة يغلب عليها التأثر والتباكى لفراق الشهر الكريم وسواء هذه أم تلك فليس له أصل فى السنة والأولى اتباع هدى النبى صلى الله عليه وسلم والصحاب الكرام رضوان الله عليهم فلو كان خيرا لسبقونا إليه . والوارد هو ما أسلفنا فى آخر رمضان ثم بعد انقضاء الشهر الكريم ينبغى للعبد أن يدعو الله عز وجل أن يتقبل عمله, وقد كان الصجابة يدعون الله قبل رمضان بستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعون بعده خمسة أشهر أن يتقبل الله منهم أعمالهم فيه.