هل دخلت مصر خط الفقر المائي؟، وزير الخارجية يكشف مفاجأة    محافظ الإسكندرية يتفقد أعمال توسعة طريق أبو قير صور    سفير الهند: مصر وجهة تجارية لشركاتنا.. وسنواصل توسيع وجودنا بها    إعلام عبري: شروط إسرائيل لإنهاء حرب غزة تمنع التوصل إلى صفقة شاملة    ركلات الترجيح تحسم بطل السوبر الأوروبي بين باريس سان جيرمان وتوتنهام    كريستال بالاس يحتفظ بنجمه جويهي.. لماذا فشل ليفربول في ضمه؟    صفقة جديدة للروسونيري.. هل سيكون دي وينتر الحلقة المفقودة في دفاع ميلان؟    إعدام 42 طنا من مصنعات اللحوم الفاسدة داخل مصنع بدون ترخيص بكرداسة    أخبار الفن اليوم: وفاة صنع الله إبراهيم.. إحالة بدرية طلبة للتحقيق.. الحجز على حسابات روتانا لصالح شيرين.. وتعرض ليلي علوي لحادث سير    محمود سعد يكشف تفاصيل حالة أنغام قبل صدور نتائج التحاليل (فيديو)    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    مقتل 3 أشخاص على الأقل ونزوح الآلاف جراء حرائق غابات في جنوبي أوروبا    محمد شردى يشيد بحملة الشركة المتحدة الخاصة بآداب وقواعد المرور    بشرى سارة.. دعم مشروعات المرأة والشباب في مطروح بتمويلات ميسرة    "القومي للسكان" ينفذ قافلة سكانية طبية توعوية شرق مدينة العريش    وجهان مختلفان ل علا رشدي في "بنج كلي" و"العند"    «السيرة أطول من العمر».. نصائح قاسية من استشاري نفسي للفنان محمد رمضان    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    وزير الخارجية: الاعتراف الدولى بفلسطين يكشف عزلة إسرائيل    مصر تحصد ذهبية تتابع الرجال ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا بالإسكندرية    السكة الحديد تُعلن مواعيد تشغيل قطارات خط القاهرة - السد العالي    مصرع شاب سقط من أعلى حائط بسوهاج    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    رئيس الأركان الإسرائيلي: نواجه حربًا متعددة الساحات ونتبنى استراتيجية جديدة    محافظ المنيا ورئيس الجامعة يفتتحان وحدة العلاج الإشعاعي الجديدة بمستشفى الأورام    محافظ الجيزة يعتمد تخفيض تنسيق القبول بالثانوية العامة ل220 درجة    ارتفاع مخزونات النفط الخام ونواتج التقطير في أمريكا وتراجع البنزين    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    إخلاء سبيل 6 متهمين بالتشاجر في المعادى    السلطة الفلسطينية تعرب عن استعدادها لحكم قطاع غزة    الرئيس والإعلام ورهانه الرابح    رئيس اتحاد اليد بعد التأهل التاريخي: قادرين على تخطي إسبانيا    وصية محمد منير    تستعرض جمالها.. ياسمين صبري تخطف الأنظار والجمهور يعلق    بيكو مصر تخفض أسعار أجهزتها المنزلية 20%    محمود ناجي حكما لمباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    لتركه العمل دون إذن رسمي.. إحالة عامل ب«صحة الباجور» في المنوفية للتحقيق    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    قناديل البحر تعطل أحد أكبر المفاعلات النووية في فرنسا    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    فضيحة اسمها الانتخابات    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    وزارة الرياضة: نسعى لمنظومة خالية من المنشطات.. ونراقب عقوبات الجماهير وعقود اللاعبين    حبس وغرامة 2 مليون جنيه.. عقوبة الخطأ الطبي الجسيم وفق "المسؤولية الطبية"    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكوك وعقبات حول السلام الاقتصادى أولا
نشر في الأهرام العربي يوم 22 - 05 - 2019

فى البيان الذى أعلنه البيت الأبيض حول ما سمى بورشة عمل ستعقد فى البحرين حول الشق الاقتصادى من خطة الرئيس ترامب للسلام فى الشرق الأوسط، جاء أن الهدف من هذه الورشة هو إعلان الجانب الاقتصادى، الذى ستركز على بناء مستقبل مزدهر للشعب الفلسطينى، ولن تناقش الورشة الشق السياسى الذى سيؤجل الإعلان عنه إلى وقت لاحق. فلسطينيا أعلنت السلطة الوطنية أنها لم تُناقش فى طبيعة هذه الورشة ولا تعلم شيئا عن مضمونها وعن توقيتاتها، وأنها لن تشارك فى هذه الورشة. الأمر الذى يثير تساؤلات حول الجدوى من عقد ورشة عمل تخص الفلسطينيين بالدرجة الأولى دون أن يكونوا جزءا عضويا من التحضيرات الخاصة بها، فهم الأولى فى مثل هذه المناقشات.
وليس جديدا القول إن الموقفين الأمريكى والفلسطينى متباعدان تماما، فالسلطة لا ترى فى المعلومات التى يتم تسريبها أو التى أطلعت عليها جزئيا أو كليا حول ما يوصف بصفقةالقرن، وكذلك الإجراءات التى اتخذتها الولايات المتحدة فى عهد ترامب كاعتبار القدس عاصمة لإسرائيل قبل أى تفاوض وإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، ومنع التمويل عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السورى المحتل، لا ترى فيها سوى الانحياز الكامل للرؤية الإسرائيلية، ما يلغى أى دور شبه حيادى للطرف الأمريكى يمكن القيام به فى أى عملية مستقبلية للسلام. فى المقابل تعتبر إدارة ترامب أن جميع المحاولات التى سبق القيام بها لحل القضيةالفلسطينية فشلت لأنها لم تكن واقعية، إذ انغمست فى التفاصيل السياسية التى تشهد تباينات وخلافات شديدة بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى وبالتالى فإن رؤية جديدة من حيث المنهج والمضمون يمكنها أن تُيسر السلام وتنهى الصراع. أو هكذا يعتقد ترامب فى رؤيته الجديدة.
المعروف أن جميع التسريبات والمعلومات التى نسبت لهذه الصفقة المزعومة، اتفقت على أن التحرك الأمريكى سوف يسعى إلى إقامة ما يوصف بسلام اقتصادى إقليمى أولا، ثم بعد ذلك خطة تتضمن بعض الأمور السياسية المتعلقة بالصراع دون تحديد مآلات هذه الخطة خاصة بالنسبة لقيام دولة فلسطينية فى الضفة الغربية. والفكرة الرئيسية لرؤية ترامب كما أوضحها جاريد كوشنر تفترض أن تحسين حياة الفلسطينيين، لا سيما فى قطاع غزة، وإصلاح الحكم الفلسطينى سوف يدفعان الشعب الفلسطينى إلى قبول أى إجراء سياسى لاحقا، مع الأخذ فى الاعتبار أن المشروعات التى يمكن أن تحقق مثل هذه النقلة فى حياة الفلسطينيين سوف تتطلب وقتا لا يقل عن خمس إلى عشر سنوات، واستثمارات هائلة ومناخا سياسيا مستقرا. وفى كل الأحوال لن تستخدم الخطة مبدأ حل الدولتين، وهو ما أكد عليه صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر المكلف بوضع الخطة، مشيرا إلى أنه سيُترك للجانبين الفلسطينى والإسرائيلى تحديد صيغة العلاقة السياسية بينهما، هل كيانان منفصلان أم متحدانفيدراليا أو تربطهما علاقة كونفيدرالية يقومان بتحديد عناصرها. والثابت حتى الآن أن الشق السياسى المخفى يتضمن مد السيادة الإسرائيلية على الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية. وهناك كثير من التسريبات الخاصة بالسكان الفلسطينيين فى القدس الشرقية، التى تطالب بها السلطة عاصمة للدولة الفلسطينية، تشير إلى أن هؤلاء الفلسطينيين معرضون للهجرة إلى خارج أراضيهم، كجزء من استكمال تهويد القدس تماما.
التركيز على الشق الاقتصادى باعتباره المدخل الذى سيغير حياة الفلسطينيين، وسوف يقنعهم بقبول أى صيغة سياسية لاحقا بما فى ذلك كيان متقطع الأوصال جغرافيا وأقل من دولة وقريب من حكم ذاتى تحت سيادة إسرائيلية، يمثل رؤية أقل ما توصف بأنها ضبابية وغير عقلانية وتتصادم مع الحقائق الحاكمة للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، كحق عودة اللاجئين والدولة المستقلة ذات السيادة والقدس عاصمة لها. وإذا كان هناك من يرى فى الولايات المتحدة أو خارجها أن أولوية السلام الاقتصادى يمكن تحقيقها فلسطينيا، وبمشاركة عربية واقليمية ودولية تمثل منهجا جديدا ولا بأس من تجربته، فمثل هذا الطرح ليس جديدا فى حد ذاته. فمنذ مؤتمر مدريد للسلام 1991 عُقدت عدة مؤتمرات دولية بهدف جذب الاستثمارات إلى منطقة الصراع، لإقناع الشعوب بأن السلام سوف يغير حياتها وسوف يوفر فرص العمل للأجيال الجديدة، والأهم أنه سيخلق حقائق ومصالح متشابكة بين أطراف الإقليم العرب والإسرائيليين والأتراك بدعم أمريكى وأوروبى سخى، وفى المحصلة لذلك ستحدث عملية إعادة ترتيب العلاقات والتفاعلات لعموم دول المنطقة، وبذلك تحل الروابط الاقتصادية بديلا للصراع والحرب، كما ستُدمج إسرائيل فى الإقليم كبلد طبيعى مرتبط بمشروعات تعاون اقتصادى كبرى مع الدول العربية مما يديم السلام ويعمقه.
وقد عقدت أربعة مؤتمرات لهذا الهدف فى الدار البيضاء (المغرب) 1994، وعمان (الأردن) 1995، والقاهرة (مصر) 1996، والدوحة (قطر) 1997، كانت جميعها بتشجيع من قبل الولايات المتحدة، وبتنظيم من المنتدى الاقتصادى العالمى ومقره مدينة دافوس بسويسرا.
ويلاحظ على كل هذه المؤتمرات أنها شكلت البعد الاقتصادى لعملية سياسية كانت جارية، تمثلت فى اتفاقات أوسلو 1993، التى نتج عنها قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وخضوع بعض أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لسيادة هذه السلطة، التى اعتبر قيامها خطوة أولى نحو كيان فلسطينى مكتمل الأركان بعد حين. وهكذا تلاقى البعدان السياسى والاقتصادى ومع ذلك لم تحقق هذه المؤتمرات أهدافها الكبرى فى إنشاء أرضية اقتصادية إقليمية تدعم عملية سلام شاملة تحقق التطلعات الفلسطينية القومية المشروعة. وكان السلوك الإسرائيلى الفج فى العام 2002 وما بعدها، الذى دمر بعض المشروعات الاستثمارية فى القطاع وفى الضفة، والممولة أوروبيا ودوليا والخاصة بالبنية التحتية للدولة الفلسطينية المنتظرة، بمثابة إجهاض كامل لهذا الشق الاقتصادى الداعم لبناء سلام إقليمى شامل، وقد أثبت هذا السلوك الإسرائيلى غلبة الأبعاد الإيديولوجية والعقدية فى الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع على أى أبعاد أخرى. الأمر الذى جعل أى حديث عن مشروعات اقتصادية إقليمية مسألة وهمية وغير واقعية.
الجديد فى رؤية الرئيس ترامب هو اعتمادها على البعد الاقتصادى كبعد مستقل فى ذاته، ثم بعد تحقيق تطور نوعى يُمكن التعامل مع الجوانب السياسية للصراع. ويلاحظ فى بيان البيت الأبيض بشأن ورشة المنامة المقرر عقدها فى 25 و26 يونيو المقبل، وفى تصريحات أحد مسئولى إدارة ترامب أن الهدف هو بحث وتشجيع الاستثمارات فى الضفة وغزة ودول المنطقة مع التركيز على البنية التحتية والصناعة، ثم بعد تحقيق السلام الاقتصادى الإقليمى يمكن المضى قدما فى الشق السياسي، ولكنه فى الآن ذاته يؤكد على أى استثمارات ستعتمد على وقف إطلاق نار مؤكد وقوى وتوافق سياسى يسيران يدا بيد. وهنا يظهر تناقض كبير، لأن وقف إطلاق النار المطلوب أولا لن يأتى إلا فى صلب عملية سياسية لها أول ولها آخر، ومعروف نتائجها، وفيها التزامات متبادلة بين الطرفين الرئيسيين الفلسطينى والإسرائيلى وقبول عربى لهذه الالتزامات. ومن غير المتصور أن يقبل الفلسطينيون سواء فى الضفة الغربية أو غزة وقفا لإطلاق النار ذى طابع نهائى بدون أن يعرفوا مصير الدولة الفلسطينية وموقع القدس فيها. وبافتراض أن الفلسطينيين قبلوا صيغة ترامب من أجل الحصول على استثمارات دولية لتحسين حياتهم، فمن هى الجهة التى ستتولى التنسيق لهذه الاستثمارات والإشراف على تنفيذها ووفق أى صيغة قانونية، ومن هم الممولون الذين سيقبلون ضخ مئات الملايين من الدولارات دون التوافق على وضع سياسى مستقر، ومدعوم دوليا وإقليميا.
ونشير هنا إلى أن نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى المكلف لم ينجح فى تشكيل حكومته برغم حصوله على مدة زمنية إضافية، والسبب فى ذلك أن بعض الأحزاب اليمينية المدعوة للمشاركة فى الحكومة الجديدة تضع شروطا لا علاقة لها بأى سلام أو تهدئة أو مفاوضات مع الجانب الفلسطينى. فليبرمان أفيغدور، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” يشترط أن يحصل على منصب وزير الأمن وتعطى له صلاحيات واسعة فى شن حرب ضروس على قطاع غزة وإجهاض حكم حماس فيها. أما تحالف أحزاب اليمين فيطالب بأن يتضمن بيان الحكومة إعطاء صلاحيات واسعة للمستوطنين الإسرائيليين فى الضفة، تمهيدا لتطبيق السيادة الإسرائيلية علىالضفة الغربية المحتلة، وتمرير قانون يفرض هذه السيادة على الكتل الاستيطانية. ومثل هذه المواقف فى الداخل الإسرائيلى لا علاقة لها بأى حال بالحد الأدنى اللازم لجذب استثمارات دولية وعربية بمئات الملايين من الدولارات إلى قطاع غزة والضفة، إنما لها علاقة باستمرار التوتر والصراع المسلح، وهو ما يناقض تماما منهج ترامب الداعى إلى سلام اقتصادى أولا.
ولا شك أن الغموض المتعمد فى خطة ترامب بشأن الحقوق القومية الفلسطينية والهوية الوطنية والكيان المستقر وصلاحيات السيادة المعروفة لا تؤهل الخطط الاقتصادية للنجاح. وما لم تتضح العلاقة بين المسار السياسى والمسار الاقتصادى، ويسيران يدا بيد، لن تنجح أى خطوة مهما قدُمت محاطة بالأحلام الوردية عديمة الأساس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.