- عميد أكاديمية الدراسات العربية بجامعة نينغشيا الصين - ترجمة: إيمان السعيد
اختتمت مؤخرا في العاصمة الصينية، قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، وخلال الكلمة التي ألقاها بالجلسة الافتتاحية للقمة، شرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل مفصل، السياسات والتحركات الجديدة التي تدعمها الصين في علاقاتها الإفريقية، وأعلن عن تدابير وإجراءات جديدة للتعاون الفعلي بين الصين وإفريقيا، كما أشار إلى أن التركيز على تنفيذ "الأعمال الثمانية الكبرى" خلال السنوات الثلاث المقبلة والفترة اللاحقة لن يرتقي فقط بعلاقات الشراكة والتعاون الاستراتيجي الشامل بين الصين وإفريقيا إلى مكانة أعلى، بل إنه سيمنح"تعاون الجنوب الجنوب" في الدول النامية تطلعاتٍ جديدة نحو الأمام.
وبالحديث عن الصين وإفريقيا، فالأولى هي الدولة النامية الأكبر في العصر الحديث، والثانية هي أكبر رقعة في العالم تضم دولا نامية. ويمتلك شعبا الصين وإفريقيا رغبة مشتركة في السعي للنهضة القومية والتنمية الاجتماعية -وهذه العلاقة القوية والتطلعات العريضة هي الأساس التاريخي الراسخ وأساس الإرادة الشعبية للتعاون الصيني الإفريقي، وهي المصدر الأساسي لقوة الوحدة بين الطرفين.ولقد التزمت الصين لفترة طويلة تجاه إفريقيا بمبدأ العطاء أكثر من الأخذ، والعطاء أولًا والأخذ لاحقًا، والعطاء دون الأخذ، وساهمت في التنمية الإفريقية بواقعية ومصداقية. وهذا ما فعلته الصين في الماضي عندما كانت دولة متأخرة، وما زالت تفعله اليوم بعد الإصلاح والانفتاح والتنمية السريعة. وبالإضافة إلى ذلك فمن الجدير بالذكر أن حيوية التعاون الصيني الإفريقي ما زالت تتمثل في التعاون متبادل النفع ومشترك الربح، فإفريقيا في حاجة إلى الصين والصين كذلك في حاجة إلى إفريقيا. وتتكامل مزايا واحتياجات الصين وإفريقيا في تعاونهما المشترك، فلقد مرت الصين ب40 عاما من التنمية السريعة من خلال سياسة للانفتاح والإصلاح، وكوَّنت قدرة هائلة على التصنيع، فجمعت رؤوس أموال وفيرة نسبيًا، إلا أن الموارد الطبيعية في الصين لا تزال غير كافية، والتنمية الاقتصادية السريعة في حاجة ملحة إلى سوق كبيرة لا تتوقف؛ وتملك إفريقيا أراضيشاسعةومواردوفيرةوقوىعاملة، في حين أن بنيتها التحتية لا تزال متأخرة نسبيًا، والصناعة غير متطورة، وينقصها ضخ المزيد من رؤوس الأموال. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصين اليوم سوف تقود عملية تنمية الدول الإفريقيةبقوة، كما أن تنمية الدول الإفريقية سوف تحقق للصين زخمًا في مُضيها خطوات نحو الأمام بشكل أكبر.
وفي الحقيقة فلقد تحققت المنفعة المتبادلة والربح المشترك للتعاون الصيني الإفريقي خلال 18 عاما من المسيرة التاريخية لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي. فمنذ تأسيسه عام 2000، تحققت إنجازاته، وجلب منافع حقيقية لكلا الشعبين. واليوم وبعد 18 عاما يتزايد حجم إجمالي التجارة بين الصين وإفريقيا من 10 مليارات دولار عام 2000 ليصل إلى 170 مليارا عام 2017، حيث تضاعف 17 ضعفا؛ ونمى حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا من أقل من مليار دولار عام 2000 ليصل 100 مليار في 2017، أي أنه أيضا تضاعف 100 ضعف. والآن تصل استثمارات الشركات الصينية في إفريقيا لأكثر من 10 آلاف مشروع، ويغطي نطاق هذه الاستثمارات العديد من المجالات مثل البناء والصناعة والتعدين والتجارة وغيرها.
وفيما يخص الخطوة التالية في التعاون الصيني الإفريقي، فالقمة هذه المرة أكدت بوضوح مسار التوجه، وأقرت نهجا فعليا قويا للتعاون. وكما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن الصينترغب في وضع تأسيس مجتمع المصير الصيني الإفريقيالمشترك كهدف لأعمالها، ودفع تنفيذ مخطط "الأعمال الثمانية الكبرى" في السنوات الثلاث القادمة والفترة اللاحقة، على أساس "مخطط المشاريع العشر الكبرى" الذي أكدت عليه قمة جوهانسبرج، كما تعمل عن كثب مع الدول الإفريقية للتركيز على تنفيذ "الأعمال الثمانيةالكبرى".
وهذه الأعمال تتضمن: أولًا: تنفيذ حملةالتنمية الصناعية؛ حيث قررت الصين إقامة ،وتشجيع الشركاتالصينيةعلىتوسيعالاستثمارفيإفريقيا،والاستمرار في الإدارة الجيدة لمختلف المناطق الاقتصادية والتجارية الصينية في إفريقيا. ثانيًا: تنفيذ حملة ترابط المنشآت؛ حيث قررت الصين والاتحاد الإفريقي وضع "تخطيط التعاون الصيني الإفريقي للبنية التحتية"،وتنفيذ دفعة من المشاريع المهمة للتواصل والترابط المتبادل في تطوير البنية التحتية لإفريقيا،ودعم إقامة السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي، ودعم الدول لإفريقية للاستفادة من موارد البنك الآسيوي للاستثمار وبنك التنمية الجديد وصندوق طريق الحرير وغيرها من المصادر بشكل أفضل. ثالثًا، تنفيذ حملة تسهيل التجارة؛ حيث قررت الصين استيراد المزيد من البضائع الإفريقية، وخاصة منتجات الموارد غير الطبيعية، ودعم إقامة مناطق التجارة الحرة في قارة إفريقيا، ودفع التعاون الصيني الإفريقي في التجارة الإلكترونية. رابعًا، تنفيذ حملة التنمية الخضراء؛ حيث قررت الصين تعزيز التعاون المتبادل مع إفريقيا في مواجهة التغير المناخي والتعاون البحري ومكافحة التصحر وحماية الحيوانات والنباتات البرية وحماية البيئة الإيكولوجية وغيرها من المجالات.
خامسًا، تنفيذ حملة بناء القدرات؛ حيث قررت الصين تعزيز التعاون مع إفريقيا بشأن الخبرات الإنمائية، وتدريب الموارد البشرية لإفريقيا، ودعم إنشاء مركز التعاون الصيني الإفريقي لتعاون الإبداع الرامي لدفع الشباب نحو الابتكار وريادة الأعمال. سادسا،تنفيذ حملةالصحة، حيث قررت الصين تطوير وتحسين 50 مشروعا في إطار المساعدات الطبية لإفريقيا، وتدريب المزيد من الأطباء المتخصصين من أجل إفريقيا. سابعًا، تنفيذ حملة التواصل الشعبي؛ حيث قررت الصين إنشاء المعهد الصيني للدراسات الإفريقية، والاستمرار في دفع التشييد الصيني الإفريقي المتبادل للمراكز الثقافية، ودعم المزيد من الدول الإفريقية لتصبح مقصدًا سياحيًا للأفواج الصينية. ثامنًا: تنفيذ حملةالسلم والأمن؛ حيث قررت الصين إنشاء الصندوق الصيني الإفريقي للتعاون في مجال السلم والأمن، ودعم التعاون الصيني الإفريقي في مجال حفظ السلام والاستقرار والأمن بين الصين وإفريقيا، ودعم الجهود الإفريقية في حفظ الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وإنشاء المنتدى الصيني الإفريقي للسلم والأمن.
وبهدف دفع تسهيل تنفيذ "الأعمال الثمانية الكبرى"، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضًا أن الصين على استعداد لتقديم 60 مليار دولار كدعم لإفريقيا في شكل مساعدات الحكومية واستثمارات للهيئات المالية والشركات وغيرها من الأشكال.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصين خلال تعاونها الإفريقي، تولي اهتماما كبيرا بدور مصر (كونها دولة كبرى مؤثرة إفريقيًّا وعربيًّا)، وقد عقد الرئيس الصيني منذ توليه حكم الصين، ستة لقاءات مع الرئيس المصري خلال خمس سنوات فقط، مما أسس لعلاقات وثيقة بين الجانبين، وجعل التعاون المصري الصيني يشهد عمقا متزايدا. وخلال منتدى قمة التعاون الصيني الإفريقي الذي وقّعت فيه أكثر من عشر اتفاقيات لمشاريع كبرى، حازت مصر على عدد من هذه المشاريع، ومن ضمنها التعاون الصيني المصري في إنشاء مشروع العاصمة الإدارية بمصر، والذي تبلغ تكلفته الإجمالية أكثر من 3.5 مليار دولار. وإذا كانت آفاق التعاون الصيني الإفريقي تشهد أبعادا جديدة، فإنه من الواضح أن التعاون الصيني المصري له في الأفق مستقبل من النجاح غير المحدود.