على أيامى كان رفت الصحفيين بالكوم ومن لم يرفت يعتقل!! يعنى يا بنتى اللى يترفت كانت أمه بتحبه.. وأنا كنت «كل ما آجى أقف أجع»!
أنا كنت كل ما آجى أقف أجع.. قالها لى محاولا أن يجبر بخاطرى ماتزعليش أنت على الطريق، إوعى تفتكرى إن الكاتب الساخر هذا إذا اعتبرت نفسك ساخرة.. هو أراجوز أو شكوكو بإزازة أو ظريف أو مستظرف الكاتب الساخر ذاق المر.. وكلماته حبات عرق وكفاح على ظلم على مرار طافح، ومن يومها عجبتنى كلمة المرار الطافح، وأخذت أستخدمها هى وعبارة الصعيدى كل «ما آجى أقف أجع».
ووقفاتى أيام جمال عبد الناصر كوم، ووقفاتى مع اللى بعده يقصد السادات.. أكوام وأكوام بدأت قبل ما يكون ريس؟ ضحك ضحكته.. تماما وكأنك تشاهد صلاح السعدنى فى دور العمدة فى مسلسل «ليالى الحلمية» واعتبرت نفسى «زهرة» ابنة العمدة فى الليالى العكاشية.
كان واضحا أن ظلم السادات للسعدنى بدأ مبكرا مع بدايات الثورة، وهذا ما أشعرنى بأنه دائما ما يتمنى له الغلط، عكس جمال الذى كان يبلع له الزلط!! انتظر السعدنى قليلا قبل أن يحكى إحدى «ظلومات» السادات له حتى امتلأت الخيمة.. وزادت بمريدى اليسار والناصرية.. ولف العصا لفتين وقال: أنا كنت ماشى فى حالى بحاول أبعد عن السياسة قلت أكتب عن الفن والفنانين، أعمل إيه أكثر من كده، وفجأة لقيته بيندهلى سألته مين؟ خفض نظارته وغمز زاغرا قال لى بعدين؟ ما قلنا....... وفهمت أنه السادات، فأكمل وذهبت لمقابلته فى مكتبه وظللت واقفا أمامه وهو عمال يكتب ويكتب، كأنه بيكتب الإلياذة ولم ينظر للبنى آدم اللى طلبه، وطال انتظارى واقفا وأنا كنت عارفه كويس قبل الثورة! فبدأت أتنحنح وأقول مساء الخير.. مساء الخير يا ريس وأعيد وأزيد برخامة.
فلم يرد! كررت مساء الخير يا ريس.. وأخذت أكرر وأكرر وقلت لنفسى أنا ياما كنت بهزر معاه قبل الثورة! إيه اللى جرى هو اتغير والا إيه؟ حتى فاجأنى وهو بينظر لى كأنه الخديو من فوق لتحت.. وبطريقته اللى إنتو عارفينها بأسلوب العمدة فى المركز.. قال لى: إيه المسخرة اللى أنت كاتبها دى يا وله! قالها السعدنى وهو يقلد السادات، فكدت أنفجر من الضحك، خصوصا أن مشاعرى تجاه الرجل كانت شبيهة بمشاعر السعدنى تجاهه، ثم أكمل: سألته قائلا: باستغراب أشبه بالاستهجان: فيه إيه يا ريس؟ فقال لى: إنت عربجى ولااا صحفى؟
وبمنتهى الثبات وأنا كنت "باهزر" معه قبل الثورة! كررها السعدنى وكأنه لايصدق نفسه وما حدث وما قيل بعدها.. رددت عليه وقلت: مافيش فرق!! بس.... وكانت «الوكسة الأوية» على رأى الأغنية فى الميدان فى إسكندرية، لقيته بيرمى المجلة فى وجهى وقال لى: أنت موقوف. قلت له طيب ثم خرجت فنادى علىَّ: تعالى خد! أنت مش هامك والا إيه؟ فقلت له وأنا أمسك على كرامتى كأنها جمرة نار، فقلت له: حضرتك قلت موقوف فقلت حاضر، وهذا ما استفزه.. فقال طيب.. أنت مرفوت!! نظر لى كأنه يطبطب علىّ بالكلمات الساخرة أيامها كان الرفت بكلمة!! وبدون اعتبارات! ولا تمهيدات، مجرد خلاف فى الرأى، فقد كان يرى أن لسانى قذر، لكنه قالها باللفظ المجرد، وكان بالزوفة أيامها، تم رفتى مع مجموعة كبيرة ضمت بيرم التونسى وألفريد فرج وعبد الرحمن الخميسى!! ضحكت للسعدنى وحاولت تشبيه نفسى بالعمالقة طيب ما أنا تم رفتى بكلمة، وأخذت بقية مرتبى ملاليم باليومية، ضحك السعدنى بنفس ضحكة عمدة ليالى الحلمية وقال بقولك أنا وبيرم التونسى وألفريد فرج تقوليلى.. دينا ريان! وكنا بنعرف من صراف الخزنة أننا اترفتنا ونحن نقبض المرتب يعطينا جوابا معه وعبارة.. إحنا متشكرين قوى على المدة التى قضيتها معنا فى الجريدة!! النظام الإنجليزى «هاير آند فاير» أى استأجر وارفت بدون حقوق ولا التزامات ولا عواقب، نظام عرض وطلب ده فى البداية بعد كده بقه نظام.. عين وابعت؟ على فين؟ على المعتقل.. هاهاها.
ودى كانت نهاية حكاية السادات ورقبتى! وضحك السعدنى بسخرية مريرة.. وقال: ذهبت بعد الرفت لأعمل فى روز اليوسف مع إحسان عبد القدوس بوساطة كامل الشناوى. فتحت فمى وأنا أسمع أسماء الكبار ده إحسان ووساطة كامل الشناوى ورفت السادات للصحفيين، فأكمل السعدنى ضحكته المريرة وقال: اقفلى فمك عشان الناموس حيقرصك فى لسانك! واحمدى ربنا على اللى إنت فيه.. إحنا أيامنا اللى متغطى بالسلطة لا مؤاخدة عريان.. ويموت الزمار، فقد ذهبت بعد تعيينى فى روزا إلى السادات، وكان رئيسا لمجلس الأمة وأخبرته بأننى اتعينت فى روزا، فقال عظيم يا ولد عظيم! أنا ثقتى فيك كده؟ ولما فضفضت معه بأننى خايف من المعتقل وقد بدأ يظهر لليساريين والمعارضة، وأنا كنت منهم، قال لى مؤكدا: لا.. أنت فى رقبتى يا ولد.. أنت فى رقبتى!! اطمأننت، لكن بعدها بفترة غير قصيرة قبضوا علىَّ! ولما ذهب للسادات واحد زميلى قال له: دا واد قليل الأدب ويستاهل قطع رقبته! وبالفعل أنا كنت فى رقبة السادات.. فضاعت رقبتى فى سجون الواحات والفيوم والقلعة وجميع سجون مصر.. وحسبى الله، لست أنا من قلتها تلك المرة.. بل هو.