- الغوطة الشرقية هي الرئة الرئيسية للعاصمة دمشق وتحيط بها من الشرق.. ومنذ بداية الصراع العسكري في سوريا تمركزت الفصائل الرئيسية التي قادت هذا الصراع في الغوطة الشرقية وهددت دمشق، ومن أهمها جيش الإسلام وفيلق الرحمن وتنظيم النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة - حاول الجيش السوري تحرير الغوطة الشرقية من هذه الفصائل على مدى 4 سنوات بمساعدة من إيران والتنظيمات الشيعية الموالين لها، وبدعم جوي روسي خاصة خلال عامى2015، و 2016 - يتراوح أعداد أفراد الفصائل بين 20 - 30 ألف مقاتل في الغوطة الشرقية فقط - الولاياتالمتحدة تسيطر من خلال القوات الكردية على حوالي 30% من الأراضي السورية وأقامت أمريكا عددا من القواعد العسكرية في تلك المنطقة - أمريكا أعلنت أن وجودها العسكري والسياسي سيستمر لسنوات.. وبهذا بدأت واشنطن أولى مراحل تقسيم الدولة السورية - الصراع على سوريا تتشابك فيه أجندات إقليمية ودولية تساهم في تعقيده وتحول دون التوجه إلى حسمه وتدفع إلى استمراره - عملية تقسيم الدولة السورية تدعمها الولاياتالمتحدة وتساهم معها في ذلك قوى إقليمية مختلفة، ويجري ذلك كله في ظل غياب للموقف العربي والمؤسسات العربية المعنية - قرار مجلس الأمن فرض هدنة في الغوطة وسوريا لمدة ثلاثين يوماً.. فإنه لن يمنع مواجهات عسكرية متعددة فور انتهاء تلك المدة أصدر مجلس الأمن قراراً بفرض الهدنة في سوريا لمدة ثلاثين يوماً بعد مفاوضات بين الدول الكبرى استغرقت أسبوعاً، وذلك لأسباب إنسانية تتعلق بالمأساة التي تواجهها الغوطة الشرقية في ريف دمشق. الموقف الأوروبي والأمريكي كان لافتاً للنظر في التركيز على إصدار القرار لاعتبارات إنسانية مع توجيه اتهامات للنظام السوري بالمسئولية أيضاً الموقف الروسى كان متميزاً، حيث أصرت موسكو على تحديد طبيعة الهدنة، وأنها لا تتعلق بتنظيمات إرهابية داخل الغوطة وحددت داعش والنصرة، وأشارت إلى أن جيش الإسلام يعتبر هدفاً مشروعاً، إيران من جانبها أعلنت أن الهدنة لا تعني توقف عملياتها لملاحقة التنظيمات الإرهابية على حد قول مسئوليها، بينما اعتبرت تركيا أن هذا القرار الذي أكد أن الهدنة تشمل جميع الأراضي السورية لا يتعلق بعملياتها في منطقة عفرين وسعيها للسيطرة على مناطق الحدود مع سوريا ومحاصرة التنظيمات الكردية هناك. تداخلت المواقف المحلية والإقليمية والدولية بخصوص الموقف في الغوطة الشرقية، وتصاعدت معها تهديدات للنظام السوري بتوجيه ضربات لقواته العسكرية من جانب بريطانياوأمريكا وكشف ذلك كله عن تعقيدات الأزمة السورية وتشابك المصالح وتناقضها بين القوى المتورطة فيها بحيث أصبحت القضية ليست الصراع في سوريا، ولكن وبوضوح أصبحت القضية هي الصراع على سوريا، ولكن لماذا تصاعد الموقف في الغوطة الشرقية في هذا التوقيت، وما الأجندات الإقليمية والدولية وراء ذلك. إن الإجابة عن هذا السؤال يتطلب النظر في الاعتبارات التالية: تعتبر الغوطة الشرقية هي الرئة الرئيسية للعاصمة دمشق وتمتد بما تتضمنه من مدن وقرى تحيط هذه العاصمة من الشرق وتمتد حتى جنوبها وتعتلي بعض المناطق المرتفعة التي تطل على وسط دمشق وقطاعاتها الحيوية، ومنذ بداية الصراع العسكري في سوريا تمركزت الفصائل الرئيسية التي قادت هذا الصراع في مناطق الغوطة الشرقية، وهددت العاصمة دمشق ولا تزال ومن أهم هذه الفصائل جيش الإسلام الذي تمركزت قيادته في مدينة دوما وفيلق الرحمن وتنظيم النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة، ومجموعات لأحرار الشام ثم دخلت مجموعات لتنظيم داعش لاتزال موجودة في بعض القرى هناك. حاول الجيش السوري تحرير الغوطة الشرقية من هذه الفصائل على مدى أربع سنوات بمساعدة من إيران والتنظيمات الشيعية الموالين لها، وبدعم جوي روسي خصوصا خلال عامى2015، و 2016 ولم يتمكن من ذلك بسبب كثافة الدعم العسكري واللوجيستي الذي تلقته تلك الفصائل والتي يتراوح أعداد أفرادها بين 20 - 30 ألف مقاتل في منطقة الغوطة فقط، وكانت هذه الفصائل قد استولت على معدات وأسلحة ثقيلة للجيش السوري في تلك المنطقة لا تزال بحوزتها وحصلت على شحنات أسلحة متطورة قدرتها مصادر مختلفة بمليارات من الدولارات، إلا أنه حدث انقسام ما بين جيش الإسلام ومعه فيلق الشام وأحرار الشام من ناحية وتنظيم النصرة من ناحية، حيث وافق التكتل الأول على الانخراط في مشروعات التفاوض (الآستانة جنيف) والموافقة على اقتراح أن تكون منطقة الغوطة هي المنطقة الرابعة لخفض التوتر ووقف القتال، بينما رفض النصرة ذلك وخرجت على هذا الاتفاق وزاد من خطورة ذلك أن عناصر ذلك التنظيم تتركز في مناطق حاكمة تهدد وسط العاصمة وقامت بعمليات قصف لأهداف حيوية عدة مرات، وهو ما دفع روسيا والنظام السوري من استثنائه من قرار الهدنة. إن المنطقة لها أهمية استراتيجية أخرى فظهيرها الصحراوي يمتد إلى منطقة التنف التي أقامت فيها أمريكا قاعدة عسكرية وتحرص على أن يكون تمركزها فيها فاصلاً بين قوات الحشد الشعبي الشيعية الموالية لإيران على الحدود العراقية مع سوريا، والقوات العسكرية الإيرانية وتلك التنظيمات المرتبطة بها في الجانب السوري لمنع التواصل بينها ومحاصرة النفوذ الإيراني العابر للبلدين، كما تقترب المنطقة الجنوبية من المناطق المجاورة للجولان المحتل والتي تعتبر إسرائيل أن أي تمركز عسكري لإيران أو حلفائها فيها خطراً إستراتيجياً عليها، وتلتقي في ذلك مع الولاياتالمتحدة التي تسعى لمحاصرة الدور الإقليمي لإيران خصوصا في العراقوسوريا ولبنان. الجيش السوري يحاصر المنطقة منذ حوالي عامين وتوقفت العمليات العسكرية تقريباً منذ منتصف 2016، إلا أن تغير الواقع الميداني بصورة إيجابية للنظام أخيرا خصوصا بعد ما جرى في حلب وحمص، ومناطق خفض التوتر دفعه للعمل على تصفية الفصائل العسكرية في الغوطة، لتأمين العاصمة ودخول مرحلة العمل السياسي والتفاوض بأوراق مساومة أكثر تأثيراً وساندته روسياوإيران في ذلك وعلى اعتبار أن نجاحه في ذلك سوف يغير من معادلة التوازن العسكري. من جانبها رفضت الفصائل تكرار تجربة حلب والخروج الآمن إلى أدلب لأن ذلك يعني وبصفة خاصة لجيش الإسلام انتهاء دوره في التطورات القادمة وانتهاء دور الدول الداعمة له في التطورات السورية خصوصا أن أحد قياداته – محمد علوش – يترأس وفد المعارضة في جولات التفاوض وتسوقه تلك الدول كقوة معتدلة تشارك في ترتيبات الحل النهائي إلى جانب تنظيم أحرار الشام المتحالف معه في الغوطة الشرقية. الموقف الأوروبي المغلف بدوافع إنسانية يستهدف مصالح إستراتيجية واضحة، وإذا كانت فرنسا تقود هذا الموقف ومعها ألمانياوبريطانيا فإن حقيقة هذا الموقف كشفت عنه مصادر فرنسية وأوروبية أكدت أن جوهره عدم السماح للنظام بتصفية الفصائل العسكرية في الغوطة ثم التفرغ لتصفيتها في أدلب، حيث يحقق ذلك انتصارات إستراتيجية تحول دون الضغط عليه وتوفر مجالات نفوذ أوسع لروسياوإيران، وفي نفس الوقت رفض تمكين الفصائل من تحقيق انتصارات عسكرية إستراتيجية، حيث يتعذر السيطرة عليها، أي أن خلاصة الموقف الأوروبي والأمريكي هنا هو إدارة الصراع بين طرفيه الرئيسيين دون نجاح أي طرف في تحقيق نصر حاسم وهو ما يعني استمراره حتى تتضح الأوضاع لتحقيق مسارات حركة تتوافق مع مصالحها، وممارسة أكبر قدر من الضغوط على النظام السوري. الولاياتالمتحدة اتخذت موقفاً أكثر وضوحاً تجاوز مواقفها السابقة فهي تسيطر من خلال القوات الكردية على حوالي 30% من الأراضي السورية ونجحت في التأثير على التعايش الذي كان يحكم العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والنظام السوري وذلك من خلال توفير غطاء عسكري للقوات الكردية للسيطرة على آبار ومعامل تكرير البترول في منطقة دير الزور، ومحاصرة أي تمدد لقوات النظام أو القوات الإيرانية للمنطقة، وأقامت أمريكا عددا من القواعد العسكرية في تلك المنطقة وأعلنت أن وجودها العسكري والسياسي سوف يستمر لسنوات وبهذا بدأت واشنطن أول مراحل تقسيم الدولة السورية ودخلت في مشروع إستراتيجي واضح لتغيير التوازن السياسي والعسكري في سوريا لمحاصرة النفوذ الروسي بالدرجة الأولى. لاتزال روسيا هي الضامن للنظام السوري سواء في مواجهة أية محاولات لاستخدام قرارات مجلس الأمن تجاهه ومن الملاحظ أن القرارات الإستراتيجية العسكرية والسياسية في الأزمة السورية والتي تتعلق بجانب النظام، أصبحت تصدر عن دوائر صنع القرار في موسكو والتي أصبحت مرجعية واضحة بهذا الخصوص، بل أن الحرص على صيغة التحالف الروسي الإيراني أصبح أمراً حاكماً لمسارات التحرك السياسي في الأزمة السورية بصورة كبيرة، وبرغم التباين النسبي لأهداف كل منها فى مسارات الأزمة السورية فإن الإطار العام لهذا التحالف لا يزال يحظى بثقة الطرفين. أن القوات الإيرانية ومعها حزب الله تعتبر منطقة الغوطة وكذلك المنطقة الجنوبية ذات أهمية إستراتيجية لها، وبرغم أنها ليس من أولوياتها حالياً أي نوايا أو عمليات تتعلق بإسرائيل فإنها تستهدف وجوداً وحضوراً عسكرياً يمكن استثماره بهذا الخصوص مستقبلاً، وهو ما يتصادم مع الإستراتيجية الإسرائيلية على هذا المستوى، ويضيف إلى الأزمة السورية أبعاد إضافية. الخلاصة إذن، أن الصراع على سوريا تتشابك فيه أجندات إقليمية ودولية تسهم في تعقيده وتحول دون التوجه إلى حسمه، وتدفع إلى استمراره، وأن القرارات الإستراتيجية الخاصة بالأزمة السورية، سوف تبقى مرهونة بطبيعة المناورة بين تلك الأجندات والمصالح، وأن عملية تقسيم الدولة السورية تدعمها الولاياتالمتحدة وتساهم معها في ذلك قوى إقليمية مختلفة، ويجري ذلك كله في ظل غياب للموقف العربي والمؤسسات العربية المعنية، وإذا كان قرار مجلس الأمن قد فرض هدنة في الغوطة وسوريا لمدة ثلاثين يوماً إلا أنه لن يمنع مواجهات عسكرية متعددة فور انتهاء تلك المدة.