أشباح أردوغان سيطروا على القاهرة فى ليلة مظلمة، وقعت المحروسة فريسة بين حوافرهم، هرع إليهم الرجال الجوف فى كل عصر إلا من رحم ربى، وكان والى الإرهاب كعصفور يطير فى سماوات العالم العربى، مرحا مختالا، ورجاله يهتفون: أنهينا المهمة. كان ليلا أسود الأخلاق على رأى العم صلاح جاهين، توارى فيه الشجعان إلا من أمسك بالجمر بين كفيه. ساعتها قررت أن أصفع الوالى القادم من عصور الظلام، فكتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان « بائع البطيخ.. وكيل الثورة الحصرى» من جزئين ، نشرا يوم 25 5 2013، والأول من يونيو 2013 على التوالى، وقت أن ذهب الجميع فى صفوف إلى حانة العثمانى الجديد وممثليه فى القاهرة، حيث كانوا يختطفون المحروسة. والآن .. يكشف الوالى ما يعتمل فى خياله من أحلام حمراء، ويستعيد أضغاث مذابح الأرمن فى عفرين السورية، وبعشيقة العراقية، ويرسل ألغامه إلى المحروسة عبر جماعات الموت التى تعلم فنونها ذات يوم فى حظيرة السلاطين الدمويين.. وإليك عزيزى القارئ ما كتبته فى قلب العاصفة: أحكى عن أردوغان، خليفة العثمانية الجديد على العرب العاربة والمستعربة والمستغربة. عن صبى كان يبيع البطيخ فى شوارع إسطنبول، وقد حالفه الحظ بلقاء نادر مع جورج دبليو بوش يوم 28 1 2004. ذلك اليوم باركه المتوج بفرق الموت، بمنحه خريطة جديدة للشرق الأوسط الكبير، خريطة تبدأ من المغرب إلى أندونيسيا، مرورا بجنوب آسيا وآسيا الوسطى إلى القوقاز. وعلى وطريقة روايات التوارة، كأن بوش قال له يا أردوغان .. إليك أعطى هذه الأرض حتى وقت معلوم، فأنا الإمبراطور الرومانى الجديد، اخترتك لنفسى، أيها المسلم المعتدل، فأنت تحكم بلادا كانت تتسلطن على شعوب هذه الأرض، استعدها كأنها لك، ستكون وكيلى عليها، ستواجه عقبات فى دول عتيقة، تبدو حليفة لنا، فتجاهلها إلى حين، مثلا: لا عليك بالسعودية ومصر مؤقتا، ولتبدأ من ممالك صغيرة، مبشرا بكيف يحكم حزب إسلامى بالعلمانية وينجح. يا أردوغان: أنت لم تشاركنا فى غزو العراق، حسنا.. هذه بطولة ستحسب لك عند هؤلاء المغفلين، ونصيحتى لك ألا تقع فريسة لأوهام هذه البطولة، وعليك أن تتذكر خيانة الثورة العربية الكبرى لخلافتكم الإسلامية الموقرة، وكيف طرد زعماء هذه الثورة أسلافكم العظماء، بخديعة لورانس العرب. سوف أعطيك أسلحة تلتهمها هذه الشعوب: الديمقراطية.. الحكم الرشيد: العدالة.. الحرية.. سنرسل إليك المدربين والمعلمين لتعليم هذه الشعوب مثل هذه الأشياء النادرة فى تلك البلاد، وستعرف فى وقت معلوم دور هؤلاء المدربين. بعد هذا الحوار المفترض بأيام، كتبت صحيفة “ينى شفق” التركية قصة خريطة الشرق الأوسط الكبير. كمن وجد ضالته، سرَّب أردوغان أسرار الكنز للصحافة التركية، وتكفل صحفيو البيت الأبيض بتسريب أبواب وشبابيك بقية الكنز، وظهر ريتشارد هاس، المفكر السياسى للعمق الأمريكي، عراب الغزو الناعم فى واشنطن، مبشرا بحكم إسلامى رشيد فى بلاد العرب والمسلمين، وفى تركيا الخبر اليقين. كان أردوغان جاهزا.. صورة نجم سينمائى قادم من أعماق البؤس والفقر والعمل فى الشوارع، (لدينا أطفال شوارع صاروا نجوما وشهداء وقادة بفعل السيدة اليونيسيف)، وأردوغان لا ينتمى لعلمانية كمال أتاتورك، وله رفقة من نفس التراب: أحمد داود أوغلو، مهندس السياسة القادم من جامعة جورج تاون الأمريكية. عبد الله جول، الظل الحارس للسيد نجم الدين أربكان، الزعيم الإسلامى، الذى ظهر جسرا تمر به تركيا من أتاتورك إلى أردوغان، ويبقى اسم فتح الله جولن يتردد صداه فى آفاق البيت الأبيض، كأب روحى لهذا الفريق. فريق الأحلام فى مشروع الشرق الأوسط الكبير. لم أكن أنوى أن أحكى كيف أعاد هذا الفريق العسكريين الأقوياء إلى ثكناتهم العسكرية، ولا كيف وضع المحكمة الدستورية العليا على أرفف التاريخ، ولا حتى متى جرؤ على جر الجنرالات المتقاعدين من منازلهم المنسية إلى ساحات المحاكم بتهمة انقلاب ذات مرة فى الثمانينيات، وهكذا تتلاحق مشاهد الفيلم التركى المرسومة بعناية أمريكية، بينما المتفرجون من أمثالنا مأخوذون، مقطبو الجبين، رافعو الحواجب، وهم يشاهدون لعبة الشطرنج. لم أكن أنوى أن أحكى عن مصاهرة تركية عنيفة مع إسرائيل، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وعلى نفس القوة مصاهرة بحركة حماس الإخوانية، أو دور تركى فى جمع سوريين وإسرائيليين للسلام قبل إصدار الأوامر بتغيير عتبة الأسد، والأسد فى زياراته الحميمة إلى أنقرة لا ينام فى قصر ضيافة بل فى بيت أردوغان مرة، أو الرئيس عبد الله جول مرات، فى اجتمع أسرى دافئ. هذه أشياء لا تبدو متناقضة. فالراعى الرسمى فى واشنطن يضبط الساعات. لا أريد أن أقول للعرب المستغربة عن خط الغاز نابوكو لصاحبه أردوغان.. نابوكو اسم مقطوعة موسيقية للموسيقار الإيطالى فيردى، تعنى نبوخذ نّصّر، صاحب الأسر البابلى الممقوت يهوديا. موسيقى معذبة عن أسر اليهود فى بابل. اليوم لا أرغب فى المزيد.. منك لله يا نبوخذ يا نصّر!.