كان أردوغان جاهزا.. صورة نجم سينمائي قادم من أعماق البؤس والفقر والعمل فى الشوارع، (لدينا أطفال شوارع صاروا نجوما وشهداء وقادة بفعل السيدة اليونسيف)، وأردوغان لا ينتمى لعلمانية كمال أتاتورك، وله رفقة من نفس التراب: أحمد داود أوغلو، مهندس السياسة القادم من جامعة جورج تاون الأمريكية. عبد الله جول، الظل الحارس للسيد نجم الدين أربكان، الزعيم الإسلامى الذى ظهر جسرا تمر به تركيا من أتاتورك إلى أردوغان، ويبقى اسم فتح الله جولن يتردد صداه فى آفاق البيت الأبيض، كأب روحى لهذا الفريق. فريق الأحلام فى مشروع الشرق الأوسط الكبير. لم أكن أنوى أن أحكى كيف أعاد هذا الفريق العسكريين الأقوياء إلى ثكناتهم العسكرية، ولا كيف وضع المحكمة الدستورية العليا على أرفف التاريخ، ولا حتى متى جرؤ على جر الجنرالات المتقاعدين من منازلهم المنسية إلى ساحات المحاكم بتهمة انقلاب ذات مرة فى الثمانينيات، وهكذا تتلاحق مشاهد الفيلم التركى المرسومة بعناية أمريكية، بينما المتفرجون من أمثالنا مأخوذون، مقطبو الجبين، رافعي الحواجب وهم يشاهدون لعبة الشطرنج. لم أكن أنوى أن أحكى عن مصاهرة تركية عنيفة مع إسرائيل، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وعلى نفس القوة مصاهرة بحركة حماس الإخوانية، أو دور تركى فى جمع سوريين وإسرائيليين للسلام قبل إصدار الأوامر بتغيير عتبة الأسد، والأسد فى زياراته الحميمة إلى أنقرة لا ينام في قصر ضيافة بل فى بيت أردوغان مرة، أو الرئيس عبد الله جول مرات، فى اجتماع أسري دافئ. هذه أشياء لا تبدو متناقضة. فالراعى الرسمى فى واشنطن يضبط الساعات. لا أريد أن أقول للعرب المستغربة عن خط الغاز نابكو لصاحبه أردوغان.. نابكو اسم مقطوعة موسيقية للموسيقار الإيطالي فيردى، تعنى نبوخذ نصّر، صاحب الأسر البابلى الممقوت يهوديا. موسيقى معذبة عن أسر اليهود فى بابل. اليوم لا أرغب في المزيد.. منك لله يا نبوخذ يا نصّر!.