ناصر: الجيش المصرى لم يهزم فى فلسطين هيكل: عشت الحرب قبل أن تبدأ رسميا حكومة النقراشى تدخل الحرب بأوامر بريطانية!!
ستظل قضية «فلسطين - إسرائيل» محور الصراع الشائك فيما يسمى مسألة الشرق الأوسط. إلى متى لا أحد يعلم. فالتاريخ كتاب لم تنته فصوله بعد. لكن لا أحد يستطيع كتابة التاريخ أكثر ممن شاركوا فى صنعه. أولئك لا يكذبون. ولا يحرفون. وحتى اليوم لا يعرف كثيرون كيف دخلت مصر حرب فلسطين. ما الظروف والملابسات التاريخية وقد وقعت فى يدى بعض مذكرات الزعيم جمال عبدالناصر، وبعض يوميات «الجورنالجى»، والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل. الأول كان ضابطاً ثائراً حالما فى نهاية الأربعينيات. وشارك فى حرب فلسطين. وحُوصر فى الفالوجا. ورأى بعينه فلسطين وهى تضيع، والثانى كان مراسلاً عسكرياً فى تلك الحرب. والتقى بعناصرها الفاعلة. ماذا قال جمال عبدالناصر فى مذكراته؟ وماذا كتب محمد حسنين هيكل فى يومياته؟ تلك تفاصيل الفصول المقبلة.. وفى كل فصل سوف يجد القارئ الكثير من الأخبار والأسرار المدهشة. المثيرة. والحقيقية أيضا. هى رحلة مع التاريخ.. عبر أهم قضية فى التاريخ. قضية فلسطين! خرج جمال عبد الناصر من السينما.. ليكتب مذكراته! بعد نحو نصف قرن أو بالتحديد 49 عاما من توقيع اتفاقية 1899 بين مصر وبريطانيا. وهى الاتفاقية التى سمحت بسيطرة الإنجليز على الجيش المصرى. دخلت مصر حرب فلسطين كانت بريطانيا الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس قد أعلنت فى حوالى منتصف عام 1947 أنها سوف تنهى الانتداب عن فلسطين يوم 14 مايو 1948. وكانت الأممالمتحدة قد أصدرت بالفعل قرارها بتقسيم فلسطين. هذا التقسيم الذى منح اليهود نحو %50 من الأراضى الفلسطينية. وقد رفض العرب قرار التقسيم.. وبعد هذا الرفض انطلقت العصابات الصهيونية الإرهابية تعربد بالسلاح فى الأراضى الفلسطينية. لإجبار سكانها البسطاء غير المسلمين على هجر بيوتهم وقراهم ومزارعهم خوفا على حياتهم. وكما يقول أحمد حمروش، فإن العصابات الصهيونى استولت على مدن طبريا وحيفا وصفد والأحياء الغربية للقدس. هاجمت القرى الآمنة. وارتكبت مجازر وحشية ضد العرب. دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال. ومن أكثرها بشاعة مذبحة دير ياسين. التى جرت يوم 9 إبريل 1948. وانتهت بقتل أكثر من 250 عربيا. وبلغ عدد القرى العربية التى تعرضت للهجوم حوالى مائة قرية فلسطينية. ويقول حمروش : هكذا التقى رفض العرب لمشروع التقسيم مع نقص قدراتهم العسكرية مع المخطط الصهيونى التوسعى القائم على استخدام القوة. وانتهى الأمر بإعلان بن جورين لدولة إسرائيل مساء يوم 14 مايو 1948. واعترفت حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية بهذه الحكومة بعد دقائق من إعلانها !
كيف دخلت مصر حرب فلسطين؟ وهل كانت الظروف السياسية والعسكرية والداخلية تسمح بدخول هذه الحرب؟ وهل كانت هناك استعدادت كافية؟ وهل كانت حماسة الشعب المصرى فقط وراء الدخول فى هذه الحرب؟ وكيف فجرت العصابات الصهيونية الوضع داخل فلسطين. مما أثار حمية وغضب العرب؟ يقول أحمد حمروش إن المشاعر المضادة لأعمال العصابات الصهيونية تصاعدت. وبدأت عمليات تطوع الذهاب إلى فلسطين تبنتها الجامعة العربية. وأمينها العام عبد الرحمن عزام باشا. وشكلت كتائب تحت قيادة القائمقام أحمد عبد العزيز الضابط بسلاح الفرسان. والذى كان مدرسا للتاريخ فى الكلية الحربية. ومعه كمال الدين حسين فيما بعد وعدد من الضباط. وهكذا بدأ القتال فى صورة حرب عصابات.. حرب بين المتطوعين العرب والعصابات الصهيونية. ووجدت فكرة التطوع أنصارا كثيرين فى الجيش. ومن بينهم اللواء محمد نجيب. الذى آمن بأن الوسيلة المثلى للقتال فى فلسطين. لا تكون إلا باستخدام حرب العصابات. ولم يكن لجوء النقراشى للقوة المسلحة ودخول الحرب أمرا واردا حتى يوم 11 مايو 1948. عندما غير رأيه فجأة بين عشية وضحاها. وطلب يوم 12 مايو عقد البرلمان المصرى لجلسة سرية. لطلب دخول القوات المسلحة المصرية أرض فلسطين. يضيف أحمد حمروش: وكان هذا التغير المفاجئ فى موقف النقراشى مثيرا للانتباه والدهشة. وسأله فؤاد سراج الدين زعيم المعارضة الوفدية فى مجلس الشيوخ. عما إذا كان قد قام بتقدير موقف الإنجليز ووعد بلفور. وعن احتمالات طعنهم للجيش المصرى من الخلف؟ • فكان جواب النقراشى: إننى متفائل ونحن نعرف قوة اليهود تماما. وأحب أن أطمئنك إلى أن الإنجليز أيضا هم الذين شجعونى على ذلك ! وعندما اعترض إسماعيل صدقى باشا على دخول الجيش المصرى لأنه غير مستعد من الناحية العسكرية. أكد له النقراشى أنها ستكون نزهة للجيش!
ولكن ماذا عن موقف الملك فاروق من حرب فلسطين؟ لم يكن فاروق أقل تحمسا. بل إنه أمر بتحريك الجيش قبل موافقة البرلمان. وأعطى الأوامر بذلك لمحمد حيدر وزير الحربية دون علم النقراشى رئيس الوزراء ! هكذا دخل الجيش المصرى حرب فلسطين يوم 15 مايو 1948. فجأة ! يقول نجيب محفوظ أديب العرب : خرجت مظاهرات 1948 تطالب بالحرب. وكانت مظاهرات شعبية واسعة.. وفى البرلمان وقف محمود فهمى النقراشى ليقنع النواب بأن الجيش مستعد للحرب. وأكد ذلك الفريق إسماعيل صدقى باشا. الذى كان عضوا فى البرلمان وقتئذ. وأجرى مصطفى أمين حوار معه. شرح فيه وجهة نظره. التى كانت تقول أن إسرائيل دولة نشأت برغبة العالم. وبالتالى سندخل فى صدام واسع مع الغرب. ومن ناحية أخرى فإن الجيش المصرى ضعيف ! ويضيف نجيب محفوظ: لكن إسماعيل صدقى كان ذا سمعة سيئة. ووقفنا ضده. وكان حزب الوفد مع الحرب. وأقنعت الحكومة الشعب بأمرين.أن الجيش قوى. والإسرائيليين مجرد عصابات! وطبعا كانت كلمة عصابات وقتئذ تعنى شراذم ضعيفة. الحكومة قالت إن الجيش قادر. من أين لنا أن نعرف الحقيقة التى لم تعلن؟ طبعا صدقنا الحكومة.. ولكن للأسف الحقيقة كانت على خلاف ذلك تماما. لقد خدعنا كشعب ! ومن فلسطين وصلنا صوت المفتى الحاج أمين الحسيني. كان يطالب بالعون المادى والمعنوى. وكان ضد تدخل الجيوش العربية ! وكنت أتابع وقائع القتال.. كنت منغمسا مثل بقية الناس. وأذكر حصار الفالوجة جيدا. وشاركنا فى استقبال القوة المصرية عند عودتها. وكان بينها جمال عبد الناصر. وأذكر جيدا قائد القوة. كان معروفا بالضبع الأسود. وكنت مقتنعا مع الناس أننا انتصرنا فى الفالوجة. ولم أكن أدرى أننا خدعنا مرة أخرى !
كيف كان حال الجيش المصرى فعلا؟ يعود أحمد حمروش ليقول: لقد اتخذ قرار الحرب فى لهفة وعجلة. ودون دراسة متروية. فى وقت كان الجيش المصرى فيه مازال يعانى من نقص التسليح. فلم تكن بريطانيا قد أمدته بالأسلحة التى طلبها. وكان الجيش المصرى حتى هذه الفترة. بعيدا عن تنظيم المعركة. فلم يكن قد عرف نظام التشكيلات بعد. أى أنه كان أسلحته منفصلة لا تنسيق فيما بينها ولا تجميع للقتال. وكان التدريب قاصرا ومتخلفا عن مناورات المعركة ! ولم تكن طوابير الجيش تشاهد إلا فى مواكب المحمل النبوى والجنازات. وكانت هذه الحقيقة يدركها كل ضباط الجيش. لكن الدعاية الجارفة أشعلت الحماس للقتال. وجرائم العصابات الصهيونية.التى واصلت عدوانها الإرهابى. جعلت رجال الجيش يقبلون على المعركة بروح معنوية عالية. وكل هذا كان فيه خدمة بريطانيا. التى كانت قواتها مازالت تحتل منطقة قناة السويس.وذلك بهدف إشغال الجيش المصرى بمعركة خارج الحدود. لإبعاد خطر المطالبة الوطنية بخروج قوات الاحتلال ! وكان الموقف يخدم النظام الحاكم ! فقد كانت القضية الوطنية معلقة بعد فشل المفاوضات. وكانت الانتفاضة الوطنية قد دفعت جميع طوائف الشعب إلى المظاهرات والإضراب. بمن فيهم ضباط البوليس.ودفع الغلاء بعض الجنود إلى وضع أرغفة الخبز على سناكى بنادقهم أثناء المظاهرات! هذا كان حال مصر قبل حرب فلسطين مباشرة.. كانت مليئة بعوامل الضجر التى تهدد قواعد النظام. الذى كان يستند على ملكيته. فاحت رائحة فساد رجالها. إلى الحد الذى أضعف تماما من مركز الملك فاروق. وهكذا وجدت حكومة النقراشى فى دخول حرب فلسطين. تنفيذا لأوامر بريطانيا والسراى. إنقاذا لها مما عجزت عن مواجهته. ووجد فيها الملك والاستعمار طوق نجاة يتعلقان به لإنقاذهما من غضب الشعب يوما بعد يوم . وأعلنت الأحكام العرفية.. وفتحت المعتقلات فى معسكر هايكستيب الذى امتلأ بالمئات من المعتقلين وفرضت الرقابة على الصحف. وقيدت الاجتماعات العامة. ولم تكن الدولة قد عبأت نفسها للحرب. بل لم تكن هناك إدارة للتعبئة. وأول كتيبة دخلت أرض فلسطين. كانت تحملها أتوبيسات أحضرها أحد المقاولين !
ماذا قالت الصحافة المصرية صباح يوم دخول مصر حرب فلسطين؟ حملت الصحف المصرية صباح ذلك اليوم مانشيتات تقول : «الطائرات المصرية فوق تل أبيب والمستعمرات اليهودية» ! «إلقاء منشورات بطلب تسليم اليهود فى ظرف ساعة». « دخلت الجيوش العربية فلسطين» ! وكان هذا اليوم هو يوم الإشاعات فى القاهرة ! فقد أشيع أن الإسكندرية وقع فيها حوادث. وأشيع أن داوود عدس صاحب محلات عدس قد قتل وأن محله نهب. وأشيع أن الفريق حيدر باشا سافر إلى الحدود. بينما كان فى اجتماع عسكرى ! وأشيع أيضا أنه تم نسف الأزهر الشريف بالديناميت ! وظهرت إشاعات أخرى عن ذبح 3 حاخامات فى مذبح القاهرة ! وإشاعة عن قتل 250 يهوديا فى ميدان الملكة فريدة ! وكانت الصحف المصرية فى ذلك اليوم تحمل خبر إعلان قيام دولة إسرائيل. واعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بها. وعاش أهل القاهرة فى حيرة.. لم يكن أحد يعرف ماذا يحدث فى فلسطين؟ وتاهت الحقيقة فى طوفان البرقيات والإشاعات والخطب الحماسية. بينما كانت هناك دماء تسيل على أرض فلسطين.. فى نفس اليوم !
بعد مرور خمس سنوات على حرب فلسطين.. سجل اثنان من شهود الحق على هذه الحرب شهادتيهما على أحداثها وخلفياتها. وما دار فى كواليسها. الأول.. كان الأستاذ محمد حسنين هيكل.. وكان وقتها محررا عسكريا لدار «أخبار اليوم». وكان الصحفى الوحيد الذى ذهب إلى فلسطين. وحاول أن يرفع الستار عن حقيقة ما كانت تخفيه الظلال على صورة ما كان يجرى. بعد خمس سنوات من حرب فلسطين روى الأستاذ هيكل شهادته بدون رقابة وبلا قيود أو ظلمات. وبعد أن تخلص عقله من ظروف الزمان والمكان. ولم تعد تخطف أعصابه أحداث بعينها. أو تبهر عينه زاوية من زوايا الصورة فيتجه إليها ولا يرى غيرها! الرجل الثانى.. كان جمال عبد الناصر نفسه.. المقاتل الذى خاض غمار المعركة بكل قطرة من دمه.وحصل فيها على أرقى وسام عسكرى مصرى والثائر الذى استلهم عبارت وعظات حرب فلسطين. والتى كانت هى نفسها إرهاصات ثورة يوليو التى قام بها مع رفاقه. بعد أربعة أعوام من هذه الحرب ! فى يومياته قال الأستاذ هيكل : « لقد عشت حرب فلسطين.. قبل أن تبدأ هذه الحرب رسميا ! عشت هذه الحرب ذات يوم من أيام شهر مارس سنة 1948. وكنت قد حملت حقائبى وذهبت إليها أبحث عن الحقيقة.. وأذكر « أخبار اليوم» كتبت فى مقدمة التحقيق الصحفى الأول من أورشليم – القدس – تقول : ان الحقيقة تتوه فى طوفان البرقيات والشائعات والخطب والإذاعات. ولا يعرفها إلا من يحاول البحث عنها. تحت الانقاض وعلى ألسنة اللهب. وفى السهول التى تتناثر عليها جثث القتلى. ويبلل الدم فيها زهور البرتقال ! وأنا أشهد الآن بعد مرور خمس سنوات. أن ما رأيته تحت الأنقاض. وعلى ألسنة اللهب. وفى السهول التى تتناثر فوقها جثث الموتى. ويبلل الدم فيها زهور البرتقال. لم يكن كل الحقيقة. بل لم يكن الجزء الأكبر أو الأهم منها! وأشهد أيضا أن الجزء الأكبر والأهم من هذه الحقيقة كان بعيدا عن أرض فلسطين كلها! كان مسرحه مكاتب أنيقة ناعمة معطرة ! مكاتب متناثرة ما بين القاهرة وغيرها من عواصم الدول العربية.. وبين لندن وواشنطن ونيويورك.. وتل أبيب !
أما جمال عبد الناصر فقد كتب مذكراته عن حرب فلسطين بعد حوالى سبع سنوات من هذه الحرب! كانت الثورة قد قامت فى مصر.. وكان عهد جديد قد بدأ. وصفحة أخرى من صفحات التاريخ قد فتحت ! ولم يكن يخطر على بال جمال عبد الناصر أن يكتب أية مذكرات عن حرب فلسطين.. لولا أنه شاهد فى السينما فيلما بوليسيا ! ذات يوم دخل جمال عبد الناصر إحدى دور السينما.. وكانت تعرض فيلما بوليسيا مثيرا. فيلم أمريكى من الأفلام التى كانت هوليود تتفنن فى صناعتها تلك الأيام. ويتبارى مخرج وهذه الأفلام فى حشدها بكل ما يشد أعصاب الناس. ويحبس عليهم أنفاسهم. بالحبكة والمفاجأة وقوة المؤثرات الفنية ! وجلس جمال عبد الناصر فى مقعده بدار السينما يتابع أحداث الفيلم.. وفيما بعد روى عبد الناصر ما حدث فقال :كان لقصة الفيلم - ككل قصة فيلم – بطلان! البطل الأول استولى الشيطان على قلبه وعقله.. وزرعهما بالشر والدهاء ! والبطل الثانى رجل طيب يؤمن بالخير وبالحب بين الناس.. وتمضى أحداث الفيلم.. ويرتكب الرجل الذى ملكه الشيطان جريمة قتل. وأكثر من ذلك يرتب مسرح الحادث. بحيث يلقى التهمة كلها على الرجل الطيب ! وتمشى الأحداث إلى ذروة الإثارة.. وتحيط الشبهات من كل جانب بالرجل الطيب. وتطبق عليه الريب من اليمين ومن الشمال. وتلاحقه نظرات الشك. وتضعه داخل قفص الاتهام الرهيب ! ويفقد الرجل الطيب أعصابه.. ويكاد أن يجن ! ينكر ويلح فى إنكاره.. فلا يجد من يسمع أو يصدق.. حتى أقرب الناس إليه ! يحاول أن يدفع عن نفسه شراك العنكبوت التى وقع فى حبائلها. فإذا الشواهد الملفقة - والتى أحسن تلفيقها – تشده بأغلال حديدية ! ويتخبط الرجل الطيب.. يضيع.. وينهار. يملكه اليأس على نفسه. وتختلط معالم الحق فى وجدانه المهزوز بمعالم الباطل الذى دس عليه. وحتى هو.. أخيرا من ضغط الإلحاح عليه. وشدة الحصار حوله. يكاد يعترف على نفسه بجريمة لم يرتكبها. ولم يفكر يوما فى ارتكابها !
قال جمال عبد الناصر فى مذكراته عن حرب فلسطين : «ولقد ذكرتنى هذه القصة بجيش مصر فى فلسطين»! لقد كانت فى فلسطين هزيمة ! كما كان فى قصة الفيلم جريمة ! ولكن من الذى هزم فى فلسطين؟ فى رأيى أن جيش مصر لم يرتكب جريمة فلسطين ! وإنما ارتكبها غيره. وزيف عليه الأدلة. ودبر الشبهات حتى تلاحقه. وتحمله الوزر الذى هو منه.. براء. وكما حدث فى الفيلم.. حدث فى الجيش ! كاد الجيش الطيب نفسه يصدق مهزلة هزيمته. وكاد أقرب الناس إليه - شعب مصر وغيره من الشعوب الصديقة – ينطلى عليه الزور ويصدقونه ! لكن الأمر انجلى.. وبان الحق فى قصة الفيلم بعد ساعة أو أكثر.. وخرج البرىء رافعا رأسه من القفص. ودخل المجرم الداهية كى يلقى حسابه. ولكن في المأساة التى عشناها فى فلسطين.. مضى الكابوس رهيبا.. سنوات طويلة.. مظلمة. وحين قلت إن الجيش المصرى لم يهزم فى فلسطين. لم أكن أقول كلاما حماسيا. ولا كنت أريد أن أرفع من معنويات الجيش. كنت أقول الحقيقة التى عشتها.. كنت أحاول أن أمزق نسيج العنكبوت. التى وقع جيشنا فريسة لها. كنت أريد ببساطة أن أقول.. أن هذا الجيش لم يرتكب هزيمة فلسطين ! وأن الهزيمة لفقت عليه. ودبرت مظاهرها من حوله افتراء وبهتانا. لقد كان هناك مجرم آخر يجب أن يحاسب على الهزيمة. أما الجيش المصرى فيجب أن يخرج من قفص الاتهام !
تلك كانت مقدمة هيكل.. ومقدمة جمال عبد الناصر.. فماذا قال هيكل فى يومياته.. وقال جمال عبد الناصر.. فى مذكراته؟