الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    استعدادات مكثفة لافتتاح «المتحف المصرى الكبير».. والحكومة: السبت المقبل إجازة رسمية    هيئة سلامة الغذاء تُكرّم 10 مصانع لدخولها القائمة البيضاء لتصدير التمور    خليل الحية: سنسلم إدارة غزة بما فيها الأمن.. وتوافقنا مع فتح على قوات أممية لمراقبة الهدنة    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    تعرف على برجك اليوم 2025/10/26.. «الأسد»: لا تشتت نفسك بالانتقادات.. و«الجوزاء»: تحقق نتائج إيجابية بالصبر    العيش وخبازه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    مفاجأة.. اعتذار الدكتور محمد ربيع ناصر مالك جامعة الدلتا عن الترشح بالقائمة الوطنية ممثلًا عن حزب الجبهة بالدقهلية    «الداخلية» توضح حقيقة فيديو طفل يلوّح بسلاح أبيض ويتلفظ بعبارات خارجة بالقاهرة    معاينة حادث طريق السويس: تهشم كامل ل10 سيارات و«تريلا» السبب.. وضبط السائق المتورط    «افتحوا نوافذ السيارات».. تحذير عاجل بشأن حالة الطقس: 5 ساعات حرِجة    أسعار الموز (بلدي و مستود) والتفاح بالأسواق اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    أحمد الجنايني يغازل زوجته منة شلبي: بالنسبة للعالم نجمة.. وبالنسبة لي كل شيء (صور)    بنغازي تتلألأ بانطلاق المهرجان الثقافي الدولي للفنون والإبداع تحت شعار "من بنغازي... الإبداع يوحدنا والإعمار يجمعنا"    أحمد جمال يدخل القفص الذهبي في أجواء مليئة بالفرح بحضور النجوم.. فيديو    محمد عبد الجليل: قطاع الناشئين بالأهلى أكبر من وليد سليمان    محمد الغزاوى: أخدم الأهلى فى جميع المناصب ونمتلك أقوى لاعبى اسكواش بأفريقيا    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم بعطلة الصاغة الأحد 26 أكتوبر 2025    انقلاب سيارة نقل محملة بالفحم على طريق حدائق أكتوبر    نجم الأهلي السابق: دفاع «الأحمر» يعاني.. وعمر كمال ينقصه الثقة    وزير الرياضة يتحدث عن إنجاز الكرة المغربية ويوجه رسالة لجماهير الزمالك بشأن أرض أكتوبر    جيش الاحتلال يعلن تنفيذه ضربة «محددة الهدف» وسط غزة    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    ترامب: لن ألتقي بوتين ما لم أتأكد من وجود اتفاق بشأن أوكرانيا    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    ترامب يؤكد استعداده لخفض الرسوم الجمركية على البرازيل فى ظل الظروف المناسبة    الهلال الأحمر الفلسطينى: أكثر من 15 ألف حالة مرضية بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة    وزير الصحة: 38 مصابا فى حادث مرورى على طريق "القاهرة- السويس"    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    الضفة.. إصابة 3 فلسطينيين بينهم طفلان برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    بالصور.. محافظ الجيزة يشارك في افتتاح معرض الوادي الجديد الزراعي الثاني    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    محمد سلام يتألق في احتفالية «مصر وطن» بحضور الرئيس السيسي    حبس تشكيل عصابي لقيامهم بأعمال حفر وتنقيب عن الآثار بالتبين    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    غدا..مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة دعمًا لشعراوي وعماد الدين حسين في انتخابات النواب    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    وزير المالية الإسرائيلي يعتذر عن تصريحه ضد السعودية وعمرو أديب يتغنى بالسعودية ويتهكم على القوميين العرب    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مباراة الأهلي وإيجل نوار بث مباشر (لايف) في دوري أبطال إفريقيا 2025.. القنوات الناقلة وتشكيل الفريقين    بث مباشر الأهلي وإيجل نوار اليوم في دوري أبطال إفريقيا    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    صحة كفر الشيخ: انطلاق أول أيام القافلة الطبية المجانية بقرية المنشلين بقلين    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار دخول مصر حرب فلسطين «الحلقة الأولى»
نشر في الأهرام العربي يوم 28 - 10 - 2017

ناصر: الجيش المصرى لم يهزم فى فلسطين
هيكل: عشت الحرب قبل أن تبدأ رسميا
حكومة النقراشى تدخل الحرب بأوامر بريطانية!!

ستظل قضية «فلسطين - إسرائيل» محور الصراع الشائك فيما يسمى مسألة الشرق الأوسط. إلى متى لا أحد يعلم. فالتاريخ كتاب لم تنته فصوله بعد. لكن لا أحد يستطيع كتابة التاريخ أكثر ممن شاركوا فى صنعه. أولئك لا يكذبون. ولا يحرفون.
وحتى اليوم لا يعرف كثيرون كيف دخلت مصر حرب فلسطين. ما الظروف والملابسات التاريخية وقد وقعت فى يدى بعض مذكرات الزعيم جمال عبدالناصر، وبعض يوميات «الجورنالجى»، والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل. الأول كان ضابطاً ثائراً حالما فى نهاية الأربعينيات. وشارك فى حرب فلسطين. وحُوصر فى الفالوجا. ورأى بعينه فلسطين وهى تضيع، والثانى كان مراسلاً عسكرياً فى تلك الحرب. والتقى بعناصرها الفاعلة.
ماذا قال جمال عبدالناصر فى مذكراته؟
وماذا كتب محمد حسنين هيكل فى يومياته؟
تلك تفاصيل الفصول المقبلة..
وفى كل فصل سوف يجد القارئ الكثير من الأخبار والأسرار المدهشة. المثيرة. والحقيقية أيضا.
هى رحلة مع التاريخ.. عبر أهم قضية فى التاريخ.
قضية فلسطين!
خرج جمال عبد الناصر من السينما.. ليكتب مذكراته!
بعد نحو نصف قرن أو بالتحديد 49 عاما من توقيع اتفاقية 1899 بين مصر وبريطانيا. وهى الاتفاقية التى سمحت بسيطرة الإنجليز على الجيش المصرى. دخلت مصر حرب فلسطين
كانت بريطانيا الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس قد أعلنت فى حوالى منتصف عام 1947 أنها سوف تنهى الانتداب عن فلسطين يوم 14 مايو 1948. وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت بالفعل قرارها بتقسيم فلسطين. هذا التقسيم الذى منح اليهود نحو %50 من الأراضى الفلسطينية.
وقد رفض العرب قرار التقسيم..
وبعد هذا الرفض انطلقت العصابات الصهيونية الإرهابية تعربد بالسلاح فى الأراضى الفلسطينية. لإجبار سكانها البسطاء غير المسلمين على هجر بيوتهم وقراهم ومزارعهم خوفا على حياتهم.
وكما يقول أحمد حمروش، فإن العصابات الصهيونى استولت على مدن طبريا وحيفا وصفد والأحياء الغربية للقدس. هاجمت القرى الآمنة. وارتكبت مجازر وحشية ضد العرب. دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال. ومن أكثرها بشاعة مذبحة دير ياسين. التى جرت يوم 9 إبريل 1948. وانتهت بقتل أكثر من 250 عربيا. وبلغ عدد القرى العربية التى تعرضت للهجوم حوالى مائة قرية فلسطينية.
ويقول حمروش : هكذا التقى رفض العرب لمشروع التقسيم مع نقص قدراتهم العسكرية مع المخطط الصهيونى التوسعى القائم على استخدام القوة.
وانتهى الأمر بإعلان بن جورين لدولة إسرائيل مساء يوم 14 مايو 1948. واعترفت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الحكومة بعد دقائق من إعلانها !

كيف دخلت مصر حرب فلسطين؟
وهل كانت الظروف السياسية والعسكرية والداخلية تسمح بدخول هذه الحرب؟
وهل كانت هناك استعدادت كافية؟
وهل كانت حماسة الشعب المصرى فقط وراء الدخول فى هذه الحرب؟
وكيف فجرت العصابات الصهيونية الوضع داخل فلسطين. مما أثار حمية وغضب العرب؟
يقول أحمد حمروش إن المشاعر المضادة لأعمال العصابات الصهيونية تصاعدت. وبدأت عمليات تطوع الذهاب إلى فلسطين تبنتها الجامعة العربية. وأمينها العام عبد الرحمن عزام باشا. وشكلت كتائب تحت قيادة القائمقام أحمد عبد العزيز الضابط بسلاح الفرسان. والذى كان مدرسا للتاريخ فى الكلية الحربية. ومعه كمال الدين حسين فيما بعد وعدد من الضباط.
وهكذا بدأ القتال فى صورة حرب عصابات..
حرب بين المتطوعين العرب والعصابات الصهيونية. ووجدت فكرة التطوع أنصارا كثيرين فى الجيش. ومن بينهم اللواء محمد نجيب. الذى آمن بأن الوسيلة المثلى للقتال فى فلسطين. لا تكون إلا باستخدام حرب العصابات.
ولم يكن لجوء النقراشى للقوة المسلحة ودخول الحرب أمرا واردا حتى يوم 11 مايو 1948. عندما غير رأيه فجأة بين عشية وضحاها. وطلب يوم 12 مايو عقد البرلمان المصرى لجلسة سرية. لطلب دخول القوات المسلحة المصرية أرض فلسطين.
يضيف أحمد حمروش: وكان هذا التغير المفاجئ فى موقف النقراشى مثيرا للانتباه والدهشة. وسأله فؤاد سراج الدين زعيم المعارضة الوفدية فى مجلس الشيوخ. عما إذا كان قد قام بتقدير موقف الإنجليز ووعد بلفور. وعن احتمالات طعنهم للجيش المصرى من الخلف؟
• فكان جواب النقراشى: إننى متفائل ونحن نعرف قوة اليهود تماما. وأحب أن أطمئنك إلى أن الإنجليز أيضا هم الذين شجعونى على ذلك !
وعندما اعترض إسماعيل صدقى باشا على دخول الجيش المصرى لأنه غير مستعد من الناحية العسكرية. أكد له النقراشى أنها ستكون نزهة للجيش!

ولكن ماذا عن موقف الملك فاروق من حرب فلسطين؟
لم يكن فاروق أقل تحمسا. بل إنه أمر بتحريك الجيش قبل موافقة البرلمان. وأعطى الأوامر بذلك لمحمد حيدر وزير الحربية دون علم النقراشى رئيس الوزراء !
هكذا دخل الجيش المصرى حرب فلسطين يوم 15 مايو 1948. فجأة !
يقول نجيب محفوظ أديب العرب : خرجت مظاهرات 1948 تطالب بالحرب. وكانت مظاهرات شعبية واسعة.. وفى البرلمان وقف محمود فهمى النقراشى ليقنع النواب بأن الجيش مستعد للحرب. وأكد ذلك الفريق إسماعيل صدقى باشا. الذى كان عضوا فى البرلمان وقتئذ. وأجرى مصطفى أمين حوار معه. شرح فيه وجهة نظره. التى كانت تقول أن إسرائيل دولة نشأت برغبة العالم. وبالتالى سندخل فى صدام واسع مع الغرب. ومن ناحية أخرى فإن الجيش المصرى ضعيف !
ويضيف نجيب محفوظ: لكن إسماعيل صدقى كان ذا سمعة سيئة. ووقفنا ضده. وكان حزب الوفد مع الحرب. وأقنعت الحكومة الشعب بأمرين.أن الجيش قوى. والإسرائيليين مجرد عصابات!
وطبعا كانت كلمة عصابات وقتئذ تعنى شراذم ضعيفة.
الحكومة قالت إن الجيش قادر. من أين لنا أن نعرف الحقيقة التى لم تعلن؟
طبعا صدقنا الحكومة..
ولكن للأسف الحقيقة كانت على خلاف ذلك تماما. لقد خدعنا كشعب !
ومن فلسطين وصلنا صوت المفتى الحاج أمين الحسيني. كان يطالب بالعون المادى والمعنوى. وكان ضد تدخل الجيوش العربية !
وكنت أتابع وقائع القتال..
كنت منغمسا مثل بقية الناس. وأذكر حصار الفالوجة جيدا. وشاركنا فى استقبال القوة المصرية عند عودتها. وكان بينها جمال عبد الناصر. وأذكر جيدا قائد القوة. كان معروفا بالضبع الأسود.
وكنت مقتنعا مع الناس أننا انتصرنا فى الفالوجة.
ولم أكن أدرى أننا خدعنا مرة أخرى !

كيف كان حال الجيش المصرى فعلا؟
يعود أحمد حمروش ليقول: لقد اتخذ قرار الحرب فى لهفة وعجلة. ودون دراسة متروية. فى وقت كان الجيش المصرى فيه مازال يعانى من نقص التسليح. فلم تكن بريطانيا قد أمدته بالأسلحة التى طلبها. وكان الجيش المصرى حتى هذه الفترة. بعيدا عن تنظيم المعركة. فلم يكن قد عرف نظام التشكيلات بعد. أى أنه كان أسلحته منفصلة لا تنسيق فيما بينها ولا تجميع للقتال. وكان التدريب قاصرا ومتخلفا عن مناورات المعركة !
ولم تكن طوابير الجيش تشاهد إلا فى مواكب المحمل النبوى والجنازات. وكانت هذه الحقيقة يدركها كل ضباط الجيش. لكن الدعاية الجارفة أشعلت الحماس للقتال. وجرائم العصابات الصهيونية.التى واصلت عدوانها الإرهابى. جعلت رجال الجيش يقبلون على المعركة بروح معنوية عالية.
وكل هذا كان فيه خدمة بريطانيا. التى كانت قواتها مازالت تحتل منطقة قناة السويس.وذلك بهدف إشغال الجيش المصرى بمعركة خارج الحدود. لإبعاد خطر المطالبة الوطنية بخروج قوات الاحتلال ‍‍!
وكان الموقف يخدم النظام الحاكم !
فقد كانت القضية الوطنية معلقة بعد فشل المفاوضات. وكانت الانتفاضة الوطنية قد دفعت جميع طوائف الشعب إلى المظاهرات والإضراب. بمن فيهم ضباط البوليس.ودفع الغلاء بعض الجنود إلى وضع أرغفة الخبز على سناكى بنادقهم أثناء المظاهرات!
هذا كان حال مصر قبل حرب فلسطين مباشرة..
كانت مليئة بعوامل الضجر التى تهدد قواعد النظام. الذى كان يستند على ملكيته. فاحت رائحة فساد رجالها. إلى الحد الذى أضعف تماما من مركز الملك فاروق.
وهكذا وجدت حكومة النقراشى فى دخول حرب فلسطين. تنفيذا لأوامر بريطانيا والسراى. إنقاذا لها مما عجزت عن مواجهته. ووجد فيها الملك والاستعمار طوق نجاة يتعلقان به لإنقاذهما من غضب الشعب يوما بعد يوم .‍
وأعلنت الأحكام العرفية..
وفتحت المعتقلات فى معسكر هايكستيب الذى امتلأ بالمئات من المعتقلين وفرضت الرقابة على الصحف. وقيدت الاجتماعات العامة. ولم تكن الدولة قد عبأت نفسها للحرب. بل لم تكن هناك إدارة للتعبئة. وأول كتيبة دخلت أرض فلسطين. كانت تحملها أتوبيسات أحضرها أحد المقاولين !

ماذا قالت الصحافة المصرية صباح يوم دخول مصر حرب فلسطين؟
حملت الصحف المصرية صباح ذلك اليوم مانشيتات تقول :
«الطائرات المصرية فوق تل أبيب والمستعمرات اليهودية» !
«إلقاء منشورات بطلب تسليم اليهود فى ظرف ساعة».
« دخلت الجيوش العربية فلسطين» !
وكان هذا اليوم هو يوم الإشاعات فى القاهرة !
فقد أشيع أن الإسكندرية وقع فيها حوادث. وأشيع أن داوود عدس صاحب محلات عدس قد قتل وأن محله نهب. وأشيع أن الفريق حيدر باشا سافر إلى الحدود. بينما كان فى اجتماع عسكرى !
وأشيع أيضا أنه تم نسف الأزهر الشريف بالديناميت ! وظهرت إشاعات أخرى عن ذبح 3 حاخامات فى مذبح القاهرة !
وإشاعة عن قتل 250 يهوديا فى ميدان الملكة فريدة !
وكانت الصحف المصرية فى ذلك اليوم تحمل خبر إعلان قيام دولة إسرائيل. واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بها.
وعاش أهل القاهرة فى حيرة..
لم يكن أحد يعرف ماذا يحدث فى فلسطين؟
وتاهت الحقيقة فى طوفان البرقيات والإشاعات والخطب الحماسية.
بينما كانت هناك دماء تسيل على أرض فلسطين.. فى نفس اليوم !

بعد مرور خمس سنوات على حرب فلسطين..
سجل اثنان من شهود الحق على هذه الحرب شهادتيهما على أحداثها وخلفياتها. وما دار فى كواليسها.
الأول.. كان الأستاذ محمد حسنين هيكل.. وكان وقتها محررا عسكريا لدار «أخبار اليوم». وكان الصحفى الوحيد الذى ذهب إلى فلسطين. وحاول أن يرفع الستار عن حقيقة ما كانت تخفيه الظلال على صورة ما كان يجرى.
بعد خمس سنوات من حرب فلسطين روى الأستاذ هيكل شهادته بدون رقابة وبلا قيود أو ظلمات. وبعد أن تخلص عقله من ظروف الزمان والمكان. ولم تعد تخطف أعصابه أحداث بعينها. أو تبهر عينه زاوية من زوايا الصورة فيتجه إليها ولا يرى غيرها!
الرجل الثانى.. كان جمال عبد الناصر نفسه.. المقاتل الذى خاض غمار المعركة بكل قطرة من دمه.وحصل فيها على أرقى وسام عسكرى مصرى والثائر الذى استلهم عبارت وعظات حرب فلسطين. والتى كانت هى نفسها إرهاصات ثورة يوليو التى قام بها مع رفاقه. بعد أربعة أعوام من هذه الحرب !
فى يومياته قال الأستاذ هيكل :
« لقد عشت حرب فلسطين.. قبل أن تبدأ هذه الحرب رسميا !
عشت هذه الحرب ذات يوم من أيام شهر مارس سنة 1948. وكنت قد حملت حقائبى وذهبت إليها أبحث عن الحقيقة..
وأذكر « أخبار اليوم» كتبت فى مقدمة التحقيق الصحفى الأول من أورشليم – القدس – تقول : ان الحقيقة تتوه فى طوفان البرقيات والشائعات والخطب والإذاعات. ولا يعرفها إلا من يحاول البحث عنها. تحت الانقاض وعلى ألسنة اللهب. وفى السهول التى تتناثر عليها جثث القتلى. ويبلل الدم فيها زهور البرتقال !
وأنا أشهد الآن بعد مرور خمس سنوات. أن ما رأيته تحت الأنقاض. وعلى ألسنة اللهب. وفى السهول التى تتناثر فوقها جثث الموتى. ويبلل الدم فيها زهور البرتقال. لم يكن كل الحقيقة. بل لم يكن الجزء الأكبر أو الأهم منها!
وأشهد أيضا أن الجزء الأكبر والأهم من هذه الحقيقة كان بعيدا عن أرض فلسطين كلها! كان مسرحه مكاتب أنيقة ناعمة معطرة !
مكاتب متناثرة ما بين القاهرة وغيرها من عواصم الدول العربية.. وبين لندن وواشنطن ونيويورك.. وتل أبيب !

أما جمال عبد الناصر فقد كتب مذكراته عن حرب فلسطين بعد حوالى سبع سنوات من هذه الحرب!
كانت الثورة قد قامت فى مصر..
وكان عهد جديد قد بدأ. وصفحة أخرى من صفحات التاريخ قد فتحت !
ولم يكن يخطر على بال جمال عبد الناصر أن يكتب أية مذكرات عن حرب فلسطين.. لولا أنه شاهد فى السينما فيلما بوليسيا !
ذات يوم دخل جمال عبد الناصر إحدى دور السينما..
وكانت تعرض فيلما بوليسيا مثيرا. فيلم أمريكى من الأفلام التى كانت هوليود تتفنن فى صناعتها تلك الأيام. ويتبارى مخرج وهذه الأفلام فى حشدها بكل ما يشد أعصاب الناس. ويحبس عليهم أنفاسهم. بالحبكة والمفاجأة وقوة المؤثرات الفنية !
وجلس جمال عبد الناصر فى مقعده بدار السينما يتابع أحداث الفيلم..
وفيما بعد روى عبد الناصر ما حدث فقال :كان لقصة الفيلم - ككل قصة فيلم – بطلان!
البطل الأول استولى الشيطان على قلبه وعقله.. وزرعهما بالشر والدهاء !
والبطل الثانى رجل طيب يؤمن بالخير وبالحب بين الناس..
وتمضى أحداث الفيلم..
ويرتكب الرجل الذى ملكه الشيطان جريمة قتل. وأكثر من ذلك يرتب مسرح الحادث. بحيث يلقى التهمة كلها على الرجل الطيب !
وتمشى الأحداث إلى ذروة الإثارة..
وتحيط الشبهات من كل جانب بالرجل الطيب. وتطبق عليه الريب من اليمين ومن الشمال. وتلاحقه نظرات الشك. وتضعه داخل قفص الاتهام الرهيب !
ويفقد الرجل الطيب أعصابه..
ويكاد أن يجن !
ينكر ويلح فى إنكاره.. فلا يجد من يسمع أو يصدق.. حتى أقرب الناس إليه !
يحاول أن يدفع عن نفسه شراك العنكبوت التى وقع فى حبائلها. فإذا الشواهد الملفقة - والتى أحسن تلفيقها – تشده بأغلال حديدية !
ويتخبط الرجل الطيب..
يضيع.. وينهار.
يملكه اليأس على نفسه. وتختلط معالم الحق فى وجدانه المهزوز بمعالم الباطل الذى دس عليه.
وحتى هو..
أخيرا من ضغط الإلحاح عليه. وشدة الحصار حوله. يكاد يعترف على نفسه بجريمة لم يرتكبها.
ولم يفكر يوما فى ارتكابها !

قال جمال عبد الناصر فى مذكراته عن حرب فلسطين :
«ولقد ذكرتنى هذه القصة بجيش مصر فى فلسطين»!
لقد كانت فى فلسطين هزيمة !
كما كان فى قصة الفيلم جريمة !
ولكن من الذى هزم فى فلسطين؟
فى رأيى أن جيش مصر لم يرتكب جريمة فلسطين !
وإنما ارتكبها غيره.
وزيف عليه الأدلة.
ودبر الشبهات حتى تلاحقه.
وتحمله الوزر الذى هو منه.. براء.
وكما حدث فى الفيلم.. حدث فى الجيش !
كاد الجيش الطيب نفسه يصدق مهزلة هزيمته. وكاد أقرب الناس إليه - شعب مصر وغيره من الشعوب الصديقة – ينطلى عليه الزور ويصدقونه !
لكن الأمر انجلى.. وبان الحق فى قصة الفيلم بعد ساعة أو أكثر.. وخرج البرىء رافعا رأسه من القفص. ودخل المجرم الداهية كى يلقى حسابه.
ولكن في المأساة التى عشناها فى فلسطين..
مضى الكابوس رهيبا..
سنوات طويلة.. مظلمة.
وحين قلت إن الجيش المصرى لم يهزم فى فلسطين. لم أكن أقول كلاما حماسيا. ولا كنت أريد أن أرفع من معنويات الجيش.
كنت أقول الحقيقة التى عشتها..
كنت أحاول أن أمزق نسيج العنكبوت. التى وقع جيشنا فريسة لها.
كنت أريد ببساطة أن أقول..
أن هذا الجيش لم يرتكب هزيمة فلسطين !
وأن الهزيمة لفقت عليه.
ودبرت مظاهرها من حوله افتراء وبهتانا.
لقد كان هناك مجرم آخر يجب أن يحاسب على الهزيمة.
أما الجيش المصرى فيجب أن يخرج من قفص الاتهام !

تلك كانت مقدمة هيكل..
ومقدمة جمال عبد الناصر..
فماذا قال هيكل فى يومياته..
وقال جمال عبد الناصر.. فى مذكراته؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.