البنوك العاملة فى الضفة والقطاع ليس لها فروع فى إسرائيل لا ينقصنا سوى إصدار عملة ورقية
الاقتصاد الفلسطينى يعانى من وطأة احتلال ظالم غاشم، وبرغم ذلك نجح الشعب الفلسطينى فى بناء أول لبنة لمؤسساته الاقتصادية والمالية، ألا وهى سلطة النقد الفلسطينى التى تزاول عملها فى ظروف صعبة، لكنها نجحت بشكل لافت للنظر فى إدارة السياسة النقدية وخدمة الاقتصاد الفلسطينى والإشراف على أكثر من 16 بنكا تعمل فى الضفة والقطاع، وبرغم أن سلطة النقد تتعامل بنحو 4 عملات وليس لها عملة خاصة بها، فإنها استطاعت التعاون مع المؤسسات الدولية كافة، وحظيت بدعم صندوق النقد الدولى ووضعت الأطر القانونية والتشريعية والمالية المنظمة لعمل سوق النقد.
حول سلطة النقد ودورها ومجال عملها وكيفية التغلب على المشكلات والعراقيل التى تضعها إسرائيل، وحول قضايا اقتصادية ومالية كثيرة يدور حوار «الأهرام العربى» مع عزام الشوا رئيس سلطة النقد الفلسطينى.
نريد تعريفاً لدور سلطة النقد الفلسطينية لا سيما كونها تحت الاحتلال؟
أنشئت سلطة النقد فى العام 1994 بموجب القرار الرئاسى رقم (184) الصادر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، الرئيس ياسر عرفات، وبالاستناد إلى المادة الرابعة من ملحق بروتوكول الاتفاق الاقتصادى الفلسطيني- الإسرائيلي، الموقع فى باريس عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلى (بروتوكول باريس الاقتصادي). وقد أنشئت لتحقيق المهام الواردة فى بروتوكول باريس الاقتصادي، ولتكون نواة البنك المركزى الفلسطيني. ومنذ ذلك التاريخ، تمارس العديد من المهام المناطة بالبنوك المركزية، لكنها فى نفس الوقت لا تمارس سياسة نقدية متكاملة، جراء عدم وجود عملة وطنية، وبالتالى تبقى أدوات السياسة النقدية المتاحة محدودة وتستخدم غالباً لأغراض تحوطية كما أنها لا تقوم بعملية تمويل للمصارف والعمل كمقرض أخير، وإنما تقوم أحياناً بدعم السيولة لدى المصارف. وتعمل سلطة النقد بموجب قانون سلطة النقد الفلسطينية رقم (2) الصادر عام 1997، والذى حدد استقلاليتها، بالإضافة إلى قانون المصارف رقم 9 لعام 2010.
ما خطة عمل السلطة؟
تبنت فى الأعوام الأخيرة خطة إستراتيجية للتحول إلى بنك مركزى كامل السلطات والصلاحيات، حيث تم وضع خطة التحول بناءً على تجارب مجموعة كبيرة من البنوك المركزية فى الدول المتقدمة، بعد تعديلها لتلائم ظروف فلسطين الخاصة.
كما عملت على استكمال توسيع صلاحياتها الحالية ممثلة بترخيص وتنظيم عمل المصارف والصرافين ومؤسسات الإقراض المتخصصة والإشراف على نظام المدفوعات والدراسات الاقتصادية والإحصائية. وفى نفس الوقت عملت على تعزيز قدراتها الذاتية فى المجالات المطلوبة بما يمكّنها بحسب التطوّرات السياسية والاقتصادية من إصدار وإدارة عملة وطنية وتنفيذ سياسة نقدية سليمة.
ويجب أن ننوه إلى أن مسودة قانون البنك المركزى الفلسطينى فى مرحلة الإقرار النهائية، ويعتبر هذا القانون بمثابة تحديث وتطوير شامل لقانون سلطة النقد الحالي،كما يشكل البنية القانونية الأساسية لتحول سلطة النقد إلى بنك مركزى عصرى كامل الصلاحيات.
فى ظل محدودية أدوات السياسة النقدية المتاحة، فإن قناة الائتمان تعتبر القناة الرئيسة التى يتم من خلالها نقل إثر السياسة النقدية إلى الاقتصاد الكلى لتحفيز النمو الاقتصادي، والتخفيف من مشكلة البطالة.
وبشكل عام يمكن القول إن سلطة النقد قد عززت دورها فى مجال التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال جملة الإجراءات التى اتخذتها فى هذا السياق، والمتمثلة فى رفع مستوى التوظيف المحلى من خلال خفض نسبة التوظيفات الخارجية من 65 % إلى 55 % من إجمالى الودائع، ورفع نسبة القروض إلى التسهيلات إلى أكثر من 65 %. وإتاحة مزيد من الفرص التمويلية لمختلف القطاعات الاقتصادية، وللمشاريع الصغيرة والمتوسطة وإنشاء قاعدة بيانات خاصة للمشاريع الصغيرة والقطاع العقارى بهدف مراقبة المخاطر من جهة، وتحسين نفاذها للخدمات المالية من جهة ثانية.
لكن فى المقابل، فإن المناخ الاستثمارى يرتبط فى الحالة الفلسطينية، وإلى حد كبير، بعوامل خارجية يصعب التحكم بها، نابعة بدرجة أساسية من الاحتلال الإسرائيلى وتحكمه بالحدود والمعابر وحرية الحركة والنفاذ للأفراد والبضائع، والحصار والعقوبات، وغيرها من الإجراءات التى تؤدى إلى تزايد درجة عدم اليقين السياسى والاقتصادي، وتزيد من درجة المخاطرة التى تتعرض لها قطاعات الاقتصاد المختلفة، وتؤثر سلباً على القرارات والفرص الاستثمارية.
لديكم 15 بنكاً فى القطاع المصرفى الفلسطيني.. هل هى بنوك فلسطينية أم فروع لبنوك أجنبية وعربية؟
يعمل فى فلسطين 15 مصرفاً، منها سبعة مصارف محلية وثمانية مصارف وافدة من بينها سبعة مصارف أردنية وبنك مصري، تعمل جميعها من خلال شبكة فروع وصلت إلى 324 فرعاً ومكتباً، منها 266 فرعاً ومكتباً تعمل فى الضفة الغربية، و58 فرعاً ومكتباً تعمل فى قطاع غزة.
وكيف تتعاملون مع هذه البنوك؟
ركزنا على تعزيز التكوين الرأسمالى للمصارف من خلال خطة لرفع رؤوس أموال المصارف فى فلسطين على عدة مراحل. من ناحية أخرى حرصت سلطة النقد على ضمان استمرارية العمل فى الجهاز المصرفى خصوصا فى ظل الظروف غير المستقرة التى تمر بها فلسطين، حيث أصدرت فى العام 2009 تعليمات تفصيلية للمصارف لإعداد خطط استمرارية الاعمال وفق أفضل الممارسات الدولية بما يشمل انشاء مواقع بديلة للإدارة ومواقع إنعاش ما بعد الكوارث.
وكذلك ركزت سلطة النقد على معالجة أوضاع المصارف الضعيفة، ولم يقتصر دور سلطة النقد على المصارف المحلية، بل امتد لبعض فروع المصارف العربية العاملة فى فلسطين. وقد قامت سلطة النقد بإعداد وتنفيذ خطة شاملة للمعالجة وفق جدول زمنى يأخذ بعين الاعتبار مصالح النظام المصرفى الفلسطيني.
هل لديك نفس المشاكل التى تواجه المصارف المركزية العالمية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال؟
يعتبر الجهاز المصرفى عصب الاقتصاد الفلسطيني، وتعزيزاً لاستقراره وللمحافظة على سلامة الجهاز المصرفى الفلسطينى من المخاطر المتعددة كالانهيار أو احتمالات المقاطعة والعزل من قبل المجتمع الدولى بسبب عدم مواكبة المستجدات وتبنى أفضل الممارسات الدولية، عملت سلطة النقد الفلسطينية على تعزيز إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لدى المصارف بهدف تجنب مخاطر عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بالتواصل والتعاون المشترك مع المصارف وبما يواكب أفضل الممارسات الدولية خصوصا مجموعة العمل المالي.
وقد خطت فلسطين خطوات مهمة فى مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، منذ العام 2007، بعد إصدار قرار بقانون مكافحة غسل الأموال، والذى تم تعديله فى نهاية العام 2015، والذى جاء ليلبى جميع المتطلبات التى وردت فى التوصيات الأربعين الصادرة عن مجموعة العمل المالى (فاتف)، والقانون يعكس مدى جدية والتزام دولة فلسطين فى مكافحة جريمتى غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أن دولة فلسطين حصلت على العضوية الكاملة فى العام 2015 فى مجموعة العمل المالى لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كيف تتعاملون بأربع عملات فى نفس الوقت وهى الدينار الأردنى والشيكل الإسرائيلى والدولار الأمريكى والجنيه المصري؟
يعمل الاقتصاد الفلسطينى فى ظل غياب العملة الوطنية وفق نظام نقدى متعدد العملات، يتم فيه تداول مجموعة من العملات الرئيسة: الشيكل الإسرائيلي، الدولار الأمريكي، والدينار الأردني، والجنيه المصرى فى غزة، وإلى حد ما اليورو الأوروبي. ولكل عمله منها استخداماتها التى تختلف عن استخدامات العملة الأخرى، حيث يعتبر الشيكل عملة التداول والاستهلاك اليومي، فى حين يعتبر كل من الدينار والدولار عملات ادخارية، وعملات شراء السلع المعمرة أو الأصول الثابتة.
كما يحصل المواطن الفلسطينى على راتبه، إما بعملة الشيكل الإسرائيلى كما هى الحال لدى موظفى القطاع العام، أو بالدينار الأردنى كما هى الحال لدى موظفى بعض الجامعات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص، أو حتى بالدولار الأمريكى كما هى الحال لدى بعض المؤسسات الأجنبية وبعض منظمات المجتمع المدنى لعاملة فى الاقتصاد الفلسطيني. وبرغم أن مثل هذا الوضع يتيح للمتعاملين بهذه العملات حرية تبديل عملة بعملة أخرى وفق سعر الصرف السائد فى السوق المحلي، فإنه فى نفس الوقت يعرض المواطن لمخاطر سعر الصرف، وخصوصاً فيما يتعلق بالشيكل الذى يوصف بكونه عملة عالية التذبذب، فى حين أن الدينار يمتاز بكونه أكثر استقراراً (إلى حد ما) مقابل الدولار، نظراً لارتباطه مع الدولار بنظام الصرف الثابت. ومثل هذا الوضع ينطبق أيضاً على الجهاز المصرفى، الذى يكون عرضة لمخاطر سعر الصرف جراء تعامله بهذه العملات فى مجال الإيداع والقروض، الأمر الذى قد يؤثر سلباً على وضع أصوله والتزاماته.
كيف تحافظون على استقرار العملات من تذبدبات سوق الصرف؟
نحقق ذلك من خلال تعزيز استخدام الرقابة المصرفية الفاعلة المبنية على المخاطر، والإطار التنظيمى الحديث، وتوفير بنية مدفوعات وائتمان قويتين، ومراقبة الامتثال للقوانين والأنظمة، خصوصاً تعليمات الحوكمة، وقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز الإطار الإشرافى والتنظيمى بهدف تطبيق معايير بازل واستخدام مجموعة واسعة من السقوف التحوطية، بما فى ذلك نسب الاحتياطيات المطلوبة، والحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، ونسب السيولة المثلى، والقيود المفروضة على تركز الائتمان والتوظيفات الخارجية، وتقلبات العملة، والتعليمات المتوافقة مع مبادئ وتوصيات لجنة بازل، وحوكمة الشركات، والممارسات الفضلى فى مجال الدمج والاستحواذ. ويضاف إلى ذلك جملة الإجراءات والتدابير التى وضعتها سلطة النقد موضع التنفيذ العملي، بما فيها تعزيز استخدام اختبارات التحمل على مستوى المصارف الفردية والقطاع المصرفى ككل، باعتبارها أداة رئيسية وجزءاً لا يتجزأ من إدارة المخاطر. وترتيبات استمرارية الأعمال والتعافى من الكوارث. ورفع الحد الأدنى من رأس المال إلى 75 مليون دولار، إلى جانب إلزام المصارف بالاحتفاظ باحتياطيات كافية لمواجهة التقلبات الدورية.
ما إجراءات تحولكم من سلطة نقد إلى بنك مركزي؟
تبنّت سلطة النقد فى العام 2006 خطة طموح (خطة التحول الإستراتيجي) لتطوير هيكلها وعملياتها، وجعلها أكثر انسجاماً وتناغماً من الممارسات والمعايير الدولية، ومن ثم التحول فى النهاية إلى بنك مركزى حديث كامل الصلاحيات لدولة فلسطين.
وقد تمكنت سلطة النقد من خلال هذه الخطة، وبمساعدة فنية من قبل خبراء صندوق النقد الدولي، من تبنى العديد من السياسات والإجراءات الرامية إلى تدعيم الإطار القانونى والتشريعى للقطاع المالي، وكذلك تدعيم الإطار الرقابى والتنظيمي، وتعزيز البنية التحتية للقطاع المالى خصوصا للقطاع المصرفى (وأهمها عمليات التصفية والدمج للمصارف الضعيفة)، إلى جانب تمتين دورها الداعم للتنمية الاقتصادية المستدامة.
وانعكست هذه السياسات والإجراءات فى جملة من الإنجازات التى قامت بها سلطة النقد، منها: قانون مكافحة غسل الأموال فى العام 2007، وعدّل فى نهاية العام 2015. وقانون المصارف الجديد فى العام 2010. ونظام ترخيص ورقابة شركات الإقراض المتخصص فى العام 2011. ونظام ترخيص ورقابة مهنة الصرافة فى العام المعدل فى العام 2016. وقانون المدفوعات الوطنى فى العام 2012. وقانون المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع فى العام 2013. ومسودة قانون البنك المركزي، المتوقع إصداره فى المرحلة القريبة المقبلة.
ما الأطر الرقابية لدى سلطة النقد؟
اتخذت سلطة النقد العديد من الأطر التنظيمية والرقابية تتمثل فى إخضاع جميع المصارف للرقابة الميدانية والمكتبية وإخضاع المصارف لمجموعة كبيرة من الأدوات التحوطية ومراقبة امتثال المصارف لمبادئ الحوكمة الصادرة عن لجنة بازل وتعزيز القاعدة الرأسمالية للجهاز المصرفى من خلال رفع رأس المال المدفوع، وإضافة احتياطى المخاطر الجيوسياسية.
بالإضافة إلى إخضاع جميع المصارف لاختبارات القدرة على تحمل الضغوط (على مستوى المصرف وعلى مستوى الجهاز المصرفى) وتعزيز إجراءات الحوكمة واستمرارية العمل والسياسات الاحترازية الكلية ومعايير السلامة المالية الكلية وتعزيز البنية التحتية للقطاع المالي، وفى هذا السياق عملت سلطة النقد على: واستكمال تعزيز القطاع المصرفى من خلال معالجة أوضاع المصارف الضعيفة وتشجيع عمليات الدمج والاستحواذ والتعامل بتعليمات الامتثال، وتعليمات إدارة المخاطر، وتعليمات الإقراض المسئول.
والتعامل بنظام المدفوعات الوطنى براق.
والتعامل بالرقم الدولى للحساب المصرفى (الآيبان) والتعامل بمكتب معلومات الائتمان والتعامل مع المقسم الوطني/ المفتاح الوطني. والتعامل بنظام المعلومات الجغرافية.
وقد مهدت الإجراءات التى قامت بها سلطة النقد الطريق نحو تحولها لتصبح بنكاً مركزياً كامل الصلاحيات يعمل وفق أفضل المعايير الدولية، فى ظل وضوح فى الأهداف، وإدارة سليمة، وطاقم من الموظفين عالى التأهيل يعمل وفق أحدث النظم والتقنيات والإدارة. إلى جانب المصداقية الدولية الضرورية لتحقيق الاستقرار النقدى والمالي، وبما يخدم النمو المستدام للاقتصاد الفلسطيني.
ويشار فى هذا السياق إلى أن العديد من الخبراء والمؤسسات الدولية، وفى مقدمتها البنك الدولى وصندوق النقد الدولي، قد أشاد بالخطوات والنقلة النوعية المتميزة التى قامت بها سلطة النقد.
ما معوقات هذا التحول؟
فى اعتقادنا لا يوجد ما يحول دون تحول سلطة النقد إلى بنك مركزي. ومما لا شك فيه أن الاعتراف بفلسطين كدولة فى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قد أسهم أيضا فى الإسراع بتأسيس مؤسسات الدولة السيادية ومنها البنك المركزي. كما أن الاعتراف والدعم الدولى لفلسطين يعد عاملاً مهماً لتعزيز الثقة بهذا البنك الناشئ، الذى يحتاج بالتأكيد إلى دعم من قبل المؤسسات الدولية ذات العلاقة، وخصوصاً صندوق النقد الدولي، مما يتيح لنا إمكانية الاستفادة من المزايا التى يقدمها الصندوق. يضاف إلى ذلك أن الدخول فى اتفاقيات ثنائية مع بعض البنوك المركزية الإقليمية والدولية يعزز أيضاً الثقة فى البنك المركزى الفلسطينى الناشئ.
ما الفرق بين اختصاصات سلطة النقد والبنك المركزى؟ السلطة النقدية أو البنك المركزى فى أى بلد هو بنك الدولة، ويطلق عليه أحيانا بنك البنوك، حيث تقوم سلطة النقد بكل مهام البنك المركزى عدا المهام المتعلقة بإصدار وإدارة العملة الوطنية، ومن تلك المهام:
التنظيم الفاعل والشفاف والإشراف على المصارف ومؤسسات الإقراض المتخصصة والصرافين العاملين فى فلسطين والإشراف على تنفيذ وتشغيل نظم المدفوعات الحديثة بكفاءة عالية إضافة إلى ورسم وتنفيذ السياسة النقدية بهدف تحقيق الاستقرار النقدى وقد استطاعت تنفيذ هذه المهام بالشكل الأمثل من خلال النتائج المتحققة والمتمثلة فى ثقة الجمهور بالجهاز المصرفى الفلسطينى بالرغم من كل الصعوبات والأزمات المحلية والإقليمية والعالمية.
ومن أهم التغييرات التى يمكن الإشارة إليها ما يتعلق بتعزيز القدرات الذاتية لسلطة النقد فى المجالات التى تكفل لها حسن الإشراف على الجهاز المصرفي، وإسداء المشورة الاقتصادية للدولة، وإدارة نظام المدفوعات. على أن يلى ذلك الاستعداد لإصدار وإدارة العملة الوطنية واستحداث مسئولية إدارة سياسة نقدية فى حال تهيأت الظروف السياسية والاقتصادية الملائمة لذلك.
كما شملت هذه التغيرات أيضا تعزيز استقلالية سلطة النقد، والذى تم تأكيده فى قانون البنك المركزى المقترح والمتوقع أن يصدر قريباً، وتغيير نمط الإدارة باعتماد مبدأ التفويض بمزيد من الصلاحيات والمساءلة، واعتماد نظم موثوقة لتحديد الكفاءات، والمنافسة وحسن الأداء كمقياس للترقية، وترشيد الكادر ورفع مستوى فعاليته، مدعوماً بنظم التطوير والتدريب المتواصل لتأمين المهارات المطلوبة.
فمع ممارسة سلطة النقد لوظيفة الاستقرار النقدى والمحافظة على استقرار الأسعار المحلية (الوظيفة الأساسية الأولى لها) تستطيع من ناحية ممارسة سياسة نقدية، والتحكم فى عرض النقد وسعر الفائدة، وبالتالى التأثير على معدلات التضخم فى فلسطين، وتشجيع النمو المستدام للاقتصاد الفلسطيني. كما تستطيع من ناحية ثانية حماية النظام المصرفى بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام من التعرض للعديد المخاطر، وخصوصاً مخاطر أسعار الصرف الناتجة عن التعامل فى النظام المالى متعدد العملات المستخدم حالياً فى الاقتصادى الفلسطيني. وكذلك تستطيع سلطة النقد من ناحية ثالثة استخدام أدوات السياسة النقدية إلى جانب أدوات السياسة المالية العامة لمعالجة الاختلالات التى يعانى منها الاقتصاد الفلسطيني، خصوصا أنه فى ظل غياب العملة الوطنية وعدم ممارسة السياسة النقدية، يقع على عاتق السياسة المالية العامة لوحدها كامل العبء لمعالجة الاختلالات الاقتصادية المتعلقة بضغوط الطلب الكلى (الإنفاق الاستهلاكى والاستثمارى).