د. فخرى الفقى: صندوق النقد لا يشترط بيع القطاع العام بسنت فهمى: الدولة لا يمكن أن تكون الخصم والحكم
د. مصطفى السعيد: لطرح بديل لتجارب البيع سيئة السمعة
الخصخصة تطل علينا بوجه آخر، فقد أعلنت الحكومة المصرية طرح أسهم عدد من البنوك وشركات بترول وشركات قطاع عام أخرى فى البورصة، بنسب تتراوح ما بين 10 و20 %، وذلك بهدف زيادة رأس مالها والعمل على تطويرها،وقد أوضحت الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى، أن الحكومة وضعت خطة مقررة للطرح على مدى ثلاث سنوات، وأن هذه الخطة لا تتضمن بنوكا أو قطاع أعمال، فالبنوك يرجع طرحها إلى البنك المركزى، وشركات قطاع الأعمال يؤخذ قرار طرح بعضها من عدمه من قبل وزارة قطاع الأعمال العام، مشيرة إلى أن الطرح فى سوق الأوراق المالية يهدف لجذب ما بين 5 و10 مليارات دولار خلال تلك السنوات الثلاث.
أعلنت وزارتا الاستثمار والبترول فى أوائل شهر يوليو عن تحالف يقود شركة “سى آى كابيتال” ومكون منها “وجيفر إنترناشيونال ليمتيد”، "وبنك الإمارات دبى الوطنى" للقيام بدور المستشار للوزارة فى إعداد برنامج طروحات الحكومة وعملية بيع وترويج جزء من شركة إنبى بالبورصة.
وكانت وزارة البترول وافقت فى مارس الماضى على طرح ما يصل إلى 24 % من أسهم شركة إنبى فى البورصة، حيث تمتلك الهيئة العامة للبترول 97 % من رأس مالها، وتمتلك شركة المشاريع البترولية والاستشارات الفنية بتروجيت 2 %، ويمتلك صندوق الإسكان والخدمات الاجتماعية للعاملين بقطاع البترول 1 %.
ويبدو أن قواعد القيد بالبورصة التى تنص على أن تكون الشركة رابحة، والشركة الرابحة يجب ألا تقل ربحيتها عن %5، قد وضعت قيودا على طرح الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام، فالقطاع مكون من 125 شركة تابعة تحت مظلة 8 شركات قابضة، من ضمن تلك الشركات 68 شركة خاسرة فى العام الماضي، ولذلك وضعت الوزارة خطة هيكلة الشركات وتطويرها، كما أعلن الدكتور أشرف الشرقاوى، وتتضمن خطة الهيكلة سبعة محاور هى الهيكلة الاستثمارية والمالية والإدارية والعمالية والتكنولوجية والإفصاح والحوكمة والأصول غير المستغلة. ويتم العمل على هذه المحاور وفق جدول زمنى، ومدة تنفيذه 24 شهراً، بدأت من العام الماضى، ويتم عرضها على المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء. وأكد أشرف الشرقاوى، أنه لن نطرح زيادة رءوس الأموال إلا بعد خطة الهيكلة للشركات الناجحة، فلابد من الهيكلة لأنها تشجع على جذب المستثمرين، وقد تم حصر الأصول الخاصة بشركات قطاع الأعمال وهى تتجاوز ال 100 مليار جنيه، لكن بعض الشركات عليها التزامات كبيرة، ويتضمن محور الأصول غير المستغلة، ولدى الوزارة توزيعاً لكل شركة قابضة وشركاتها التابعة الموزعة أصولها على جميع المحافظات.
وأوضح الوزير، أنه سيتم استغلال هذه الأصول بطريقتين، الأولى الدخول بها فى مشروعات وتطويرها أو التخلص منها لضخ استثمارات بقيمتها تدر عائدا مستمرا، لأنه لا يمكن صرف قيمتها فى الأجور - أى إعادة استغلال الأصل أو قيمته – وهناك تكليف لجميع الشركات باستغلال الأصول غير المستغلة من خلال تأسيس شركات جديدة أو الدخول فى مشروعات شراكة مع القطاع الخاص والدخول بالأصل والعمالة الفنية. أما بالنسبة للعمالة فقد أكد الوزير أنها أصل من أصول قطاع الأعمال العام، لكنها زادت بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 2011، وتحولت تلك الشركات من مفهوم الشركة إلى مفهوم الجهاز الإدارى للدولة، والآن يتم وضع برامج للتدريب وإعادة استغلال العمالة وتدوير طلبات العمالة بين شركات قطاع الأعمال العام.
وأكد الشرقاوى، أن طرح شركات القطاع بالبورصة قرار استثمارى يخص مجلس إدارة الشركة القابضة حسب حاجتها التمويلية والتوسعية، وأنه سيتم إعلان نشرة الطرح فور اتخاذ قرار الاكتتاب بالبورصة.
وبالعودة إلى الوجه الجديد للخصخصة يوضح الدكتور مصطفى السعيد – وزير الاقتصاد الأسبق – أن طرح بعض أسهم الشركات التى تتبع الملكية العامة فى البورصة، هو نوع من أنواع الخصخصة، والخصخصة إذا ما تمت على نحو يعكس القيمة الحقيقية للشركة ويؤدى إلى رفع كفاءة إدارتها فهى أمر مرغوب فيه.
ومسألة طرح نسبة من أسهم الشركات فى البورصة له عدة أهداف أولها زيادة السيولة المتوفرة أمام إدارة هذه الشركة لأخذ القرارات الصحيحة سواء بشراء آلات جديدة وتحديث الميكنة أو إنشاء خطوط إنتاج جديدة. بالإضافة إلى وجود بعض ممثلى القطاع الخاص فى مجلس إدارة تلك الشركة، مما سيؤدى إلى رفع كفاءة الإدارة. ويمكن أن يحدث العكس إذا ما كانت الإدارة تسير على نفس القواعد القديمة، مما ستكون له عواقب وخيمة على العاملين والمساهمين.
ويرى الدكتور مصطفى السعيد، أن الحكومة لا تريد أن تتهم بأنها تبيع القطاع العام، فتجاربنا فى مسألة بيع الشركات أغلبها سيئة السمعة ، ولكن فى نفس الوقت هى تريد أن تنقل أعباء تمويل إعادة هيكلة شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص، لذلك لجأت إلى عملية طرح أعباء تمويل إعادة هيكلة شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص، لذلك لجأت إلى عملية طرح نسبة تتراوح ما بين 10-20 % من أسهم تلك الشركات، وإذا ما نجحت التجربة يمكن زيادة تلك النسب بشكل تدريجى.
وتوضح بسنت فهمى – عضو مجلس النواب والمصرفية – أننا بدأنا أول تجربة خصخصة فى عام 1996، وقد انتدبت للعمل كمستشارة للدكتور عاطف عبيد، وللحقيقة كانت أسوأ تجربة خصخصة تمت فى العالم وليس فى مصر فقط لما شابها من فساد بين، «وقالت وكنت أعمل فى تقييم الشركات ورحلت بعد ستة أشهر فقط» ولكى تتم الخصخصة بشكل كفء لابد من تحديد الهدف فى الخصخصة، فإما زيادة رأس مال الشركة لتطويرها أو إدخال خطوط إنتاج جديدة أو سداد ديون للبنوك، ومجلس إدارة كل شركة هو الذى يضع الإستراتيجية التى تدار بها الشركة.
وقد اتخذت الحكومة القرار ببيع الشركات الرابحة حتى لا تدخل فى الروتين الحكومى القاتل. أما بالنسبة لطرح نسب من البنوك التى تمتلكها الدولة أو تمتلك حصصا فيها، فهى مسألة مهمة جدا، لوجود معيارين فى البنوك وهما معيار كفاية رأس المال، والثانى معيار كفاية السيولة ومعيار كفاية رأس المال يقسم على مخاطر السوق ومخاطر الائتمان ومخاطر العمليات، ثم يقسم على حقوق الملكية، وإذا كان الناتج أكثر من 15 أو 16 % فيكون رأس المال كافياً فى هذه الحالة.
واليوم المخاطر مرتفعة، والبنوك العامة يتم رفعها من الموازنة العامة للدولة، وهى تعانى من العجز، لذلك لابد من زيادة رأس مالها، لأن المالية لا تستطيع زيادة رأس مال البنوك العامة، لذلك لابد من طرح أسهم فى البورصة، فعدم ضبط المعايير البنكية يصعب التعامل مع البنوك فى دول العالم.
وتؤيد بسنت فهمى عملية بيع الأراضى غير المستغلة والمملوكة لشركات قطاع الأعمال العام، فالدولة تملك أراضى «تسد عين الشمس»، وبالنظر على النيل نجد العديد من المخازن المغلقة، فلماذا لا يتم بيع تلك الأراضى وبناء فنادق على النيل، وتأخذ الدولة تلك الأموال لضبط الأزمات التى تتفاقم، كما هى الحال فى ماسبيرو. فالدولة مدير فاشل لا يصح أن تكون حكما وخصما فى آن واحد.
وللدولة أدوار محددة لابد من وجودها فيها مثل وسائل المواصلات للطبقتين المتوسطة والفقيرة، وكذلك توفير الكهرباء لهاتين الطبقتين، وكذلك المياه والصحة من الأمور الأساسية، فلابد أن تحمى الدولة الطبقة المتوسطة فهى العمود الفقرى للاقتصاد. والدولة تقوم بدورها فى تحقيق العدالة الاجتماعية، والعدالة الاجتماعية غير التكافل الاجتماعى. فالتكافل الاجتماعى تقوم به الوزيرة غادة والى. أما العدالة الاجتماعية فتعنى أن يتم خلق فرص عمل لكل الناس، وهذا يتم فقط عندما تقوم الدولة بدورها وتهيئ له المناخ المناسب لجذب الاستثمارات وإقامة المصانع والأنشطة التى توفر فرص العمل للجميع بغض النظر عن كونه ابن وزير أم غفير.
أما الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد ومساعد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى سابقا، فيوضح أن إجمالى الادخار فى مصر يصل إلى 24 % متضمنا الادخار العائلى وادخار قطاع الأعمال، سواء الخاص أم العام المملوك للدولة، وهذه النسبة معقولة نسبيا، إذا لم نكن نعانى من عجز كبير فى الموازنة العامة والذى يصل إلى 11 %. وتطرح نسبة العجز تلك من نسبة المدخرات، فنجد أن الرقم الصافى يصل إلى 13 %، أى أن نسبة الادخار الفعلية هى 13 %.
وقد وصلت نسبة نمو الناتج المحلى الإجمالى فى العام الماضى 4 %، ولتحقيق مستوى معيشة أفضل لابد من زيادة نسبة الأموال التمويلية الموجهة للاستثمار من %13 إلى 18 %، لكن الفرق بين الفعلى والمطلوب يسمى الفجوة التمويلية التى تصل إلى 5 %، وبالتالى لابد أن تقوم الحكومة بتدبير هذا الفارق ال 5 %، وذلك عن طريق تجهيز مناخ الاستثمار وجعله جاذباً للاستثمارات الأجنبية، وتجهيز الاقتصاد يتم فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى.
لكن إلى أن يحدث ذلك لابد من تدبير هذا الفارق عن طريق الاستدانة من الخارج، من المؤسسات الدولية، التى تسهم مصر فى رأس مالها، كما هو الحال فى صندوق النقد الدولى، حيث تبلغ حصة مصر ثلاثة مليارات دولار من رأس ماله، هذا بخلاف البنك الدولى والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الآسيوى للتنمية والبنك الإفريقى للتنمية.
ولكى تتمكن الحكومة من الاستدانة لسد تلك الفجوة، ذهبت إلى صندوق النقد الدولى وقدمت برنامجا للإصلاح الاقتصادى ووافق عليه الصندوق، وهذا شهادة من الصندوق بأن الاقتصاد يتحسن، ويمكن أن تأتى الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، لكن ذلك يتطلب تحسين مناخ الاستثمار، والذى يعنى عدة أمور أولها تحرير سعر الصرف للعملة، وذلك تم بالفعل، ثانيا توفير البنية الأساسية كالطرق والكبارى والاتصالات والطاقة، وهذه الأشياء تم عمل إنجاز كبير فيها من حيث شبكة الطرق التى تم إنشاؤها أخيرا، وثالثا معالجة الجهاز الإدارى، وقد تم ذلك من خلال إقرار قانون الخدمة المدنية، رابعا تدريب الكوادر البشرية والاتجاه إلى التعليم الفنى.
ولسد الفجوة التمويلية لابد من زيادة الاستثمارات، وهو ما يعنى زيادة الادخار، ويمكن أن يتم ذلك إما عن طريق زيادة إيرادات الدولة أو تقليل مصروفاتها أو الاثنين معا، أى زيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق. وقد عملت الدولة على زيادة إيراداتها وتعظيمها بشكل مستمر، وقد زادت بالفعل بشكل جيد من خلال إقرار ضريبة القيمة المضافة وقانون الضريبة العقارية، أما بالنسبة للإيرادات غير الضريبية، التى تأتى من ممتلكات الدولة، فإنها تأتى من قطاع الأعمال العام. لذلك كان قرار الحكومة العمل على طرح ما بين 10 - 20 % من أسهم بعض الشركات الرابحة والتابعة للقطاع العام، سواء كانت تلك الشركات تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام أم لوزارة البترول أو للبنك المركزى.
وبالفعل تم تحديد البنوك الثلاثة وهى بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربى الإفريقى الدولى، فالمصرف المتحد سيتم بيعه لمستثمر رئيسى، أما البنكان الآخران فسيتم طرح 20 % منهما فى البورصة، وسيذهب عائد عملية البيع لمستثمر رئيسى أو الطرح فى البورصة كإيراد فى الموازنة العامة أولا، ثم تذهب بعد ذلك إلى الشركة لتطويرها وزيادة رأس مالها. وصندوق النقد الدولى لا يشترط الطرح أو البيع للقطاع العام، لكنه يشترط على الحكومة تقليل عجز الموازنة العامة وخفضه من 11 % إلى %9.5 ، ونحن نرسل كل ثلاثة أشهر المؤشرات الاقتصادية للصندوق، وتأتى بعثة من الصندوق كل شتة أشهر لترى على أرض الواقع الأوضاع الاقتصادية وكيفية تحسن المؤشرات.