خسارة إيطاليا لموقعها فى ليبيا لصالح فرنسا، و3.5 مليار دولار استثمارات شركة إينى فى مشروعات الغاز المصرى ، والتعاون الكامل من جهات التحقيق المصرية مع نظيرتها الإيطالية فى قضية باحث الدكتوراه الإيطالى ريجينى مع ضغوط وسائل الإعلام والنخبة السياسية الإيطالية، خصوصا أعضاء البرلمان، كلها عوامل ساعدت فى دفع الحكومة الإيطالية لاتخاذ قرار إعادة السفير الإيطالى للقاهرة الذى غاب عن مصر منذ إبريل 2016 ، على خلفية قضية مقتل ريجينى. وقال وزير الخارجية الإيطالى أنجلينو ألفانو: إرسال مبعوث رسمى (سفير) سيساعد من خلال الاتصالات مع السلطات المصرية على تعزيز التعاون القضائي، وبالتالى البحث عن الحقيقة. وفى القاهرة رحب وزير الخارجية سامح شكرى بطلب الحكومة الإيطالية تعيين سفير إيطاليا الجديد لدى مصر جيامباولو كانتيني.
مؤكدا اعتزام مصر التقدم بطلب الموافقة على ترشيح السفير المصرى الجديد لدى روما هشام بدر بشكل متزامن.
وبعد استضافة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لقائد الجيش الوطنى الليبى، ورئيس الحكومة فائز السراج فى باريس، اتهمت المعارضة السياسية الإيطالية حكومتها بالتفريط فى دور بلادها التقليدى فى ليبيا، وقالوا إنها لا يمكن أن تعود بقوة للساحة الليبية دون وجود سفير إيطالى فى القاهرة، كما أن النخبة السياسية الإيطالية، خصوصا لجان العلاقات الخارجية والدفاع بالبرلمان الإيطالى ضغطت على الحكومة الإيطالية لإعادة السفير من أجل رعاية المصالح الإيطالية والتواصل مع الجهات المصرية بشأن التحقيقيات الخاصة بريجينى.
فى نفس السياق استنكر لورينزو ديلاى، عضو مجلس الشيوخ الإيطالى، عدم وجود تمثيل دبلوماسى منذ مارس 2016، بعد أزمة مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، مؤكدا أن الحادث ليست له أى علاقة بغياب السفير فى مصر، نظرا لوجود مصالح أخرى مشتركة تحتاج إلى وجود السفير.
ومنذ زيارة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس الأخيرة للقاهرة فى إبريل الماضى، تزايدت الأصوات المطالبة بعودة السفير الإيطالى لدى القاهرة من داخل روما، حيث دعا الدبلوماسى الإيطالى أنطونيو زاناردى رئيس منظمة "أنترسوس"، الحكومة الإيطالية، إلى إعادة السفير الإيطالى لدى القاهرة فى أسرع وقت ممكن، نظرا لخلو المنصب، مضيفا: "ليس من المنطقى أن يجرى البلدان حوارا عبر وسائل الإعلام.. مصر تعد لاعبا رئيسيا فى عمليات إعمار دول منطقة المتوسط.
ووفقا للتاريخ، فقد بدأ تبادل السفراء بين روماوالقاهرة عام 1914، وتوقفت هذه العلاقات خلال الفترة من عام 1940 حتى عام 1945، وهى تقريباً كل الفترة التى استغرقتها الحرب العالمية الثانية، واكتسبت هذه العلاقات أبعادا جديدة بعد زيارة الرئيس السيسى لإيطاليا، ومشاركة رئيس الوزراء الإيطالى السابق ماريو رينزى فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ. وتمتد جذور العلاقات المصرية الإيطالية للفترات التى تُعرف تاريخياً بشعوب البحر، وهى الشعوب التى يلعب البحر الدور الرئيسى فى كل شئون حياتها، ثم تطورت مع دخول مصر نطاق الدولة الرومانية، كما يشير الكاتب الشهير "ول ديورانت" فى كتابه الأشهر (قصة الحضارة).
وفى العصر الحديث ظهرت الصلات العميقة بين إيطاليا ومصر فى عدة مجالات، منها الحضور المميز والكثيف للجالية الإيطالية فى مدينتَى الإسكندريةوالقاهرة فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ومنها أيضاً الحركة النشطة للاستشراق الإيطالي، وهى حركة امتدت لقرون طويلة ما زالت مستمرة حتى اليوم. وخلال النصف الثانى من القرن العشرين ضعفت الصلات بين البلدين لأسباب سياسية، حتى جاء المشروع العالمى لإحياء مكتبة الإسكندرية، والذى حصل على دعم إيطالى كبير، ولم يقتصر هذا الدعم على المستوى الحكومى فقط؛ بل امتد للمؤسسات الإيطالية والأفراد.
وتعتبر إيطاليا هى الشريك التجارى الأوروبى الأول لمصر، والثانى على مستوى العالم، وخامس دولة فى مجال الاستثمار، كما أن التبادل التجارى بين مصر وإيطاليا يقترب من 6 مليارات دولار، وتتركز أوجه التعاون الاقتصادى بين البلدين فى مجالات الصناعات التحويلية وصناعات الأغذية والغزل والنسيج والمنتجات الزراعية، كما أن الاستثمارات الإيطالية بمصر، لم تتأثر خلال الفترة من 2011 إلى منتصف 2013، بسبب توتر الأوضاع الاقتصادية بمصر، وإنما امتازت بالثبات النسبى.
وفى المجال الثقافى والتعليمى بدأت العلاقات المصرية الإيطالية منذ العصور الوسطى فى عهد الإمبراطور أندريانو، حيث تبادل البعثات التعليمية والاستعانة بالخبراء الإيطاليين فى بناء دولة حديثة فى مصر، كما صمم الإيطاليون مبنى الأوبرا الملكية وكورنيش الإسكندرية والمتحف المصرى بالقاهرة، وفى مجال الآثار يوجد تعاون كبير بين البلدين خصوصا فى علم المصريات، حيث تعتبر بعثات التنقيب الإيطالية هى الأكبر، كما تم افتتاح مدرسة إيطالية للترميم المعمارى منذ أكثر من عشرين عاما.