“خاطب عقولهم وستتبعك أرواحهم وقلوبهم” من قول (تشرشل) أبحر بكم فى عالم السيطرة على العقول. فكثيراً ما غيرت الحروب النفسية وجه التاريخ وهى أخطر الحروب فتكاً بالمجتمعات، يباح فيها استخدام أى طريقة للتحكم وتغيير المفاهيم وتزييف الوعى والحقائق. العقل هو أخطر جزء فى جسم الإنسان مركز الفكر والتحكم فى الجسد والإرادة النفسية والحركية.
هى حرب فى فكر وعقل الإنسان واتجاهاته دون وجود رغبة مسبقة عنده أو إرادة، وهى ما يطلق عليه التفكيك النفسى أو حرب العقول أو غسيل الدماغ بمعناها الدارج. أسلوب قديم أول من استخدمه تاريخياً كان الفراعنة، ونقله عنهم الصينيون الشيوعيون 1950 فكانوا يستخدمون أساليب وتكنيكاً غاية فى القسوة يتم فيه عزل المعارضين فى زنازين فردية ويتركون عرضه لأفكارهم وأوهامهم حتى يصلوا لمرحلة اليأس، وبالطبع يصاحبها ضعف جسدى من استخدام للجوع والإجهاد وقلة النوم. وكما أشار (د. هنرى لوجين) أن حالة الإجهاد وإطالة فترات اليقظة على الإنسان تؤديان إلى فقدان الإحساس بالواقع والتشويش مما يجعله أكثر قابلية لزرع الإيحاء والأوامر والأفكار.
فى الثلاثينيات أنشأ النازيون معسكرات عديدة اعتقلوا فيها معارضيهم وأطلقوا لعلمائهم العنان فى إجراء التجارب والأبحاث على هؤلاء. وأحب أن أشير قبل الاستطراد فى شرح الأسلوب، أن هؤلاء العلماء على مر التاريخ تم توزيعهم والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم فى شتى أنحاء العالم (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا) . وتطور هذا المشروع السرى الضخم بكل إمكاناته المادية اللا محدودة، وتم وضع اسم ( إم كى الترا MK - Ultra ) على ملفاته. دراسة العقل البشرى لإمكانية تطويعه والسيطرة عليه. قامت وكالات الاستخبارات بفتح عدة بيوت للدعارة وزودتها بكاميرات وهدايا تتيح لها تسجيل كل ما يجري، وتم حقن الكثيرين دون علمهم بعقار (إل إس دي)، وتم هذا الإجراء فى كل من المصحات النفسية، والجامعات، والسجون، ومعسكرات الجيش، ولا ننسى مقتل الخبير (فرانك أولسن) المتخصص فى برامج الأسلحة البيولوجية لتهديده لهم بفضحهم.
عقار (إل إس دى) من أقوى عقاقير الهلوسة، وله تأثيرات تمتد لعدة ساعات وتتفاوت آثاره الجانبية ما بين شخص وآخر شاع استخدامها بين الجماعات الدينية وصناعة الإرهابيين (ضحايا السيطرة على العقول “ متلازمة ستوكهولم” ) . وهى استخدام العقاقير أو المخدرات لغسيل الأدمغة والسيطرة على سلوك الإنسان أو التحفيز الكهربائى للمخ والشبكة العصبية بما لها من تأثيرات سلبية على الأفكار والسلوك.
الاستخدام المفرط لبعض الحكومات العالمية فى فروعها العسكرية لأسلحة الليزر أو العناصر المشعة والمولدات الصوتية والنبض والكهرومغناطيسية غير النووية. وتمت هذه التجارب على كثير من البشر بدون علم أصحابها ( 1978 ) شيفلين
أذكر الصحفى (أدوارد هنتر) الأمريكى الذى استخدم هذا المفهوم فى إصلاح الفكر أو إعادة تشكيل «الأيديولوجيا لا يهم أن يكون الرجال الذين قابلتهم قد جاءوا من أوروبا أو الصين، فقد أخبرهم غاسلو المخ بأن بلادهم وكنيستهم وأصدقاءهم قد تخلوا عنهم وخانوهم» صنعوا لهم أكاذيب مضللة وزيفوا وعيهم بغسيل المخ، هو فى الواقع نظام الإشعار أو الفعل الشرطى المنعكس وأقسى من طبقوه غلظة كان العالم الهولندى (ميرو) وأطلق عليه قتل العقل أى توحد وخضوع العقل لا إراديا لسلطة نظام لا تفكيري. سنجد هنا وهناك أشكالا ووجوها عديدة لتزييف الوعى وصناعة الوهم، منها مراكز أبحاث ومؤسسات استطلاع للرأى هدفها المخفى هدم وعى الشعوب وطرح أفكار وإرساء مبادئ مغلوطة غير حقيقية مشوهة لتغيير قناعات وسلوك مجتمعات، وتتسلل رويداً فى هدوء وتصاعد نسبى بسيط حتى لا تلفت أنظار المصلحين وتنتهى بتمكينها وانتشارها.
ذراعها الأيمن بل الأيسر هو الدعاية والإعلام خادمها المخلص. فى صورة وجوه مشهورة مصعدة بدقة وعناية بالغة مدربة جيداً على التلاعب بمشاعر وعقول الناس، وزرع وعى تضليلى لتشويه الحقائق وتحويلها لسلبيات. وهنا تقع الشعوب فى فخ البرمجة. تتفكك الوحدة والتلاحم المجتمعى وتنتشر الصراعات والجدل الذى سرعان ما يتحول لوسائل هدم وعنف كما خطط (المستشرق اليهودى برنارد لويس) فى مشروعه لتقسيم الشرق الأوسط. انتشار الفساد بكل مفاهيمه وصوره المغلوطة، انهيار التعليم والصحة والفقر وضياع الثقة بين المواطن والدولة بمؤسساتها والتفاوت الطبقى لغرس مبادئ جديدة وأحقاد لا تنتهى بين أبناء الوطن الواحد لتقودنا فى النهاية إلى شتى أنواع الخراب والدمار الذاتيين. بلا جيوش تغزونا، فنحن من سنغزو أنفسنا ونحطمها.
وكما قال “جوبلز” إله الدعاية النازية الجبارة الذى صور “أدولف هتلر” للألمان على أنه منقذهم، وأحد أساطير الحروب النفسية “أعطنى إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً بلا وعى”. هذا هو الجيل الرابع من الحروب ليست جيوشا تشحذ أسلحتها على الحدود، ولكن استعمار أفكار تفتك بالمجتمعات لتتداخل الحقائق بالخيال والزيف وتحقق غايتها بالتدمير النفسى والإحباط واليأس. بعض الإعلام يقود هذه الحرب الدونكشوتية من استديوهاتهم، ينفخون فى بوق الشعارات الأيديولوجية، قتل الدين والعدالة والحرية والتعددية والديمقراطية لإحداث البلبلة وحشد الرأى العام التائه، مستغلين جهل العامة أو الخوف من الدخول فى مسلمات غيبية.
أذكرك عزيزى القارئ بفكر “صامويل هنتنجتون” فى التسعينيات، ونظريته “صدام الحضارات” وهى فرض المبادئ الأمريكية بالقوة ورسالة أمريكا للعالم العربى وإعادة تشكيل المنطقة بحرب قتل المبادئ “الفوضى”.
لا تجعل أحداً يتجول بأريحية داخل زوايا عقلك، ويطلق الرصاص على كل أفكارك ومبادئك وفضائلك ويشوه ضميرك.