أساتذة الكلى يطالبون بوقف توريد «الإيرثروبيوتين» الذى يحوى مشتقات الدم حرصاً على أرواح المرضى د. عكاشة: التحاليل الشهرية أثبتت أنه يؤدى إلى انتشار الفيروسات الكبدية وارتفاع نسبة الوفيات
صرخة مدوية ترددت فى جنبات حجرة غسيل الكلى بأحد المستشفيات الحكومية، تبعها هرولة هدى نحو والدها الذى وضع على جهاز الغسيل، وتم حقنه بدواء يسمى” الإيرثروبيوتين” الذى يحوى مشتقات الدم، ازرق وجه أبيها ودخل فى غيبوية، تصرخ هدى بشدة “الحقوا أبويا تعبان جدا”، جاء الطبيب مع اثنين من الممرضين ليأمرهما بإدخال المريض سريعا غرفة العناية المركزة.. تقول هدى سمعت الطبيب يتمتم: “الله يخرب بيوتهم قلنا كتير الدوا ده زفت ومش كويس”، بعد 3 أيام فى حجرة العناية المركزة توفى عبد الوهاب والد هدى بعد معاناة مع الفشل الكلوي. وأمام جهاز الغسيل الكلوى كان محمود الشاب فى الثلاثين من عمره، وسط خراطيم متشعبة بين جهاز الغسيل الكلوى تمدد جسده النحيف، لا يعرف محمود السبب وراء إصابته بالفشل الكلوى فى هذا العمر المبكر، لكنه يشكو من عدم تحسن حالته ويتساءل: أليس من حقى الحصول على العلاج الآمن والفاعل «يعنى مش كفاية المرض كمان العلاج ما بيجبش نتيجة». ثلاثة أشهر مرت حتى الآن، منذ تعاقدت وزارة الصحة على دواء الإرثيروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم- برغم اعتراض أساتذة الكلى عليه، وإلغاء الآخر الخالى من مشتقات الدم؛ بحجة توفير النفقات، والنتيجة تدهور حالات العديد من مرضى الكلى ،وزيادة نسبة الوفيات لعدم توافر الدواء لفترات طويلة . “الأهرام العربي” تكشف فى تحقيق استقصائي، معاناة مرضى الكلى فى مصر والتى لاتوجد إحصائية رسمية لأعدادهم، نظرا لصعوبة ذلك، كما يقول أطباء الكلى، وإن كان البعض يرجح أنهم يشكلون قرابة 2.5 مليون، من ضمنهم نحو 80 ألف مريض تحت الغسيل الكلوي. تلك المعاناة التى زادت – كما كشفت مستندات وتحاليل رسمية وحكومية – بعد تعاقد وزارة الصحة على دواء غير فعال يتسبب فى تدهور الحالة الصحية للمرضى، بل يعيدنا 20 عاما للوراء بحسب وصف أحد علماء الكلى. الأستاذ الدكتور كمال محمد عكاشة رئيس قسم الكلى بجامعة طنطا، يقول: التحاليل والدراسات المستوفية، أثبتت عدم فاعلية وكفاءة دواء الإريثروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم. وكان قرارنا برفض هذا الدواء تماما، وعدم إدخاله فى وحدات الكلى الخاصة بمستشفيات طنطا الجامعية، إلا أننا فوجئنا بقرار وزارة الصحة بتخفيض مستحقات كل مريض كلى من 500 جنيه شهريا لتصبح 200 جنيه، وهو مبلغ غير كاف على الإطلاق، وهو ما اضطرنا لاستخدام الدواء رخيص السعر، وهو الإريثروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم الذى تعاقدت عليه وزارة الصحة، برغم وجود تقرير سابق من لجنة الكلى تحذر فيه من خطورة هذا الدواء، ودوره فى نقل العدوى وانتشار الفيروسات الكبدية ورفع نسب الوفيات. ولأننا مستشفى عريق به أساتذة متخصصون وهدفنا الأساسى صحة المرضى، قررنا عمل دراسة شاملة أخضعنا فيها أكثر من 26 مريضا للملاحظة والفحص، بعد استخدام هذا الدواء، وأقرت هذه الدراسة المستوفية بعدم صلاحية الدواء الذى يحوى مشتقات الدم، وعدم وجود أى تحسن للمرضى، بل تدهورت حالتهم الطبية. ويضيف د. كمال عكاشة : لقد أثار قرار وزارة الصحة دهشتى، حيث إن الشركات الكبرى العالمية، قدمت عرضا لتوريد الإريثروبيوتين الخالى من مشتقات الدم بسعر جيد وهو 500 جنيه للحقنتين، لكن وزارة الصحة اختارت الدواء الصينى الذى يحوى مشتقات الدم وتتراوح سعر الحقنة ما بين 30 و 110 جنيهات. وأشار عكاشة، إلى أن الأنيميا وهى مرض فقر الدم أكبر مشكلة عند مريض الكلى، حيث إن الكلى السليمة يمكنها إنتاج هرمون الإريثروبيوتين بنسبة 100 % بينما المصابة تنتجه بنسبة 50 % . وهكذا تقل النسبة وفقا لدرجة تضرر الكلى حتى تتوقف، لذا فإن المريض الذى يصل لمرحلة غسل الكلى يستوجب إعطاءه حقن الإريثروبيوتين الخالى من مشتقات الدم، وحتى المريض الذى لا يغسل لكن يعانى من الأنيميا يأخذ هذا الدواء أيضا. ولفت عكاشة النظر ، إلى أن مركز الدكتور محمد غنيم للكلى مؤسسة متكاملة ولها ميزانية محترمة، لذلك هى لا تسخدم هذا الدواء، ويستحيل أن توافق على إدخاله، ونحن حتى مطلع عام 2016 كنا نرفضه أيضا حتى جاء قرار وزارة الصحة وتعاقدها عليه.
قرار خاطىء الأستاذ الدكتور أسامة الشحات استشارى أمراض وزراعة الكلى، سفير الجمعية العالمية لأمراض الكلى قال، إن مضاعفات القصور الكلوى هو حدوث الأنيميا وهو ما يؤثر على الحالة العامة للجسم، وقديما كانوا ينقلون الدم بصورة متكررة، وكان هذا يتسبب فى الإصابة بالفيروسات مثل الفيروسات الكبدية، لكن بعد ظهور الإريثروبيوتين الخالى من مشتقات الدم قلت جدا هذه الإصابة وتحسن الوضع الصحى لمريض الكلى بصورة جيدة جدا. لكن فوجئنا بقرار من وزارة الصحة، بالتعاقد على الإريثروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم لرخص سعره، فى حين أن كل التجارب العلمية والعملية أثبتت عدم فاعليته وكفاءته، فضلا عن إضراره الشديد بالمرضى، كما قللت مبلغ الدعم للعلاج على نفقة الدولة من 3000 جنيه كل 6 أشهر إلى 1200 جنيه فقط وهو ما لا يكفى لعلاج المريض نهائيا. وأكد الشحات، أن قرار وزارة الصحة بإدخال هذا العقار سيعيدنا 20 سنة للخلف، من حيث تدهور حالة المرضى وارتفاع نسبة الوفيات، وزيادة العدوى والإصابة بالفيروسات، وهذا كله بسبب قرار خاطىء، وفى ظنى أن صاحب هذا القرار ظن أنه يوفر للحكومة، والحقيقة أنه ورط الحكومة وزاد من العبء عليها ، لأن المريض الذى سيعالج بهذا الدواء ستحدث له انتكاسة وسيدخل المستشفى وسيحتاج لعلاجات ونقل الدم وأسعار أكياس الدم مكلفة، فالكيس الواحد ب 300 جنيه. والأهم أن نقل الدم فيه خطورة كبيرة على حياة مريض الكلى، بالإضافة إلى أنه فى السابق كان المريض يحصل على العلاج ويذهب لعمله ويمارس حياته الطبيعية، لكنه الآن ستزيد عليه الأنيميا وسيصبح غير قادر على العمل ومن ثم زيادة الأعباء. هناك عقار إريثروبيوتين يحوى مشتقات الدم صينى ومصرى والاثنان غير فاعلين، والذى يحدث أن الصيدلى المكلف بصرف العلاج على نفقة الدولة إذا لم يتوافر لديه العقار المصرى، يقوم بشراء الصينى حتى لا يتوقف العلاج للمرضى، وذلك وفقا للميزانية لأنهما بنفس السعر تقريبا، والمطلوب الآن وعلى وجه السرعة وقف هذين العقارين والرجوع للإريثروبيوتين الخالى من مشتقات الدم حفاظا على أرواح المرضى، ولأن العقار الحالى غير قادر على تحسين أوضاعهم. وأشار الشحات أن اللجنة المكلفة من وزارة الصحة، جعلت العقار تحت الاختبار لمدة 6 أشهر، وجميع أساتذة الكلى فى مصر يقرون أنه أضر بالمرضى، لذا يجب إنهاء التعاقد عليه نهائيا والرجوع للدواء الخالى من مشتقات الدم. لكن هناك نقطة خطيرة، وهى أن الحكومة كانت تتكفل بعلاج مريض الكلى والغسيل، وكان ذلك يتضمن منح المريض 100 جنيه لشراء علاجات ضرورية، والآن بعد ارتفاع أسعار الدواء أكثر من مرة، لم يعد هذا المبلغ كافيا حتى لشراء علبة دواء واحدة، ومعظم مرضى الفشل الكلوى تحت خط الفقر لذا نطالب برفع هذا الدعم حفاظا على حياتهم. ولفت الشحات النظر إلى أن، الغسيل الكلوى الدموى هو أحد المحاور الثلاثة للعلاج، وللأسف، فإن علاج الكلى فى مصر مقتصر على محور واحد ويغفل محورين مهمين للعلاج، وهو زرع الكلى وهو العلاج الأمثل لمريض قصور الكلى، ونتيجة قلة المتبرعين سواء من الأقارب أم غير الأقارب، فإن هذا النوع يمثل 15 % من العلاج، أما المحور الثالث فى العلاج فهو الغسيل البريتونى، وهو يمثل علاجا مهما جدا فى عدة دول فى العالم، وتمكن المريض من الغسيل فى بيته مما يوفر أشياء كثيرة على الدولة. وهذا النوع من الغسيل لا يطبق بسبب عدم الوعى والخبرة به عند الأطباء، والجهل به عند المرضى.
تفكير قاصر بدوره أكد الأستاذ الدكتور منتصر الزيات رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى بجامعة الإسكندرية، أن الإريثروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم دواء غير فاعل والسبب الوحيد الذى نعرفه لتعاقد وزارة الصحة على هذا الدواء هو توفير النفقات، وهى بذلك تخطىء تماما لأن المريض تسوء حالته ولا تتحسن، ومن ثم نضطر لحجزه فى المستشفى وتقديم علاجات كما نقوم بنقل أكياس الدم المتكرر، وهذا يكلف وزارة الصحة أكثر بكثير مما ظنت أنها تقوم بتوفيره ولكنها لا تنظر للأمد الطويل. أضاف الزيات، أن مريض الكلى يعانى من ارتفاع هرمون الغدة الجار درقية ومن ثم تأثر العظام، وهو ما يسبب له مضاعفات قد تودى بحياته، وهذه الحالة لاتشملها قرارات العلاج على نفقة الدولة، وأدويتها مكلفة . لذا يجب أن توضع فى الحسبان وعلى قائمة العلاج على نفقة الدولة حفاظا على أرواح المرضى. ولفت الزيات النظر، أن الدولة اهتمت الفترة الخيرة بمرضى فيروس C، وهذا مهم جدا، لكن ما كان يجب أن يكون ذلك على حساب الأمراض الأخرى، والذى حدث أن وزارة الصحة سحبت من مخصصات الأمراض الأخرى لعلاج فيروس سى خصوصا مرضى الفشل الكلوي، وبالتالى تجد أن جلسة الغسيل الكلوى تتكلف 300 جنيه، فى حين لا تصرف الوزارة أكثر من 200 جنيه، إذن من يتحمل 100 جنيه، وهذا يؤدى لمشكلة لجميع مرضى الكلى، وتضطر بعض المراكز أن تقوم بالجلسة بإمكانات غير كاملة أو تطالب المرضى بدفع الفارق أو تبحث عن المتبرعين.
الحلول الناجزة من جانبه أكد الدكتور حامد العراقي، أخصائى الكلى فى مستشفى المنصورة الدولي، وعضو مجلس نقابة الأطباء، أن حقنتين من الإرثروبيوتين الخالى من مشتقات الدم تكفى المريض وتحسن حالته، بينما يحتاج المريض من 13 إلى 20 حقنة من الإريثروبيوتين الذى يحوى مشتقات الدم كى يحدث ذلك التحسن. وتؤخذ هذه الحقن مثل حقن الأنسولين، لأن وضعها فى محاليل الغسيل يحتاج على الأقل إلى 4 حقن، ونحن نلتزم بقيمة مادية لكل مريض، وقديما كان نقل الدم هو السبب الرئيسى فى الإصابة بالفيروسات، لكن حاليا يتم تحليل كل شيء، وربما تكون هناك فيروسات غير معروفة. فمثلا فيروس سى، لم يكن معروفا حتى وقت قريب وهذا هو سبب انتشاره بهذا الشكل فى مصر، فكان التحليل لايعرف سوى فيروس A و B ، وباختصار الإرثيروبيوتين الخالى من مشتقات الدم آمن للمرضى، ويحمى من الإصابة من الفيروسات والعدوى لأنه لا يتطلب معه نقل الدم. وأكد العراقي، أنه كإخصائى كلى ضد قرار وزارة الصحة بصرف الدواء الذى يحوى مشتقات الدم، لكن الغريب أن الشركة التى تم التعاقد معها لا تستطيع أن تكفى احتياجات المستشفيات، لأن كل شركة لها إنتاج محدود، ومنذ 3 أو 4 أشهر لم يتم يصرف الحقن للمرضى، وهى مهما جدا وبالفعل هذا يساعد فى زيادة نسب الوفيات وتدهور أحوال المرضى الصحية. هذا بالإضافة إلى وجود نقص شديد فى الأدوية، وأنا كمسئول عن صرف الأدوية فى العيادات الخارجية، أؤكد أن هناك نقصا فى دواء الضغط المنخفض وبعض المضادات الحيوية والأدوية. وهناك مرضى يأتون بتذكرة صرف علاج ويظلون لفترة قد تصل إلى 3 أشهر دون التمكن من صرفه. ويمكن أن يموت المريض بسبب عدم توافر العلاج، وشركات الدواء تتعمد عدم توريده لوزارة الصحة لأنها تريد رفع السعر وعدم الالتزام بالمناقصات التى أبرمت مع الوزارة. ولفت العراقي النظر، إلى أن وحدات الغسيل فى مصر حتى الآن غير كافية، ونحتاج للتدخل السريع وإيجاد الحلول، فنحن فى مستشفى المنصورة الدولى نملك أكبر وحدات الغسيل ومتوسط الغسيل اليومى يصل إلى 150 مريضا، وبرغم ذلك لا يكفى نهائيا، وهناك عدد من الحلول الناجزة لكنها تحتاج قرارا سياسيا من الدولة، وهى الغسيل البريتونى، لكن ضغط شركات الدواء على أصحاب القرار يمنع وجوده فى مصر، برغم وجوده فى دول العالم المتقدمة، ولأن هامش الربح فيه أقل كثيرا لهذه الشركات فهى تحاربه، لكنه يوفر للدولة وللمستشفيات ويمكن المريض من الغسيل فى المنزل. وأشار العراقي، إلى أن مريض الكلى يحتاج مزيدا من الدعم، حيث إنه يكلف الدولة أكثر من مريض الكبد، ومتوسط علاج مريض الكلى يصل ل 3000 جنيه قرارات علاج، بالإضافة لسعر ماكينة الغسيل 195 ألفا وكل ماكينة لها 6 مرضى، ومرضى الكلى يختلفون فمنهم من يحتاج 1000 جنيه، وهناك من يحتاج 100 جنيه، لذلك أطالب بعدم تحديد مبلغ موحد للجميع لما فى ذلك من ظلم، فالتوزيع الصحيح هو الأهم، وهو ما سيحسن من حالة المرضى والتعامل معهم داخل المستشفيات.