الخلافة الإسلامية أصبحت الورقة الرابحة بيد الغرب لتفتيت العالمين العربى والإسلامى الغرب يسعى إلى خلق تنظيم إرهابى جديد لتفادى عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم
هدف التنظيم الجديد نقل الصراع إلى آسيا لإحكام القبضة على إيرانوروسياوالصين
لا يخفى على أحد أن ما يسمى "داعش" أو ما عداه من جماعات إرهابية أخرى ما هى إلا وسيلة، لتقويض استقرار الدول واستنزاف مواردها وإخضاعها وتفتيتها بعد إغراق جيوشها ومجتمعاتها فى معارك لا طائل من ورائها سوى تدمير كل طاقتها البشرية والمادية والنفسية الأمر الذى يدفع بعدد كبير من المحللين للزعم بأن نهاية "داعش" لن تكون نهاية الإرهاب العالمى بل هى بداية تنظيم جديد يعمل على إعادة تأهيل الإرهابيين ونقلهم إلى أماكن أخرى للقيام بمهام جديدة.
التنظيم الجديد ليس مفاجأة لأحد، فلقد سبق وأعلن اسمه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما فى إحدى خطبه عام 2014 عندما صرح بأن هناك جماعة تسمى تنظيم خراسان ظهرت فى سوريا كخلية إرهابية، ربما تكون أكثر قدرة على تنظيم هجمات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة أو منشآت خارجية، مما يشكل خطرا يشبه ما يمثله تنظيم داعش. بالطبع يظهر هنا الهدف الواضح من التصريحات الأمريكية ألا وهو إعادة إشعال الماضي.
وبنظرة على التاريخ نجد أن الخراسانيين حملوا راية العباسيين وخاضوا معاركهم الكبرى ضد الدولة الأموية فى بلاد الشام. ولكنهم سرعان ما اختلفوا معهم ودخلوا فى صراع مرير انتهى بسيطرتهم غير المباشرة على الخلافة، واليوم يريد الغرب ترويج فكرة خراسان جديدة تتمثل مهمتها فى القضاء على الخلافة المزعومة التى تنادى بها داعش والتى هى أساسا صنيعة أمريكا. أنها الرغبة الغربية فى العودة إلى الماضى ولكن بشكل مستقبلى. إنها الرغبة أيضا فى نقل مركز الصراع إلى الدروب الأفغانية فالاسم الذى تم اختياره للجماعة الإرهابية الجديدة هو "خراسان". وخراسان هو إقليم قديم يشمل إيرانوأفغانستان وبعض مناطق آسيا الوسطى. ويكفى ذكر اسم أفغانستان لكى نستشعر الحجم المريع لموجة الإرهاب المقبلة التى ستهدد العالم أجمع. فإذا كان داعش قد نجح فى مهمته الأمريكية فى تحريك عملية تقسيم سورياوالعراق، وكاد يفتت بقية الدول العربية فإن تنظيم خراسان سيكون هدفه هو إبقاء المنطقة متوترة وتفجير مواجهات على شكل حرب أهلية فى الكثير من الدول التى تؤرق الولاياتالمتحدة وإسرائيل لكى يصبح هناك مبرر للولايات المتحدة بالتدخل عسكريا للسيطرة على النفط فى الدول التى يتراءى لها أنها تضم على أراضيها إرهابيين من صنيعتها الجديدة المسماة ب"خراسان" التى وصفتها بأنها أشد خطورة من داعش. لقد نجحت الولاياتالمتحدة فى نقل مقرات "داعش" الموجودة فى العراقوسوريا إلى أفغانستان كما نجحت فى تجميع عدد كبير لمقاتلى "خراسان" فى الجنوب والشرق والشمال والغرب من أفغانستان وذلك عبر تركياوإيران فيما اعتبر ملاذا آمنا لمقاتلى "داعش" والمرتزقة الفارين من العراق وسورية وقد نجحوا بدورهم فى تشكيل جبهات عسكرية وحصلوا على أسلحة متطورة وحديثة لاستخدامها فى حربهم الجديدة ضد طالبان، وذلك لتغيير الخارطة العسكرية فى أفغانستان وتحويل طالبان إلى جماعة مسلحة ضعيفة متشرذمة بعد فقدان معاقلها وغرقها فى مواجهات عنيفة وتشتتها بين باكستانوإيران.
نظرة سريعة على خريطة العالم وموقع أفغانستان يكشف لنا الهدف الآخر من نقل بؤرة الصراع مرة أخرى إلى الحوض الأفغانى، وهو وضع أمن كل من باكستانوالصينوروسيا على المحك. فمن الطبيعى أن الولاياتالمتحدة سوف تقوم ببناء العديد من القواعد العسكرية فى أفغانستان التى أصبحت معقلا كبيرا للإرهاب الذى يؤرق مضجع الأمريكان، لاسيما بعد أن شهدت كهوف تورا بورا وجود أكثر من 4 آلاف داعشى يقومون على تهديد دول الاتحاد السوفيتى السابق ودول آسيا الوسطى. وبالتالى فإن الحل الوحيد يكمن فى بناء قواعد عسكرية أمريكية لدحض هذا الإرهاب ظاهريا والتجسس على كل هذه الدول ومراقبتها واقعيا، لا سيما أن الولاياتالمتحدة ترى فيهم خطرا حقيقيا، خصوصا إيران التى تشكل تهديدا نوويا خصوصا بالنسبة لإسرائيل والغرب والذى قام بجانبه بتسليط الضوء على أن بعض أعضاء جماعة خراسان هذه موجود فى إيران، وذلك من أجل التمهيد لضرب المصالح الإيرانية فى المنطقة. ورقة التهديد الأخرى التى تريد الولاياتالمتحدة الإطاحة بها هى روسيا التى تهدد زعامة الولاياتالمتحدة للعالم، فضلا عن الصين التى تسعى بدورها للسيطرة الاقتصادية على العالم، وبالتالى ليس هناك حلول أخرى سوى افتعال أزمة إرهابية على مقربة من كل هذه الدول لفرض السيطرة على أى تحرك تقوم به أية دولة وتمكين الولاياتالمتحدة من نشر قواتها فى مختلف أنحاء منطقة غرب آسيا، والهيمنة على مصائر الشعوب هناك وتركيعهم وتكبيدهم خسائر بشرية ومادية كعادتها دائما. ولعل العالم لم ينس بعد يوم إعلان البنتاجون الأمريكى عن إلقائه أكبر قنبلة فى العالم فى 13 إبريل الماضى على ما وصفه بأماكن لتجمعات تابعة لتنظيم داعش فى أفغانستان، التى كان الهدف منها على حد تعبيرهم هو القضاء على خراسان، حيث ظهر التنظيم المسمى باسمها كفرع من فروع داعش فى أفغانستان والحدود الباكستانية، حيث يضم التنظيم عددا من المنشقين عن حركة طالبان وهم فى الواقع متشددو القاعدة المدربون تدريبا عاليا من أفغانستانوباكستان وشمال إفريقيا والشيشان أما الجزء الأكبر فهم شتات داعش الذين تم إنشاء هذا التنظيم من أجلهم ليصبح هذا التنظيم أشد فتكا من كل من سبقوه، فجميع عناصره لديها خبرة طويلة فى القتال، فضلا عن تبنى أفرادهم للأفكار المتشددة والأهم من ذلك أنهم يمتلكون أقوى وأحدث أسلحة فى العالم صنعها لهم الغرب خصيصا وقبض الثمن مقدما من أجل إطالة عمر الإرهاب فى المنطقة العربية والإسلامية خصوصا أنه سوف يتمركز فى مراحله الأولى على الحدود مع إيران لخلق توتر سني- شيعي. حيث سيعتمد على إشعال صراع بين الإيرانيين من أصول أذربيجانية أو أفغانية ضد الإيرانيين من أصول فارسية تمهيدا للانتقال إلى مناطق واسعة فى قلب الجزيرة العربية على الحدود العراقية - السعودية. والهدف هو السيطرة المطلقة على خزائن النفط الهائلة الكامنة تحت سفوح الهضاب الإيرانية من خلال تجريد إيران من ثروتها النفطية عن طريق السيطرة المطلقة على هذا الجزء واقتطاعه وتحويل إيران إلى أرض جرداء خالية من أية ثروات نفطية أو معدنية، كما حدث مع حقول النفط والغاز فى شمال العراق وشرق سوريا.
هدف آخر يسعى إليه الغرب من خلال خلق تنظيم إرهابى جديد أيا كان مسماه وهو تفادى عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم بعد تشديد الخناق فى الموصل والرقة إذا بدأ المؤشر فى الاتجاه المعاكس وبدأت أعداد العائدين تتقدم بسرعة مع وجود صعوبة شديدة إن لم يكن استحالة فى وقف هذا التدفق، مع ما يشكلانه من تهديد بسبب قدرتهم على شن هجمات فى أوطانهم الأصلية، مما يعنى أن معظم العائدين يشكلون خطرا حادا خصوصا أن التقارير تشير إلى أن واحدا من بين 360 مقاتلا أجنبيا ارتكبوا هجوما فى بلادهم بعد عودتهم، كما تشير الأدلة الأخرى إلى أن الباقين ما زالوا فى عداد الأعضاء النشطين فى شبكات التطرف حتى لو كانوا قابعين فى منازلهم. وبرغم وجود تدابير أمنية مختلفة لمنع عودة المقاتلين الأجانب إلى ديارهم فإن المسألة تظل صعبة وخارج نطاق السيطرة، ومن هنا كان الحل الذى سيضرب عدة عصافير بحجر واحد، وهو إلهاؤهم فى تنظيم جديد يدعو إلى ترسيخ فكرة الخلافة الإسلامية لضمان إشعال فتيل الصراع مجددا بين التنظيمات الأخرى الساعية وراء هذا الوهم بحجة نيل هذا الشرف الدينى فكما أزاحت داعش تنظيم القاعدة سيقوم تنظيم خراسان بإزاحة داعش ليحمل لواء الخلافة الإسلامية، هذا الصراع ذو الخلفيات التاريخية والسياسية والجغرافية والعرقيّة المعقدّة والمتراكبة ومن ثم يجد الغرب فرصة استعادة إستراتيجية تقطيع أوصال الشرق الأوسط القديم وتركيب شرق أوسط جديد.