لم تأتي عملية طالبان صباح اليوم الاثنين، ومهاجمتها للبرلمان الافغاني، مقطوعة الصلة عن مسار بدأ ابريل الماضي وسيتصاعد خلال الفترة الفادمة، ففي اطار اللعبة الإيرانية الكبرى لتحقيق نفوذها اقليميا سواء على مستوى الدول الخليجية العربية أو اقليمها الآسيوي، نجحت ايران في استقطاب حركة طالبان، التي باتت تشعر برهاب زوالها بعد مقتل "الملا عمر" وتصاعد شعبية داعش في افغانستان، فبينما تسعى طالبان للحفاظ على وجودها، منتها ايران بما هو اكثر من ذلك، وتظل ورقة داعش الورقة الايرانية التي تجمع بها كل اوراق اللعبة في يدها. ويثير التقارب بين "حركة طالبان" وإيران قلق المجتمع الأفغاني، وتتحدث الأروقة السياسية عن سعي إيران لاستمرار دوامة الحرب في أفغانستان لتكون فاعلاً أساسياً فيها، على غرار العراق وسورية، حيث أكد مجلس الشيوخ الأفغاني خلال جلسته الأخيرة على أن إيران تتبنى سياسة مزدوجة، فهي تؤيد الحكومة الأفغانية دبلوماسياً ولكنها وراء الكواليس تؤيد حركة "طالبان" بهدف مواجهة "داعش"، وهو ما سيؤدي إلى صراع جديد على حساب أفغانستان.
وقال "صفي الله هاشمي" عضو مجلس الشيوخ الأفغاني إن "إيران تسعى من خلال دعمها لطالبان إلى أن تجعل أفغانستان ميدان الصراع بين داعش، وخصمها حركة طالبان"، مشيرا إلى أن هناك أدلة وشواهد تثبت أن طهران تتدخل في شؤون أفغانستان، وتؤيد حركة "طالبان". وعلى الرغم من أن طالبان تضحي بمناصريها داخل افغانستان بعلاقتها مع ايران، إلا أنها على ما يبدو تسعى من وراء علاقتها بايران الى تقويض حالة الاستقرار الهشة في افغانستان، وهو ايضا ما تسعى اليه ايران، حيث يحذر المراقبون في افغانستان من أن علاقة أي طرف بايران ستؤدي بافغانستان الى مصير العراقوسوريا، وعليه رفضت العديد من الحركات التعاون مع ايران، معربة عن تحفظاتها من تلك العلاقة، وجدير بالذكر أن الساحة الافغانية مفتوحة للمخابرات الايرانية، حيث نجحت في استقطاب وتجنيد الاف الشباب من الشيعة هناك للحرب في سوريا. ويعارض التيار السلفي الجهادي بحركة طالبان العلاقة بين الحركة وطهران، لدرجة تهديدهم بالانشقاق عن طالبان، وبقائه منفصلاً على أحسن الأحوال، أو انضمامه إلى داعش، الأمر الذي لن تتحمله الحركة في الظروف الراهنة، وانشق عدد من القيادات البارزة عن الحركة وأخرى على وشك الانشقاق، خاصة ما بلبلة الأخبار حول مصير الملا عمر، فبينما اعلنت الاستخبارات الافغانية عن موته، انكرت قيادات الحركة الخبر حفاظا على وحدتها، حتى طالب أحد اعضاء شورى الحركة القيادات ببث تسجيل صوتي للملا عمر خلال عشرة ايام ان كان على قيد الحياة، وإلا فعدد من قيادات الحركة سينضم إلى تنظيم داعش، وسيبايع من وصفه بخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي. وتأتي انشقاقات الحركة على خلفية أن ايران تسعى من تحالفها مع طالبان لاستخدامها ضد داعش، خاصة وأن داعش اعلن عداؤه علنا لطالبان، وبدأ يستهدف قادتها . وفي ظل كل ما سبق، تردهر العلاقات بين طهران وطالبان، التي تتمتع وفودها في ايران بحماية الحرس الثوري، وتبرر طالبان تلك الزيارات بأنها تهدف الى شرح موقفها إزاء القضية الأفغانية، علاوة على التباحث بشأن قضية اللاجئين الأفغان مع السلطات الإيرانية، إلا أن التسريبات تكشف العلاقة بإيران قد تخطّت هذه المرحلة، وأن قضية اللاجئين لا تهم الطرفين حاليا، وتؤكد على أن الحركة تهتم بعلاقاتها مع إيران بعد أن واجهت مشاكل مع باكستان التي توطد علاقتها بافغانستان، وإيران من جهتها رحبت ب"طالبان" بشكل كبير، إذ كان الوفد الأخير لطالبان الذي ترأسه طيب آغا في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، الذي كانت تصفه الحركة بألد أعداء الإٍسلام. وتتحدث تقارير إعلامية وتسريبات صحافية عن دعم إيران لطالبان في المجال المالي والعسكري وتدريب المسلحين، والسعي لتجنيد الشباب الأفغان اللاجئين في إيران في صفوف طالبان، كما اشار الإعلام الدولي والمحلي إلى أن طالبان طلبت من القيادة الإيرانية فتح ممثلية لها في طهران، إلا أن الحركة نفت تلك الأنباء، وقالت أن لطالبان ممثلية في قطر، ولا حاجة لها لممثلية أخرى الآن . وقالت صحيفة ال"دايلي بيست" الأمريكية، أن الاشتباكات الدموية بين حركة طالبان الأفغانية، وتنظيم داعش غرب أفغانستان مايو الماضي، ادى الى تحول مصيري في تشكيل التحالفات التي تحاول الولاياتالمتحدة التصدي لها. ونقلت الصحيفة عن قائد أفغاني في حركة طالبان طلب عدم الافصاح عن اسمه، فإن المعركة التي وقعت في 24 مايو في منطقة الكاكي القريبة من الحدود الإيرانية، انتهت بمقتل 22 شخص، من ضمنهم 13 من مقاتلي داعش، وتسعة مقاتلين من حركة طالبان، قائلا "هذه أكبر معركة بين طالبان وداعش حتى الآن". وعلق "مولى خان محمد نورزاي" والذي كان مقاتل سابق في طالبان، وتحول إلى تنظيم داعش على القتال، قائلا "طالبان هجمت على معسكر لتنظيم داعش، وقتلت الأبرياء من اتباع خليفة التنظيم أبو بكر البغدادي"، مشيرا إلى أن أغلب من قٌتلوا كانوا من اصدقائه وزملائه. أوضح نورزاي أن العلاقة بين طالبان وداعش لم تكن سيئة، وكان هناك تفاهم بينهما، واتفقا على ألا يطلق أي منهما النار على الآخر، إلا بعد المناقشة، حتى اخترقت طالبان الاتفاقية وبدأت الهجوم. وتابع قوله "المسلم لا يكسر وعده، طالبان مسلمين غير حقيقين وليس مجاهدين، والآن لم يتوقف قتالنا ضدهم"، مشيرا إلى أن طالبان تستخدم اسم الاسلام، ولكنها تتلقى المال من إيران، والولاياتالمتحدةالأمريكية، مشددا على أن إيران لعبت دورا رئيسيا فيما يحدث، قائلا "لم أكن في المعسكر في وقت الهجوم، ولكني واثق من إن ذلك الهجوم أشرف عليه الإيرانيين، وكان هناك بعض الإيرانيين الذين يصورون مشاهد ويصنعون مقاطع فيديوهات بالقرب من جثث مقاتلي داعش".