شامل الأسلحة والمؤن والذخائر.. تل أبيب تشترى المعارضة بالجولان.. بخمسة آلاف دولار إسرائيل ليست طرفا محايدا فى الصراع داخل سوريا وهدفها الإطاحة ببشار
«إسرائيل وقفت إلى جانبنا بصورة بطولية. ولم يكن من الممكن أن نستمر بدون مساعدتها». هذه المقولة كانت مفاجأة من العيار الثقيل، إذ كشف معتصم الجولانى – المتحدث الرسمى لجماعة فرسان الجولان، أن إسرائيل تقدم 5 آلاف دولار شهريا للجماعة التى بدورها تستخدمها فى دفع أجور المقاتلين وشراء الأسلحة والمؤن والذخيرة التى تستخدمها فى حملاتها ضد الحكومة فى الجولان السورية.
فعلى الرغم من أن الصحافة العالمية ظلت طوال الوقت تنعت الدور الإسرائيلى فى الأزمة السورية بالمحايد، فإنه أخيرا جاءت صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية، لتكشف النقاب فى تقرير لها عن أسوأ سر من أسرار هذه الأزمة.
فقد أكد الجولانى أن إسرائيل تساعد بصورة مباشرة فصائل التمرد السورى إنسانيا وماليا. وهو ما يكشف عن تورطها فى التمويل المباشر للمقاتلين المعارضين بالقرب من حدودها.
وكما يتضح من التقرير، تتكون جماعة فرسان الجولان من نحو 400 مقاتل. أى أن حجم الدعم الإسرائيلى للمقاتل الواحد شهريا 12.5 دولار، وهذه الجماعة قد تبدو ميليشيا محلية. ومما لا شك فيه انتماؤها إلى جماعة إسلامية أكبر مثل النصرة أو القاعدة، ويؤكد التقرير أن هذه الجماعة لا يمكن أن تنتمى إلى الجيش السورى الحر.
كما يلقى التقرير الضوء على أنه من المحتمل وجود جماعات أخرى قد تقوم إسرائيل بمساعدتها. والتدخل الإسرائيلى فى الصراع السورى أخذ العديد من الصور تضمنت غارات جوية ضد حزب الله ومبعوثى الجيش الإيرانى وإسقاط معدات عسكرية، وأيضا طائرة سورية على بعد عدة أمتار من الجولان المحتل علاوة على العديد من عمليات اغتيال لقادة حزب الله وإيرانيين والتوجيهات الاستخباراتية ما بين ضباط المخابرات الإسرائيلية وقادة التمرد.
كل ذلك أدى إلى تقويض المزاعم المزيفة والمتكررة فى الإعلام العالمى، أن إسرائيل طرف محايد فى الصراع. فهى على العكس متورطة حتى النخاع وتسعى ليس فقط لإضعاف ولكن للإطاحة ببشار الأسد لأنه ببساطة أعداء إسرائيل الذين يأتون دائما بين قوسين – حزب الله وإيران – هم حلفاء بشار الرئيسيون.
وكما يشير دائما الخبراء السياسيون، فإن إسرائيل ترغب فى أن تكون سوريا مقسمة. فهى تريد أن تكون بلدا ممزقا بالخلافات العرقية والدينية. وبالتالى يكون من السهل عليها السيطرة على الجولان وحماية حدودها الشمالية. كما أن إسرائيل لا ترغب فى التفاوض بشأن اتفاقية سلام مع الأسد كما كانت تفعل فى الماضي. وهى تفضل الإبقاء على غزوها غير الشرعى للجولان والاحتفاظ بحالة الوضع الراهن. وبالطبع فإن استمرارية مثل هذا الوضع يتطلب زرع الخلافات وشن المزيد من الغارات العسكرية فى الجولان.
ومن ناحية اخري، يرى عدد من الخبراء الإستراتيجيين الإسرائيليين، من مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى بالقدس، أن سياسة إسرائيل قد تختلف كثيرا فى المستقبل. فإذا كانت إسرائيل قد حافظت فى السنوات الماضية على حد قولهم على سياسة حكيمة ومسئولة تتسم - على عكس ما تبدو - بعدم التدخل فيما عدا بالطبع عندما كانت تواجه تهديدات ملموسة، من بينها نقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله فى لبنان، فإن روح العصر التى تشكل الطبيعة الديناميكية للأحداث، قد تتطلب توفير الأدوات التى تمكن من الوصول لأعلى مستويات اليقظة والاستعداد والمرونة فى حين ليس من الضرورة معرفة النتائج مسبقا.
كل ذلك يقود إسرائيل إلى التفكير فى الحلبة السورية من خلال منظور المؤثرات الخارجية. والمعنى أنه بصورة عملية، نجد أن سوريا منقسمة داخليا من ناحية ومقسمة إلى مناطق نفوذ للقوى الخارجية من ناحية أخري.
فمركز وساحل سوريا يقع تحت النفوذ الروسى . وشمال شرق سوريا وبخاصة المنطقة الكردية تقع فى نطاق الدعم والمساعدة الأمريكية. والجزء الشرقى من سوريا يعتبر أرض المعركة الرئيسية للولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية. فى حين أن القطاع المركزى من دمشق إلى حمص وحدود سوريا – لبنان يقع تحت النفوذ الإيرانى بمعاونة حزب الله. فى حين أن الجزء الجنوبى وما يشمله من مرتفعات الجولان يخضع لسياسة الوضع الراهن.
من الضرورى فى ظل هذه الحقائق وفق الخبراء أن تقوم إسرائيل بتوسيع تعاونها مع الأردن بمساعدة الجيش السورى الحر. كما يجب أن تقوم بتطوير وتوسيع تأثيرها الايجابى مع المجتمعات المحلية وبخاصة فى مرتفعات الجولان السورية من خلال تقديم المساعدة الاقتصادية والأمنية والإنسانية للذين يبدون اهتماما بالتعاون مع إسرائيل.
ومن ناحية أخرى، يجب أن تستعد إسرائيل لسيناريو قد تكون فيه إيران مستفيدة من الحرب فى سوريا، خصوصا إذا استمر نظام بشار الأسد على قيد الحياة وانسحبت الإدارة الأمريكية الجديدة من تشكيل مستقبل سوريا.
وتحت مثل هذه الظروف، سيزداد النفوذ الإيرانى فى سوريا مما قد يؤدى إلى تحرير قيودها وبسط حريتها فى الوصول الميسر لسورياولبنان.
وبالمحصلة النهائية فإن الخبراء فى مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى يستنتجون، أنه فى الوقت الذى قد ترى فيه روسيا بل والمجتمع الدولى بأسره إيران باعتبارها لاعبا رئيسيا يمكن أن يسهم فى ترسيخ الاستقرار والنظام فى سوريا، وبالتالى يمكن إدخالها فى الاتفاقيات المستقبلية إلا أن إسرائيل ستجد صعوبة فى قبول وجود القوات الإيرانية وحزب الله فى مرتفعات الجولان. وفى حالة تطور الأمور فى هذا الاتجاه، فإن إسرائيل ستكون بحاجة إلى إعادة النظر فى سياسة عدم تدخلها فى سوريا. ومن المحتمل أن تكون سبل التفاهم من خلال القناة الروسية، ومع الأخذ فى الاعتبار قواعد اللعبة فى مقابل محور إيران – الأسد – حزب الله، فإنه يبدو أنه فى المستقبل القريب سيحتاج العالم إلى أن يتعلم التعايش مع الحالة السورية والتخلى عن الإيمان بإيجاد حلول كاملة للمشاكل الدولية والمحلية السورية. وفى هذا الواقع، فإن التركيز يكون على تشكيل السياسات التى يمكن أن تقدم الحلول التفاؤلية على المدى القصير. وعلى كل اللاعبين الاستجابة بشكل مختلف للتأثيرات المختلفة لصعوبة تحديد الأهداف والمصالح بمرور الوقت.