حاول الفريقان خلق أجواء مناسبة تليق بمباراة ساخنة بين فريق المساكن وفريق الأهالي، لأن الخاسر ستلاحقه عبارات السخرية أينما ذهب (يلا يا اللى بتوع المساكن ظبطوكم).. فتوجها إلى المدرسة الإعدادية الحكومية، حيث ملعبها الرملي أهون بكثير من أسفلت الشارع. فريق المساكن قوامه مجموعة من الصبية يقطنون بالمساكن الشعبية، وهي مساكن بنيت حديثا بالمنطقة، لتأوى بعض المتضررين ممن سقطط منازلهم بالعشوائيات، ومعهم أسر تنتمي لطبقات اجتماعية متواضعة، دفعوا شقى عمرهم مقابل الحصول على شقة غرفة وصالة. بمرور الوقت وبقدرة قادر، زادت مساحة الشقق لتصبح غرفتين بدلا من واحدة، وتم ذلك بخطة محكمة من الحاج سعد المقاول، (احنا هانلم فلوس من السكان، ونِطّلع مرة واحدة بالأوضة الزيادة من ضهر العمارة جنب لامؤاخذة عفشة المية.. البنا ه يكون بالليل، أصل الليل ستار، ولو جه حد من الحي هايبقى قدام أمر واقع، مش هايقدر يهد، وإذا حصل وعمل مخالفة نراضيه بقرشين، ما هو كل واحد في البلد دي له تمن). ثم نظر على يمينه وقال: "ولا أيه يا شيخ شعبان، مش أنت معانا في الموضوع ده".. لم يمهل الشيخ فرصة للرد، وعاد محدثا السكان: "مش عاوزين حد يقعد يقولنا حلال وحرام، وقال الله وقال الرسول، ربنا يسترها علينا، ده الجلاليب ياما بتداري". رغم العشرة بين شعب المساكن وأهالي المنطقة الأصليين، تسيطر عليهم قناعة أبدية، بأن شعب المساكن دخلاء على المنطقة و"زرع شيطاني"، ما يجعل أي خلاف بسيط بين الطرفين يتحول إلى معركة شرف، وهي الخلفية التي تسيطر حتى على أجواء مباريات كرة القدم، لذلك تتمتع هذه المباريات بشعبية كبيرة، ويحرص بعض السكان على متابعتها عبر البلكونات أو من قلب الحدث ع الرصيف. بجوار المدرسة تحدث بيكا إلى صديقه توشيبا همسا: "الماتش النهاردة حياة أو موت"، قبل أن يتسلق الجميع سور المدرسة إلى الداخل، فاليوم الجمعة وعم سيد الفرّاش مسافر البلد، ما يسهل عملية إقامة المباراة تحت الأضواء الكاشفة، لأن "بوكس" الكهرباء العمومي في متناول الجميع، ومن بين اللاعبين هناك من يجيد "تشبيط" فردة السلك الحمراء. حوش المدرسة بقى ضهر، وكانت الحجارة هي وسيلة اللاعبين في السيطرة على الكلاب الضالة المقيمة بالمدرسة، وما إن اتخذ اللاعبون أماكنهم حدثت المفاجأة. (يلا يا ولاد ال ....... أمشوا من هنا، أنا هاقول للمدير بكره يبعت يجيب أهاليكم اللي ما عرفتش تربيكم). ظروف خاصة منعت عم سيد من السفر كالعادة لزيارة أسرته في البلد، وكان ضوء كشاف الحوش مع حركة الصبية كافيلان بإيقاظه من أحلى نومه، فخرج حاملا عصا خشبية غليظة، بينما هرولوا هم أمامه إلى الخارج متسلقين السور، ما جعل بعضهم ينال نصيبه في أن تلامس العصا مؤخرته قبل الفرار. عاد الجميع إلى الشارع، وتم بناء المرميين بعارضتين من الحجارة، وفي هذه الأثناء أوصي بيكا حارس مرماه (ضيق الجون شوية)، وحتى تكون المباراة أكثر سخونة أتفق الفريقان أن (اللعب على فلوس). توضع الفلوس (التعليق) في حوزة رجل أمين من المتفرجين، ويحصّل 10 جنيهات من كل فريق (اللاعب ب 2 جنيه)، وجرى العرف أن يأخذ حكم المباراة نصف جنيه (50 قرشا) من كل لاعب بالفريقين، أي تصل أتعابه إلى 5 جنيه في المباراة الواحدة، (يكرمشهم الراجل اللي معاه الفلوس ويحطهم في أيده قبل ما يوزع على اللاعيبه). المباراة بدأت حامية، وتخلى بعض اللاعبين عن أحذيتهم (ربنا يكفيك شر أن رجلك تعشق لمس الأسفلت)، هو إدمان لا يعرفه سوى من ماتت جلود أقدامهم وشاطوا حجارة الرصيف أكثر من الكرة، في حين وقف علّوم على الخط منفعلا، بعد أن تأخر فريقه بهدف مبكر، "ألعب أبيجا الله يخربيوتكم فلوسي هاتضيع". علّوم هو الراعي الرسمي للفريق (لو لعبوا على فلوس).. في حالة الخسارة ينهال عليهم بالسباب، أما في الفوز يحصّل هو المكسب ويمنح مكافأة لكل لاعب (إزازة حاجة ساقعة)، وسعيا للفوز يشاكس علّوم لاعبي افريق المنافس أثناء وقوفه على الرصيف (بيكعبلهم أو يشوط الكرة من ورا الحكم)، وهو ما يفعله أيضا جمهور المساكن. حرص مطافي على الحضور، ليستمتع بأداء بيكا على الأسفلت، يبرم شنبه بتباهي إذا ما قام لاعبه اللي رباه ب تشميس لاعب منافس (يعني يعدي الكورة من فوقه)، ودائما ما تكون هناك مباراة خاصة بين بيكا وعادل أحرف لاعب في فريق المساكن. عدم وجود عارضة في المرمى، يتسبب دائما في إيقاف المباراة أكثر من مرة، ويقول قانون لعب الشوارع: "إذا حاول حارس المرمى رفع يديه للإمساك بالكرة العالية ومرت من فوق يديه تحتسب هدف حتى وإن كانت أعلى من اللازم، أما إذا كان تقدير الحارس أن الكرة عالية بزيادة ولم يرفع يديه لم تحتسب"، لذلك فإنه عند كل لعبة مماثلة تتوقف المباراة بسبب الاعتراضات. بفارق هدف فاز فريق الأهالي، وأمّن الكبار خروج الفريق سالما من منطقة المساكن، وساعد على ذلك وجود علّوم البلطجي ذائع الصيت، وعلى غير العادة حصل بيكا على مكافأة مضاعفة من علّوم (خد أبيجا جنيه بحاله عشان أنت لعبت بالفرقة كلها النهاردة). حركة جدعنة، أراد بيكا أن يفعلها مع مدربه في أثناء عودتهما سويا، فقرر أن يعزمه على "حاجة ساقعة"، ووقف مطافي يشعل سيجارته أمام مقلة (قاصد كريم)، وأمامه بيكا وفي يد كل منهما زجاجته، وحتى ينتهيا من الشرب تبادلا أطراف الحديث حول المباراة. لما خلصّوا الحاجة الساقعة، اتخذا طريقهما إلى المنزل، وكان يتعين عليهما المرور عبر موقف الأتوبيس والميكروباص، لكن عندما لمح مطافي "عربية البوكس"، أعطى تعليمات متعارف عليها في مثل هذا الموقف، "ما تبصش عليهم يابيكا وأمشي دوغري عشان ما يشكوش فينا". - "يا كابتن، رايح فين أنت وهو"، نادى عليهما أمين شرطة في زي مدني بعد أن تخطيا البوكس بخطوات، فأجاب مطافي، "مروّحين". - معاك بطاقة (وجه كلامه إلى مطافي) -- لأ نسيتها في البيت - طيب أطلع أنت وهو على البوكس (مجرد عقاب مؤقت للاتنين، عشان يحرّم واحد فيهم ينسى البطاقة، وواحد يمشي مع واحد نسي البطاقة). ركب بيكا ومطافي وكل ما يشغل الصبي (هأقول إيه لأبويا)، قطع شروده شخص جاء مهرولا ينادي من بعيد "حاسب حاسب، رايحين رمسيس؟". رجل ثلاثيني يرتدي جلباب فلاحي ويوحي مظهره بأنه غريب عن المنطقة وعن المدينة بأكملها.. هم الرجل بالقفز داخل البوكس، وعندما أستوقفه أمين الشرطة متسائلا "رايح فين يا راجل يا مجنون؟". دفعه الفلاح حتى سقط على الأرض، "أنا رايح أبو كبير وسع عاوز أركب عشان ألحق القطر". قفز داخل السيارة، وعندما استدرك الأمر تساءل، "أنتم مين؟" كان أمين الشرطة قام من ع الأرض وأجابه بغيظ، "احنا الحكومة". حاول الرجل النزول: "أنتم رايحين بيّ على فين، نزلني أنا رايح أبو كبير"، لكن الرد جاءه سريعا بكف على قفاه (أركب هو فيه أكبر من الحكومة).