ربنا ستر، وأفلت بيكا من العقاب على خروجه من المنزل بحجة (ه اكلم واحد صاحبي خمس دقايق تحت البيت)، لكنه خرج من أجل عيون كرة القدم، وتوسط مدربه مطافي لإنهاء الأمر، ورافقه حتى باب البيت، أيضا فإن المدرب يبحث عن فرصة للتحدث مع أبو بيكا عن انضمام أبنه إلى ناشئي نادي المقاولين. لم يشغل بال الأب الحيلة التي استخدمها أبنه في الخروج، أو حتى وجود مطافي نفسه، لكن جن جنونه وهو يسأل باستغراب شديد: " إزاي يا واد تنزل من باب البيت وأنت لابس بيجامة، وترجع لابس هدوم الكورة، أنت مخاوي يابني؟". سيناريو الخروج غير متوقع من أبنه الذي يعتقد أنه رباه أحسن تربية (ده مش زي بقية عيال الحتة)، لكن غفل عنه أن الكورة إذا ما تمكنت من شخص، حولته إلى مجذوب يمشي هائما على وجهه وراء أي حاجة مدورة. - يا بيكا.. يا بيكا عندما يسمع هذا النداء يهرول مسرعا إلى شباك غرفته ليجيب: -- وطي صوتك يا عم أبويا يسمع. - أنت مش جاي الماتش النهاردة؟ -- ه أحاول أخلع من ورا أبويا، خد أنت اللبس ده واسبقني وأنا ه أتصرف في حجة وأجي. وقبل أن يدخل من الشباك تذكر أنه قد نسى شيء، فعاد يسأل صاحبه. -- بقولك إيه؟ - قول! -- ما معكش فردة شمال زيادة، أصل فردة الكاوتش الشمال بتاعتي أتقطعت. - لأ ما معاييش، حاول تقضي بيها الماتش أو العب بالشمال حافية، وبالليل نروح نجيب لك فردة حالتها نضيفه من عند أم علّوم. -- ماشي، بس يارب أعرف أخرج بالليل. ألقى الشورت والفانلة والشراب والحذاء لصديقه من النافذة، بعد أن وضعهما في كيس بلاستيك أحكم غلقه جيدا.. بهذه الحيلة يستطيع بيكا تهريب ملابس التمرين خارج المنزل بسهولة، دون أن يشعر به أحد، وهي ألاعيب لا تندرج تحت قائمة الأكاذيب في قاموس مجانين كرة القدم. حضور ضيف صدفة، لم يمنح مطافي الفرصة في إقناع أبو بيكا بانتقال ابنه إلى النادي، وهي الصفقة التي يرغب المدرب في إتمامها بأسرع وقت، لأنها صفقة مربحة سواء للمدرب أو إدارة مركز الشباب، حيث وصل عرض المقاولون إلى (3 كور أصلي "كافر حقاني" وطاقم ملابس رياضية)، وذلك مقابل الحصول على خدمات بيكا. سريعا (وع الواقف)، أخذ مطافي وعدا من الأب بألا يعاقب أبنه (والنبي ما تمد أيدك عليه، الواد ده لاعيب جامد وه يبقى ليه مستقبل)، وهي كلمات كثيرا ما كررها مطافي على مسامع الوالد كلما ذهب في صحبة بيكا (عشان يحوش عنه)، لأنه هو نفسه من يحرض لاعبه على الخروج من المنزل من أجل الكرة، ضاربا بتهديدات الأب عرض الحائط (شوف أي حجة وتعالي وأنا ه أبقى أجي أحوش عنك). الضيف الذي هو ابن عم الوالد، كان وجوده مهما لإنقاذ بيكا من علقة ساخنة، حيث إن توسلات مطافي ليست كافية للشفاعة عند أم بيكا كي تعتق ابنها من لسعات (الشبشب). وبمجرد أن يرحل مطافي تلتفت الأم إلى ابنها قائلة: (أنت كل مرة تجيبه معاك لحد هنا عشان يحوش عنك، وتجيلي بهدومك اللي زي الزفت دي، طب والله ما أنا عاتقاك). كانت زيارات الضيف تتزامن مع مباريات الأهلي، وكان يحرص على مشاهدتها من استاد القاهرة (اللي بيتلعب عليه كل ماتشات الأهلي على أرضه، ومكنش فيه الجونة ولا برج العرب). في تلك الأيام لم يجرؤ شخص، أيا ما كان، على منع الجماهير من حضور المباريات، ودائما المدرجات كاملة العدد، (متقفلة والناس بتقعد على درجات السلم الخرسانة كمان)، ولم نسمع وقتها عن اجتماعات تجمع قيادات الشرطة مع مسئول الرياضة واتحاد الكرة، لتحديد "الجمهور هايرجع ولا مش راجع. زمان كان أفراد الشرطة أنفسهم ينضمون للمشجعين، على عكس الآن (بيتعاملوا مع موضوع عودة الجماهير زي ما اللاعيبه بتتعامل مع الكورة، كل واخد بيرميها للتاني). هيئة الضيف غير موحية بأنه من عشاق الذهاب إلى الاستاد (شبه الفنان أحمد راتب وهو صغير)، وكان عقب المباراة يمشي على رجليه من الاستاد إلى ميدان العباسية ليركب أتوبيس "45"، قاصدا منزل أبو بيكا، أما بيكا هو أكثر شخص ينتظر هذه الزيارة، ليسأل سؤال اعتاد تكراره في كل مرة. "المباراة كانت في نهائي كأس مصر 1989 بين الأهلي والمصري، وفاز الأهلي (3-صفر)، واللي جاب الأجوال، أيمن شوقي وطاهر أبوزيد وحسام حسن" ألقى بيكا سؤاله: أنت شفت اللاعيبه على الحقيقة يا عمي؟ - آه -- أتكلمت معاهم؟ - لا -- شفت الجون بتاع حسام حسن؟ ده هداف مالوش حل. - صحيح هداف وأشهر من أخوه إبراهيم. شرد ذهن بيكا بعد سماع هذه الجملة، التي جعلته يفكر للحظات في تغيير مركزه من الجناح إلى الهجوم (لأن اللي بيجيبوا أجوال بس هم اللي بيتشهروا أكتر)، ثم عاد للحوار مرة أخرى. -- نفسي أروح الاستاد؟ - ماشي ه أبقى أخدك معايا -- طيب هو الناس في الاستاد بتقدر تشوف الإعادة إزاي؟ قطع الأب حديثهما، ووجه كلامه للضيف: "أنا مش عارف أيه مزاجك في مرمطة الاستاد، ما تقعد تتفرج في البيت"، ولأن الرجل خجول وقليل الكلام، اكتفى برد مقتضب، وهو باصص في الأرض: "معلش ه نعمل أيه بقى". مشاهدة المباراة من الاستاد، متعة لا يعرفها سوى مجاذيب المدرجات، بيزيد هرمون السعادة في جسمهم لما يسمعوا صوت خبطة الكورة في رجل اللاعب أو في العارضة، وبيحسوا بالحرية لما ينطوا من فوق الكراسي وهم بيحتفلوا بالأجوال، أو لما بيطلعوا غضبهم في أي لاعب (دي شوطة.. يا عم حرام على اللي قالك ألعبها). وكمان اللاعب من غير جمهور ب يبقى عامل زي العيل اللي بيلعب في بيتهم ومش لاقي حد يلعب معاه، ف يقعد يخبط الكورة في الحيطة وترد له تاني لحد ما يزهق، علشان، كده الاستاد متعة وعيبه الوحيد إننا مبنشفش الإعادة.