جمعتنى بهم الصدفة داخل حديقة نادى الزمالك، فقد ذهبت إليه هربا من حرارة الجو بعد انقطاع الكهرباء عن منزلى، الذى تتحول إلى "ساونا"، مما دفعنى للبحث عن نسمة هواء فى مكان آخر. فى الحديقة، الكل يتحدث عن خروج فريق النادى من البطولة الإفريقية، وهزيمته على يد فريق مازيمبى. سمعت أحد الجالسين يقول: خط الوسط كان تايه، خاصة فى الشوط الثانى، وعشان كده لاعيبة مازيمبى سيطروا على الماتش".. وقال أخر: "اللاعيبة دى شكلها مش عايزة تكسبنا أى بطولة تانى، وعايزين يعودونا على كده، والله البطولات وحشتنا". تجولت بنظرى بين الحاضرين متابعا التعليقات، فلمحت أربعة من الرجال تظهر على وجوههم علامات الوقار. طريقتهم فى الحديث أثارت فضولى، فاقتربت منهم، وأصابتنى الدهشة عندما رأيت أن الجالسين مجموعة من مؤسسى مدرسة الفن والهندسة. نعم، إنه الأسمر حنفى بسطان، قلب دفاع الزمالك الذى لا يجرؤ أى مهاجم على تخطيه، كما يتمتع بخفة ظل تضاهى مهاراته فى الملعب وبجواره العملاق حسين حجازى وكابتن لطيف والبرنس حمى زامورا. كان بسطان رغم علامات الحزن المرسومة على وجهه يتحدث باسلوبه الساخر ويقول: لاعيبة الزمالك كانوا بيضيعوا فرص غريبة.. ده الواحد فيهم لابس لامؤاخذة جزمة تجيب أجوان لوحدها. دفعنى حماسى للتدخل، وقاطعته: حضرتك تعرف يا كابتن ان الجزمة دى تساوى آلاف الجنيهات. اندهش من تدخلى، لكن كلماتى أنسته أن يسأل عن هويتى وقال: آلاف الجنيهات. أجبته: نعم، وحضرتك سيد العارفين. نظر إلى بسخرية وقال: احنا كان اللاعيب مننا بيستخدم "الجزمة" سنتين وثلاثة، لحد ما تقوله ارحمنى، وإذا اتقطعت قبل أوانها كنت بستلف غيرها. سألته: وحضرتك كنت متعايش عادى مع الوضع؟ قال: طبعا، احنا اتربينا فى النادى، وكنا بنقعد فيه أكتر من بيوتنا. تدخل الكابتن لطيف وقال بصوته المتميز: يقطع الفلوس واللبس اللى يخلوا اللاعب مش عارف يجيب بطولة لفريقه من أربع سنين، الله يرحم أيام زمان كانت مكافأة الفوز قطعة جاتوه. وعندما لمح على وجهى علامات الدهشة، ربت على كتفى وقال: يابنى احنا كنا بنلعب الكورة عشان بنحبها وبنعشق النادى. قلت: يا كابتن الزمن اتغير، والحياة صعبة، وأى لاعب بيفكر فى تأمين مستقبله ماديا. هز رأسه قائلا: مش الزمن اللى اتغير، دى النفوس والكل فقد حبه وانتمائه لناديه، كنا زمان بناكل نجيلة الملعب، ولو خسرنا كنا بنعاقب نفسنا، وكان اللاعب منا ينكسف يروح بيته، وعند رغبة يبات يتمرن فى النادى عشان يحسن مستواه. ضحكت وقلت: معقولة، لاعيبه كثير فى مصر، ممكن بعد خسارة مباراة يقضوا أحلى سهرة. قال: يابنى احنا فى رمضان متخلنيش أقول كلام عيب. ظللت فى حالة الدفاع المستميت عن لاعبى الزمالك وقلت: أعذرهم لأنهم بيلعبوا خارج ملعبهم. لم يتحمل العملاق حسين حجازى هذه الكلمات وقال بعصبية: بلاش نعلق اخطاءنا على حاجات فارغة، الأداء الرجولى مالهوش علاقة ببرة أو جوة. قلت: يا كابتن حضرتك ليه متضايق من كلامى؟ قال: ده كلام يحرق الدم، احنا كنا بنلاعب فرق كبيرة وبنقطعهم فى الملعب، حتى لو خسرنا أو اتعادلنا. لفت نظرى صمت زامورا وشروده، فاقتربت منه وسألته: لماذا لا تشاركنا الحديث. قال: أمثالى من عشاق تراب الزمالك بيحزنوا لما الفريق يخسر ويخرج من بطولة. حاولت تهدئته وقلت: بصرحة الفريق ينقصه لاعب جوكر. قال: عايز تعرفنى ان الزمالك مفيعوش جوكر. قلت: كان موجودا لكنه رحل وتسبب فى رحيل مدربه. تعجب قائلا: طيب رحل وعرفناها، ازاى يبقى سبب فى رحيل المدرب؟ همست فى أذنه: "أصل رئيس النادى بيحبه زيادة تقدر تقول زى أبنه". قال: مفيش حاجة اسمها زى أبنه مصلحة النادى فوق أى شئ. سألته: حضرتك فعلا رفضت أثناء توليك رئاسة النادى تأجير أحد المحلات الموجودة حول السور لابنتك، على الرغم من أنك صاحب هذه الفكرة الرائعة؟ قال: طبعا كان لازم أرفض، عايز الناس تقول أجرت المحل لبنتى ببلاش. قلت: لكن أنا أعرف أنها عرضت دفع المبلغ كاملا. قال: الناس مش هتقول كده، وأنا كمسئول، مصلحة النادى عندى فوق أى شئ حتى بنتى. شرد لدقائق ووضع يده على كتفى وقال: مش عارف اللاعيبة جرى لها ايه.. زمان كان أى لاعب بيحلم يلبس فانلة الزمالك، وبيدخل فى حالة هوس وذهول من عند نزلة الكوبرى ده - وأشار تجاه كوبرى 15 مايو-، وبيبقى مش مصدق نفسه انه داخل نادى الزمالك. ابتسمت وقلت: مش مصدق نفسه من عند نزلة الكوبرى ده. قال: آه انت مبتسم أوى ليه كده ومستغرب؟ قلت: أبدا، لأن أى لاعب دلوقتى بيختصر الطريق وينزل من عند نزلة الجزيرة.