ضيع الرئيس المخلوع حسنى مبارك فرصة ذهبية بل تاريخية لاحت له ولنجليه على الهواء مباشرة خلال أولى جلسات محاكمته ورموز نظامه، كان من الممكن أن ينتهزها ليعتذر اعتذارا صريحاً للشعب المصري ولأسر الشهداء الذين سقطوا ضحايا ثورة 25 يناير 2010 مقابل العفو عنه وعن أسرته عما بدر منه من إساءة لأبناء الوطن. كنت أتصور المشهد التالي - قبل وقف البث التليفزيوني المباشر لوقائع المحاكمة - أن يفجر المتهم حسنى مبارك مفاجأة من العيار الثقيل في الجلسة الإجرائية الأولى يوم 3 أغسطس، أو حتى في الجلسة الثانية التي عقدت يوم 15 من الشهر الجارى ويطلب من رئيس المحكمة الإذن له فى الكلام ليعلن إعتذاره الصريح أمام عدسات التليفزيون التى كانت تنقل المحاكمة للعالم كله بما يلى : يقول الرئيس السابق بعد يعتدل على سريره الطبى داخل قفص الاتهام بينما يمسك له الميكرفون نجله علاء: أرجو أن تسمحوا لى بأن أتوجه إليكم جميعا بحديث من القلب.. أقول لكم قبل كل نشئ إن دماء شهدائكم وجرحاكم لن تضيع هدرا وأؤكد لكم أنني تألمت كل الألم من أجلهم مثلما تألمتم.. وأوجع قلبي ما حدث لهم كما أوجع قلوبكم. أقول لكم إن وجودي داخل هذا القفص جاء استجابة لصوتكم ومطالبكم وأننى عازم كل العزم على الانصياع لصوت الحق والعدل وحريص كل الحرص على تنفيذ ما تصدره المحكمة الموقرة مهما يكن الحكم. إن هذا الالتزام ينطلق من اقتناع أكيد بصدق ونقاء نواياكم وعدالة مطالبكم.. فالأخطاء واردة في أي نظام سياسي وفى أي دولة لكن المهم هو الاعتراف بها وتصحيحها في أسرع وقت ومحاسبة مرتكبيها.. وأقول لكم إنني كرئيس سابق للجمهورية لا أجد حرجا أو غضاضة أبدا فى أن أكون داخل هذا القفص الحديدي مثلى فى ذلك مثل أي مواطن ضارباً بذلك المثل للرؤساء التاليين الذين سيقدر لهم حكم هذه البلاد أنهم ليسوا فوق القانون وأن الجميع سواء أمام العدالة لا فرق لرئيس على مرؤوس ولا مواطن على مواطن آخر إلا بالالتزام بالقانون وعدم مخالفته. وفضلا عن ذلك فإنني إزاء ما فقدناه من شهداء من أبناء مصر فى أحداث مأساوية حزينة أوجعت قلوبنا وهزت ضمير الوطن أصدرت تعليماتي بسرعة الانتهاء من التحقيقات حول أحداث الأسبوع الماضي وإحالة نتائجها على الفور إلى النائب العام ليتخذ بشأنها ما يلزم من إجراءات قانونية رادعة. إن الأولوية الآن هى استعادة الثقة بين المصريين بعضهم البعض.. والثقة في اقتصادنا وسمعتنا الدولية.. والثقة في أن التغيير والتحمل الذي بدأناه.. لا ارتداد عنه أو رجعة فيه. إن مصر تجتاز أوقاتا صعبة.. لا يصح أن نسمح باستمرارها فيزداد ما ألحقته بنا وباقتصادنا من إضرار وخسائر.. يوما بعد يوم.. وينتهى بمصر الأمر لأوضاع.. يصبح معها الشباب الذين دعوا إلى التغيير والإصلاح أول المتضررين منها اللحظة الراهنة ليست متعلقة بشخصى.. ليست متعلقة بحسني مبارك.. وإنما بات الأمر متعلقا بمصر.. فى حاضرها ومستقبل أبنائها إن المصريين جميعا فى خندق واحد الآن.. وعلينا أن نواصل الحوار الوطنى الذى بدأناه.. بروح الفريق وليس الفرقاء.. وبعيدا عن الخلاف والتناحر.. كى نتجاوز بمصر أزمتها الراهنة.. ولنعيد لاقتصادنا الثقة فيه.. ولمواطنينا الاطمئنان والأمان وللشارع المصري حياته اليومية الطبيعية. لقد كنت شابا مثل شباب مصر الآن.. عندما تعلمت شرف العسكرية المصرية.. والولاء للوطن والتضحية من أجله.. أفنيت عمرا دفاعا عن أرضه وسيادته.. شهدت حروبه بهزائمها وانتصاراتها.. عشت أيام الانكسار والاحتلال وأيام العبور والنصر والتحرير.. اسعد أيام حياتى يوم رفعت علم مصر فوق سيناء.. واجهت الموت مرات عديدة.. طيارا.. وفى (أديس أبابا) وغير ذلك كثير.. لم أخضع يوما لإرادة الشعب وكنت عنيدا فى قراراتى لكنى حافظت على السلام .. عملت من أجل أمن مصر وإستقرارها.. إجتهدت من أجل نهضتها ومن أجل أبنائها.. وعلى أية حال.. فإنني إذ أعي تماما خطورة المفترق الصعب الحالي الذى أنا فيه الآن.. واقتناعا من جانبي بأن مصر تجتاز لحظة فارقة فى تاريخها.. تفرض علينا جميعا تغليب المصلحة العليا للوطن.. وأن نضع مصر أولا.. فوق أى اعتبار وكل اعتبار آخر. إنني أعلم علم اليقين أن مصر سوف تتجاوز أزمتها.. لن تنكسر إرادة شعبها.. ستقف على أقدامها من جديد.. بصدق وإخلاص أبنائها.. كل أبنائها. سنثبت نحن المصريين.. قدرتنا على تحقيق مطالب الشعب.. بالحوار المتحضر والواعي.. ستعيش هذه الروح فينا مادامت مصر ودام شعبها.. ستعيش في كل واحد من فلاحينا وعمالنا ومثقفينا.. ستبقى فى قلوب شيوخنا وشبابنا وأطفالنا.. مسلميهم وأقباطهم.. وفى عقول وضمائر من لم يولد بعد من أبنائنا. أقول من جديد.. أننى عشت من أجل هذه الوطن.. وستظل مصر هى الباقية فوق الأشخاص وفوق الجميع.. وسيذهب حسنى مبارك. يا شعب مصر الوفي أتحدث إليكم اليوم وأنا داخل هذا القفص متهماً، استجابة لمطلبكم لا احمل ألان لقب رئيس ولا املك شيئا. أتحدث إليكم بعد نجاح ثورتكم البيضاء التى اشاد بها العالم وفرضت على كل شعوبه وحكامه ان ينظرو اليكم بعين الاحترام والتقدير وان يشهدو لكم بالعظمة والرقى والتحضر أتحدث اليكم اليوم وكلى أمل ورجاء أن تستمعو لكلماتي بأذان صاغية وروح مصرية عرفت بالتسامح وتربت على العفو لقد عشنا سويا على ارض مصر العزيزة على نفوسنا جميعا حاربنا من اجلها وقدمنا أرواحنا فداء لترابها الغالي وكرامتها وشموخها عشت معكم أياما سعيدة ذقنا فيها طعم الانتصار في مجالات عديدة وتجرعنا مرارة الألم في أحداث وأزمات وكوارث ألمت بنا وتجاوزناها بعزيمة وإرادة قوية. تعلمون أن رئيس الجمهورية في دولة المؤسسات لا يدير البلد بمفرده ولا يستطيع وحده ان يتابع ويراقب ويرصد كل ما يحدث داخل وطنه من ايجابيات وسلبيات وأنا اليوم اقر واعترف باننى أعطيت أمانه المسئولية لأشخاص من أبناء هذا الوطن وكان بعضهم جديرا بها فقاموا بواجبهم الوطني على الوجه الأكمل وكانوا محل احترام وتقدير الجميع وكان البعض الأخر مستغلا طامعا فى ثروات هذا الوطن ومساعدا للفاسدين والانتهازيين فى تحقيق مأربهم، ورغم مسئوليتي المباشرة عن كل هؤلاء الشرفاء والفاسدين فقد رفضت التعامل مع المسئولين بالشبهات ظناّ منى بأن معظم ما يتردد عنهم من شكاوى وبلاغات كيدية. لكنى اعترف واقّر الآن وبعد ان كشفت النيابه تجاوزات الكثيرين منهم وقدمتهم للمحاكمة باننى كنت مخطئا فى واجباتي الوطنية والوظيفية عندما تركت هؤلاء فى مواقع المسئولية دون محاسبتهم على ما ارتكبوا من جرائم فى حق هذا الشعب. لقد أدركت الآن مدى معانتكم من جهاز الشرطة وعدم ثقتكم فى هذا الجهاز المهم الذى لاغنى عنه وأنا بدوري اتحدي أن يثبت احد اننى اعطيت تعليمات باطلاق الرصاص على المحتجين وكل ما حدث فى الشارع من تجاوزات ومواجهات كان نتيجة تقديرات خاطئة من بعض رجال الامن وقد سبق وقدمت خالص التعازى لاسر الشهداء الابرار الذين سقطوا برصاص الشرطة او المجرمين طوال مرحلة الثورة كما قدمت التعازي لأسر شهداء الشرطة وأنا اعترف باننى كنت مخطئا عندما تركت الشرطة تتعامل مع غضب الجماهير دون أن أقدم حلول سياسية للمشكلات والأزمات القائمة فرجال الشرطة جزء من نسيج الوطن ولا ينبغي أن يكونوا فى مواجهات دائمة مع أهلهم.. ولو ثبت تورط ابنائى او زوجتي فى استغلال مواقعهم وجمع أموال من مصادر غير مشروعة فهى من حق هذا الشعب ويجب ان تعود اليه فورا كما أتقبل حكم القضاء المصري العادل فى هذا الامر. كلمة أخيرة: كم من الفرص أضاعها الرئيس المخلوع بسبب البطء فى القرارات وأدت به إلى أن يكون أول فرعون مصرى يحاكم وهو حيى يرزق. وهل كان الشعب سيقبل هذا الاعتذار الذى سبق أن ردده فى خطبه قبل التنحى وبعده. أشك. المزيد من مقالات محمود النوبى