في وقت شائك وعصيب, أذهلت صدمة أخلاقية وفكرية شعبا بأسره. فقد ركل كاتب وروائي حائز علي جائزة نوبل للأدب قيما انسانية, وانخرط في غمار التأييد العارم للنازية. وكان أدولف هتلر يدق طبول الحرب العالمية الثانية بدعوي هيمنة الجنس الآري علي خلق الله. وصار حماس الروائي النرويجي كنوت هامسون للنازية خطيئة وخيانة حين أعرب عن تأييده للغزو النازي لبلاده. وعندما اندحر الغزاة اثر هزيمة المانيا النازية الهتلرية في نهاية الحرب عام5491, جرت محاكمة للروائي بتهمة الخيانة العظمي. وصدر حكم بسجنه غير أن تقدمه في السن(68 عاما) حال دون تنفيذ الحكم. وعاش فترة من الوقت في بيت للمسنين. ومات معزولا ومنبوذا عام.2591 وكان هامسون قد ولد سنة9581 في قرية بالنرويج. وعندما بلغ التاسعة بدأ رحلة العمل. وكان ولعا بالترحال والتجوال. ولما أدركته حرفة الأدب, أصدر كتابا عام.7781 غير أنه لم يلفت الانتباه إلا عام0981, عندما نشر رواية الجوع. ولم تمض سوي سنوات, حتي أصدر رواية نمو الأرض عام.7191 وينكر فيها زحف المدنية بقيمها المادية علي الحياة الريفية البسيطة. وحققت له الفوز بجائزة نوبل عام.0291 منذ سقطة الروائي, وصدمته لأهل النرويج, لم يعكر صفو حياتهم خائن أو حدث جلل. وكانت الفلسفة السياسية لحزب العمال قد هيمنت علي شئون البلاد. وأضحت النرويج محرابا للعدالة الاجتماعية, وحدائق لتجليات الاشتراكية الديمقراطية, واقتربت من مشارف الفردوس الأرضي. وصارت ملاذا آمنا لنفر من المهاجرين والمسلمين. ولم يكن في الحسبان أن تنشق أرض رواية هامسون عن سفاح نازي وعنصري هو اندرس بريفيك الذي قتل نخبة من شباب حزب العمال. وحقق الصدمة المروعة الثانية بعد صدمة هامسون. ولئن كان الروائي قد أقعده كبر سنه عن القتال في جيش هتلر, فان بريفيك خطط لحرب شرسة ضد التعددية الثقافية, والماركسية والمسلمين بحيث تنتصر الحضارة المسيحية بحلول عام3802, بسحق كل الأعداء وما يتصور إنها ثقافات مناوئة. ويبدو السفاح وكأنه قد خرج من بين صفحات كتاب صراع الحضارات للمفكر الأمريكي صامويل هانتنجتون. وهو كتاب صدر وقت انهيار الاتحاد السوفيتي ونظامه الشمولي. ويحذر من أن العدو الجديد للحضارة الغربية هو الاسلام. أفكار مهترئة تحرص علي قتل المسلمين. وهي ما ارتكز عليها سفاح صربيا ميلوسوفيتش في محاولته لاحياء صربيا الكبري. وكانت نقطة البداية استعراضا للقوة استعاد فيه للذاكرة معركة كوسوفو التي هزمت فيها القوات العثمانية التركية صربيا عام.9831 وأطلق جيشه للثأر التاريخي من المسلمين في البوسنة. لكنهم صمدوا ولم يسقط العلم الأخضر من أيديهم. ويبدو سفاح النرويج متأثرا بالمشهد الصربي وتداعياته. ولئن كان ميلوسوفيتش قد أخفق في مسعاه, فان بريفيك يحرص علي استئناف مسيرته الشيطانية, وهي ذات مسيرة النازي هتلر. ان أوروبا, برغم تشبث الأغلبية الواعية بالأفكار المناهضة للنازية, إلا أن جيوبا عنصرية لا تزال توجد في شوارعها الخلفية. وكانت سنوات حكم بوش الابن قد دعمت التيارات اليمينية المتطرفة. ولكن يبقي أن التاريخ يتقدم بتفهم الآخر, والتوصل إلي توافق بين الثقافات والحضارات.. لا صراعات بينها وانما تعاون وتعايش.. وبهذا وحده تصبح الدنيا مكانا أرحب وأجمل.. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي