إذا كانت حياة الناس علي الأرض لا تقوم ولا تستقيم بغير الشمس والقمر, فكذلك حياتهم المعنوية والروحية والقيمية والأخلاقية لا تستقيم بغير رسول الله صلي عليه وسلم. ومن هنا كان الربط في الوصف بين الوظيفتين وظيفتي الشمس والقمر للحياة المادية علي الأرض, ووظيفة رسول الله صلي الله عليه وسلم بالنسبة للناس روحيا ومعنويا, قال تعالي:( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا)( الفرقان:61) وبنفس الوصف والصيغة تحدث القرآن عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وكأنه يلفت الأبصار والبصائر إلي تلك المنة الكبري علي الناس ببعثة هذا النبي صلي الله عليه وسلم, وماأظن بشرا أو ملكا مقربا اجتمع فيه الوصفان وصف الشمس ووصف القمر مثلما اجتمع هذا الوصف القرآني في محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال تعالي( ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا, وداعيا الي الله بإذنه وسراجا منيرا)( الأحزاب:45 46) فأي بشر هذا... ؟ إنه بشر معصوم بكمال الله له. وإذا كانت العصمة لا تنافي المحنة والاصطفاء لا يمنع الابتلاء إلا أن قدرات البشر وإرادتهم كثيرا ماتخور أمام المحن وتذوب أمام المصائب. وتتأثر بذلك أفكارهم وعقولهم وعواطفهم ومشاعرهم وتصوراتهم, وكثيرا ماتأتي أحكامهم علي الأشياء تحت ضغط الظروف مجافية للصواب منافية للحقيقة, غير ان جانب النبوة في الرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم معصوم بكمال الله له. وهذا الكمال في شخصه قانون لا يتخلف أبدا فلا تغيره الظروف ولا الأحداث ولا ترفعه المصائب والمحن, لذلك فإن الله تعالي طالبنا ونحن نسلم لرسول الله صلي الله عليه وسلم عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وعواطفنا أن نكون علي ثقة ويقين بسلامة موقف الاتباع له والانقياد لأمره والانصياع لتوجيهه في الأمور كلها أمرا كانت أو نهيا. وإذا كانت النجوم في مسارها بين شروق وغروب نراها لا تضل ولا تزل ولا تخرج عن مسارها فتختل, وتجري في هذا الفضاء الرحيب والرهيب منذ ملايين السنين ولا تتخلف أبدا... فكذلك عقل رسول الله صلي الله عليه وسلم. لا يضل ولا يزل ولا يخل, وهذا هو مدلول القسم الجليل والجميل في تأكيد هذا المعني. قال تعالي:( والنجم إذا هوي ما ضل صاحبكم وماغوي وماينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي)( النجم1 4) فأي بشرية هذه وماحجم طاقتها وقدراتها ؟ وهل تماثلنا موضوعا وإن تماثلت شكلا ؟ لقد قال المفسرون والخبراء في علوم القرآن إن سورة الأنعام نزلت جملة واحدة وهي من السور المكية الطوال ذوات الفواصل المتباعدة, وعدد أياتها خمس وستون ومائة نزلت مرة واحدة وتلقاها قلبه ووعاها عقله واحتوتها ذاكرته دون أن تغيب منها كلمة أو يفلت منها حرف واحد فأي قلب هذا ؟ وأي عقل هذا ؟ وأي بشر هذا ؟ إنه بشر مثلنا لكنا لسنا مثله فهو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ولا يعرف قدره العظيم إلا الله العظيم الذي أمرنا أن نحبه ونتبعه ونفوض أمرنا إليه الله في الصلاة علي نبيه قال تعالي:( إن الله وملائكته يصلون علي النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)( الأحزاب:56). ونحن نقول في صلواتنا اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد..... كيف ؟ كيف يقول لك ربك صل عليه فتقول لربك صل أنت يارب عليه ؟ نعم ولأن الله يعلم أن هذا النبي لا يعرف قدره إلا ربه ولذلك طلب منا ان نفوضه هو بأن يصلي عليه لأننا أعجز من أن نعرف قدره, ومن ثم فصلاتنا نحن عليه حين لا تكون مرتبطة بتفويضنا لله بأن يصلي عليه ستكون أقل مما هو مطلوب لمقام النبوة وقدرها العظيم ومن ثم فنحن نفوض ربنا لمعرفته بكمال نبيه بأن يصلي هو عليه الصلاة التي تليق بقدره ومقامه صلي الله عليه وسلم. وبين صلاة الله وصلاة ملائكته وصلاة الوجود والكون عليه تدخل صلواتنا ضمن منظومة النغم الطاهر حين نردد بقلوبنا وعقولنا ومشاعرنا تشريفا لنا وتكريما ونقول اللهم صلي وسلم وبارك عليه. بين ذكري نحييها وأخري نحيا بها.. الذكري التي نحييها هي ذكري مضت في التاريخ وانقضت أيامها بمضي صاحبها. أما الذكري التي نحيا بها فهي ذكري تذكرنا عندما ننسي, وتوقظنا عندما نغفل, وتجدد همتنا عندما نغتر, وترفعنا عندما نهبط, هي ذكري فيها يتجدد العهد علي الوفاء لصاحبها مع كل مرة نشهد فيها الله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. هي ذكري يحيا بها المسلم تغرس في حسه ويقينه أن صاحبها صلي الله عليه وسلم لم يغب لحظة واحدة عن الحياة, فهو حي في القلب والوجدان, في الحركة والسلوك, في العقل والفكر, في الوحي الذي يتلي, وفي النور الذي يضيء, وفي السنة المباركة التي تشرق علي الدنيا وكأنها شمس النهار حين تسطع بدفئها وحرارتها, وفي المنهج الذي يحدد الطريق ويرسم الغاية ويوجه بوصلة الحياة لكل المؤمنين علي أرض الله الواسعة. إنها ذكري تعلمنا أن الحب.. ركن في الإيمان ودليل علي صدقه, وأن المؤمن يعالج كراهية الآخرين بالحب لهم, ويعالج تعنتهم وتعصبهم بالتسامح معهم, ويعالج بخلهم بمزيد من كرمه ويعالج غضبهم بحسن حلمه عليهم وصبره علي حنقهم. فهل يتعلم المسلمون من ذكري ميلاد حبيبهم؟!.