تتوالي النقرات علي الباب الصوت واطي يأتي من وراء الباب افتحي ..كانت مجهدة, وعلي عينيها غشاوة, والصوت المنسرب من الباب يذكرها به..فانفجرت شفتاها خلسة. مدت يدها في غفوة وسحبت المزلاج دخل, وأغلق الباب, وجلس أمامها رجت جسدها ورمقته وحادثته عن أمه وإخوته.. طال صمته فطالبته أن يتكلم..أو يفتح الثلاجة ويخرج الطعام إن كان جائعا..أو يدخل المطبخ ويصنع له كوب شاي ومالت برأسها وقالت: انتبه للغاز .... منذ أن دخل الفتي التف في رداء الصمت.. رنت إليه وأمعنت.. طالبته أن يخرج لسانه ويتكلم.. وأن يبوح بما عنده هل أغضبك أبوك؟ اكتفي بالنظر..ولم تفتها الحيرة أمك؟ تأففت..وطلبت منه أن ينهض ويفعل مايريد.. لكنه راح يحدق فيها.. كاد قلبه يغوص في جوفه وهو يخبرها أنه لايقوي علي النهوض.. قدماه تلتصقان بالأرض. نظرت إليه كأنها تؤنبه وقالت انهض..ولاتتحجج واضطرب قلبها وكاد يرجها فحكمته.. ..عاد قلبها إليها وهي تراه غارقا في الحيرة, يلاحق عرقه بكفه خرج صوته مرتعشا ماذا فعلت بي؟ لم ترد أن تتمادي أو تطيل الموقف..فهو يدرك أنها تدرك لم جاء؟ ..لكنها لاتريد له أن يتيقن. ابتسمت وقالت: لاأفعل إلا الخير وربتت بكفها علي صدرها أنا حبيبة الله .. حدثته عن وردها الذي تداوم عليه صباح مساء, وقراءة القرآن الذي يؤنسها من الجن والإنس, وأنها حجت بيت الله, واعتمرت ومالها ليس لها. ..كز علي أسنانه, وهو يتملص من قعدته, ومن قدميه الملتصقتين بالسجادة جئت لآخذ ماعندك.. أو أقتلك لو صرخت حدقت فيه وكبحت..قلبها المرتجف.. رأت علي وجهه الطفولي حيرة تتغشاه, وخوفا يفيض منه دون أن يعي.. قلت لك..مالي ليس لي..الشقة أمامك.. خذ منها ماتحب..فلماذا القتل؟ بادرت تدفعها رغبة خائفة في أن تبعث اليه برسالة فقالت له في سكينة مستدعاة: إنها لن تبلغ عنه, وأنها كبيرة السن, وإنها في سن الموت..فلماذا العجلة؟ وهو في سن حفيدها..بل ظنته هو..ويجب ألا يفعل بنفسه ذلك كله..وأنه سيشنق لو فعل.. وعلا صوتها في همس مبين. لن أصرخ.. ولن أنادي علي أحد, ولن أفتح لحفيدي الذي سيأتي بعد ثلث ساعة.. ولن أمنعك من شيء.. خذ ماتحب. .. راح يردد في ذهول ماذا فعلت بي؟ هل قرأت شيئا قيدني؟ وتحرك لسانه بكلام عن الجن الذي يلجأ اليه البعض من السفليين لإلحاق الأذي بالناس دعيهم يتركوني أفهمته في هدوء ومودة أن القرآن أنيسها, والرسول حبيبها والله وكيلها..فكيف لامرأة مثلها تستعين بالجن. واستعاذت في نبرة واضحة بالله من شيطان الجن والإنس ..حدق الفتي فيها..وظل يحدق فجأة ارتعشت شفتاه, وكاد اللعاب يسيل منه وهو يزحزح قدميه.. سأمضي حرك رأسه وبدا كأنه ينصحها لاتفتحي الباب لأحد..ولاتثقي في أحد فاض قلبها خفية برضي داخلي..وعرضت عليه المال والطعام والثياب..ومايحب..ولايخجل هب فساعده جسده, ارتفع فآزرته القدم التي تحركت.. نظر اليها كالممتن. وقبل أن يمرق توقف لبرهة بدت طويلة عليها حذرها من فتح الباب لمن لاتعرف.. من يضمن المرة القادمة..فقد يأتي ومعه ملك الجن نفسه وخطا خطوته.. أغلق الباب ومضي.... حين تأكدت, لم تبرح مقعدها وأخذها ذهول عميق وارتجت باكية. ظلت تبكي حتي راحت في غفوة.