هبوط كبير في أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة    سيناتور ديمقراطي يشكك بتصريحات ترامب عن حجم الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية    نائب أوكراني: ترامب أكد لزيلينسكي أنه لن يساعد أوكرانيا بعد الآن    الهلال يضرب بالهدف الأول أمام باتشوكا في المونديال    مدحت شلبي يكشف قرارًا صادمًا من وسام أبو علي.. وتخوف الأهلي    لوكاتيلي: ارتكبنا الكثير من الأخطاء أمام السيتي.. وسنقاتل في الأدوار الإقصائية    حنان مطاوع تروي كواليس «Happy Birthday»: صورنا 8 ساعات في النيل وتناولنا أقراص بلهارسيا    إعلام عبري: ترامب و نتنياهو اتفقا على إنهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين    ماكرون يحذر من سيناريو أسوأ بعد الهجمات الأمريكي على إيران    متحدث البترول: عودة تدريجية للغاز إلى المصانع.. وأولويتنا القصوى منع انقطاع الكهرباء    نقيب الأطباء: لا يجب أن نُخاطب بقانون الإيجار القديم.. وضعنا مختلف عن السكني    سعر السمك والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    كاكو بعد فوز العين على الوداد: أتطلع للعودة مجددًا إلى المونديال    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس المتوقعة إلى الأربعاء    توفي قبل الوصول | أزمة صحية تنهي حياة الطيار السعودي محسن الزهراني خلال رحلة دولية    رئيس موازنة النواب: نستهدف زيادة الإيرادات الضريبية 600 مليار جنيه العام المالي الجديد    دعاء أول جمعة فى العام الهجرى الجديد 1447 ه لحياة طيبة ورزق واسع    قوات الاحتلال تداهم عدد من المنازل خلال اقتحام قرية تل غرب نابلس    تعرض منزل النجم الأمريكي براد بيت للسطو وشرطة لوس أنجلوس تكشف التفاصيل    تفوق متجدد للقارة الصفراء.. العين يُدون الانتصار رقم 14 لأندية آسيا على نظيرتها الإفريقية في مونديال الأندية    «فرصتكم صعبة».. رضا عبدالعال ينصح ثنائي الأهلي بالرحيل    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    مروحيات تنقل جرحى من خان يونس وسط تكتم إسرائيلي    ليوناردو وسافيتش يقودان الهلال ضد باتشوكا فى كأس العالم للأندية    بالصور.. نقيب المحامين يفتتح قاعة أفراح نادي المحامين بالفيوم    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    من مصر إلى فرانكفورت.. مستشفى الناس يقدّم للعالم مستقبل علاج العيوب القلبية للأطفال    عطلة الجمعة.. قيام 80 قطارًا من محطة بنها إلى محافظات قبلي وبحري اليوم    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    السيطرة علي حريق مصنع زيوت بالقناطر    إصابة سيدتين ونفوق 15 رأس ماشية وأغنام في حريق بقنا    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    الشارع بقى ترعة، كسر مفاجئ بخط مياه الشرب يغرق منطقة البرج الجديد في المحلة (صور)    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    وزير الأوقاف يشهد احتفال الطرق الصوفية بالعام الهجري الجديد بمسجد الحسين    نقيب الأشراف يشارك في احتفالات مشيخة الطرق الصوفية بالعام الهجري    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    موجودة في كل بيت.. أنواع توابل شهيرة تفعل العجائب في جسمك    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    صلاح دياب يكشف سر تشاؤمه من رقم 17: «بحاول مخرجش من البيت» (فيديو)    رجل يفاجأ بزواجه دون علمه.. هدية وثغرة قانونية كشفتا الأمر    البحوث الإسلامية: الهجرة النبوية لحظة فارقة في مسار الرسالة المحمدية    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    بمشاركة مرموش.. مانشستر سيتي يهزم يوفنتوس بخماسية في مونديال الأندية    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم سيارة ملاكي مع نصف نقل بالجيزة    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    «30 يونيو».. نبض الشعب ومرآة الوعي المصري    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    مفتى الجمهورية: الشعب المصرى متدين فى أقواله وأفعاله وسلوكه    قصور ثقافة أسوان تقدم "عروس الرمل" ضمن عروض الموسم المسرحى    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة إلي الدستور مرة أخري

كم كنت أتمني أن يكون الوقت الذي نقضيه في تشكيل الحكومات أو الإطاحة بها مخصصا للحوار والتوافق حول المستقبل الذي نرغب في أن يكون مختلفا تماما عن كل أنواع الماضي الذي عرفناه وقريبا من أنواع المستقبل الذي وصلت إليه دول نتمني دائما أن نصل إلي مستواها‏ والحقيقة أنه كان هناك دائما شكوي خلال الشهور القليلة الماضية من أن التفكير في المستقبل كان غائبا تماما عن النظام السياسي السابق, بل إن جماعة منا اعتبرته واحدا من أهم مثالبه الكثيرة. وللحق فإن ذلك لم يكن دقيقا تماما فقد كانت هناك مشروعات تتطلع لما سوف يأتي من زمن مثل مشروع مصر2017, والآخر مصر2025, والثالث مصر2050 وكلها علي ما فيها من غياب لإصلاح سياسي جذري كان فيها ستة ملامح رئيسية: أولها كان الخروج من الوادي في أشكال مشروعات في توشكي والساحل الشمالي والظهير الصحراوي. وثانيها الوصول إلي البحر من خلال تعمير شواطئ مصر كلها علي البحر الأحمر والأبيض وسيناء. وثالثها استكمال القواعد والقوانين والتشريعات التي يقوم عليها اقتصاد السوق. ورابعها الوصول بالتعليم إلي الغالبية من المواطنين بحيث تنتهي الأمية من البلاد. وخامسها نشر التكنولوجيا الحديثة بين أرجاء البلاد بحيث تكون متاحة للمواطنين للاتصال والعمل والإنتاج. وسادسها ربط أجزاء مصر كلها بشبكة من وسائل الاتصال والمواصلات والبنية الأساسية التي تتيح في النهاية وقبل منتصف القرن أن يكون 24% من البلاد مأهولا بدلا من 7% حاليا و3% كما كان في عام 1980
هذه الأفكار كلها لم يقدر لها سوي جزئيا لأسباب ليس مجالها الآن البحث والتمحيص; ولكن بعضا منها عاد مرة أخري إلي الظهور تحت أسماء جديدة مثل ممر التنمية بدلا من الظهير الصحراوي, أو مثل مدينة الدكتور زويل للعلوم والتكنولوجيا. والتصور هنا هو أن العهد الثوري لا بد له أن يكون متميزا عن النظام القديم من ثلاث زوايا: أولاها الإصلاح السياسي الديمقراطي الذي كان غائبا; وثانيتها سرعة الإنجاز والتطبيق; وثالثتها العدالة في توزيع العائد وفقا لعمل وإنتاجية البشر.
هنا نعود مرة أخري إلي الدستور الذي هو قلب عملية الإصلاح السياسي وفيه يقام النظام الذي يدير آلة الدولة ويجعلها قادرة علي تحقيق أهداف الحاضر والمستقبل. وربما ما كانت الثورة لتقوم إذا ما تم تنفيذ المشروعات المستقبلية التي أشرنا لها وهو ما كان مستحيلا في ظل النظام السياسي القائم علي إدارة الفقر وليس إدارة الثروة في البلاد; ومن ثم كان الحاضر دائما مقدما علي المستقبل.
القصد هنا ليس مناقشة ما جري في الماضي, ولكن الحديث عن المستقبل من زاوية أن الدستور, والنظام السياسي كله ينبغي له ليس أن يخدم الحاضر فقط, ولكنه يقود مصر إلي مكانة تستحقها وخلال فترة زمنية معقولة وهو ما بات ممكنا نتيجة العولمة والتقدم التكنولوجي العالمي. ولهذا السبب وقع الاختيار في مقال سابق علي النظام الجمهوري الديمقراطي لأنه الأكثر كفاءة وفاعلية, وفي الاعتقاد ديمقراطية أيضا.
ولكن مثل هذا لا يمثل إلا بابا واحدا في الدستور يتعلق بالسلطة التنفيذية, ولا يكتمل له فضل دونما استقلال كامل وشامل للسلطة القضائية التي عليها أن تدير شئونها بشكل كامل ولا تتدخل في شأنها السلطة التنفيذية من خلال وزارة العدل أو أي من أنواع الوزارات الأخري سواء من خلال الضغط أو الإغراء. هنا فإن السلطة القضائية تحصل علي ميزانيتها الخاصة التي تكفل للقضاء أرفع مستويات المعيشة الممكنة في الدولة; وبعد ذلك يترك للقضاة عملية إدارة العدالة في المجتمع من أول تعيين القضاة وحتي وضعهم علي المنصات المختلفة للمحاكم بما فيها الترقيات والمكافآت, إلي آخر ما هو معروف من احتياجات سلطة مستقلة من ثواب أو عقاب. وهنا أيضا فإنه لا يجوز- وفق التقاليد السارية في البلدان الديمقراطية المتقدمة- أن يغري القاضي بمناصب الوزارة والقيادة في المحافظات إلي آخر ما سري العرف عليه في مصر حينما كان القضاة واقعين دائما بين سيف المعز-مذابح القضاة المتعددة في العصور المختلفة- وذهبه, وهو ما جري في نفس العصور. وهنا أخيرا ما أظنه ثالث الأمور هو ألا تتدخل السلطة القضائية في أعمال السلطات الأخري التنفيذية أو التشريعية, فهي لا تحدد أجرا, ولا تقرر مدي نفع مشروع, ولا تقوم بمراقبة الانتخابات, وإنما وظيفتها الأساسية هي الحكم في المنازعات وفق القانون بما فيها أنها الجهة المنوط بها الحكم في صحة التصويت العام أو في الدوائر حسب النظام الانتخابي, وهي سيد القرار الوحيد في هذا الشأن.
كان ذلك رأيي دائما ولا يزال كما كان من عهود سابقة إلي العهد الحالي أن الرقابة علي الانتخابات العامة هي مسئولية الدولة ممثلة في سلطتها التنفيذية, وهي مسئولية المجتمع المدني, والإعلام, والقضاء باعتباره سلطة الحكم والتفسير. وأضيف إلي كل هؤلاء الرقابة والإشراف الدولي الذي هو شر لا بد منه حتي لا تسود فتنة, ونحصل في مستقبلنا علي نتائج انتخابات لا يشكك أحد في شرعيتها أو نزاهتها.
الدستور والقوانين المكملة له التي سوف تقرر المستقبل المصري عليها ألا تكفل استقلال السلطة القضائية فقط, وإنما معها السلطة التشريعية التي تقع في موقع القلب من كل النظم الديمقراطية حيث يحكم الشعب عن طريق ممثليه المنتخبين انتخابا شرعيا ونزيها بلا ذرة شك أو توجس. هنا وفي ظل النظام الجمهوري الديمقراطي, فإنه لا توجد قوة علي عكس النظام البرلماني- تستطيع أن تحل البرلمان أو تعبث بدوراته التشريعية, أو يوجد فيه أغلبية ميكانيكية لرئيس الوزراء المنتخب من حزب الأغلبية. عضو البرلمان هنا ليس ممثلا لدائرة وإنما للأمة كلها, وهو يعمل ليس لصالح حزب بعينه, وإنما لصالح فكرة بعينها. الاستقطاب في الحزبية أو الأفكار هنا من الأمور المكروهة وغير المستحبة والتي يسعي النظام دائما إلي تلافيها, بينما هي من الفروض الواجبة في النظام البرلماني الذي يفرض علي عضو البرلمان أن يكون ملتزما برأي الحزب والتصويت معه حتي لو خالف ذلك ضميره.
السلطة التشريعية مجلسا كانت أو مجلسين- هي قلب النظام السياسي الحي, وهي مناط إصدار القوانين, وهي الجهة التي تحاكم الرئيس, كما أنها تصدق علي تعييناته لقضاة المحكمة العليا, وبعد التصديق ليس عليها من البرلمان سلطة أو سلطان في تقرير مدي دستورية القوانين. وبصراحة فإن الأمر في حقيقته ليس بمثل هذه البساطة التي أوضحتها هنا; وإنما هو غارق في التفاصيل التي تجري وسطها الشياطين والملائكة وتحتاج جميعها إلي الفحص والتمحيص والمراجعة بروح من التوافق الوطني حول المراد لهذه الأمة من أهداف.
عند هذه النقطة بعد وضع المبادئ الدستورية ومن بعدها حدود السلطات الثلاث والفصل والتوازن فيما بينها, لا ينتهي العمل في الدستور, وإنما يبقي أمران لا بد من تحقيق توافق الجمع السياسي المصري حولهما: أولهما طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي نريده; وثانيهما طبيعة العلاقة بين مركز السلطة السياسية في العاصمة, وتلك الواقعة في الأقاليم. وفي الأولي فإن المرونة واجبة, والاستفادة من تجربة البلدان التي سبقتنا, وأكدنا دائما أننا نريد اللحاق بها, لأن فيها فائدة ولأن هناك من بيننا من يريدون إما إعادة عقارب الساعة إلي الوراء, أو أنهم تحت راية العدالة يريدون إعادة إنتاج نظام إدارة الفقر في البلاد وليس تحرير البلاد من الفقر. والمرونة تتيح لنا التكيف مع المواقف المتغيرة, والتعلم والتوفيق ما بين تطبيقات مختلفة.
والقضية الثانية لا تقل تعقيدا عن الأولي, وربما كان د. جمال حمدان أعظم من شرح لنا فداحة ثقل القاهرة باعتبارها رأسا كبيرا ثقيلا طاغيا في السياسة والاقتصاد والثقافة علي بقية أقاليم البلاد; بل أنه جعلها واحدة من أسباب الميل التاريخي المصري إلي الديكتاتورية وحكم الرجل الواحد أو أشكال مختلفة من الأوليجاركية العسكرية للمماليك وأشباههم. لقد تغيرت مصر قليلا خلال قرن حينما بدأت الزحف بعيدا عن العاصمة والوادي الضيق, ولكن الانطلاقة الكبري للسكان لم تبدأ بعد نحو تعمير الصحراوات الكبري, والسواحل الممتدة, وجعلها مقامات دائمة, وليست مكانا للسياحة أو الزيارات المتقطعة. الأمر هنا ليس مرتهنا فقط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, ولكنها أيضا مرتبطة بتوزيع السلطة السياسية في مصر. مثل ذلك لا يقرره إلا دستور البلاد الذي يضع النقاط علي الحروف وتحتها من أجل إعادة تشكيل مصر وليس إعادة إنتاجها كما هي أو كما كانت في أزمان قريبة أو بعيدة.
أعرف أن ثوار التحرير لديهم مهام عظمي كثيرة, وأعرف أن المجلس العسكري والوزارة في أياديهم هموم أكثر, أما الأحزاب والقوي والحركات والائتلافات السياسية فهي مشغولة بمكانها وسط ساحة مكتظة بالمنافسة; ولكن التفكير في المستقبل لم يعد منه بد, والتفكير فيما لم يكن ممكنا التفكير فيه صار واجبا. والمسألة هي أن العملية السياسية كلها سوف تبدأ في القريب العاجل, وما لدينا لا يزيد عن شهور معدودة للانتخابات التشريعية والرئاسية, والجمعية التأسيسية للدستور, ثم بعد ذلك وضع الدستور ذاته. وبصراحة إذا لم نبدأ الآن في فحص كل ما سبق فمتي نفعل ذلك; وإذا لم تكن النخبة السياسية الحالية هي التي سوف تتحمل المسئولية التاريخية عن هذه المرحلة فمن ستقع عليه؟ تري هل سننتهز الفرصة أم أنها سوف تضيع هذه المرة كما ضاعت مرات من قبل؟!.
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.