نحن نظلم أنفسنا كثيرا بأن نحلم أحلاما رومانسية جدا، فهى نابعة من شاعرية خصبة ومشاعر مرهفة وفكر راق متطور ونبل وكرامة وذكاء .. وهذه صفات تٍثرى الحياة وتمنحها معانيها، وبدونها لا يمكن أن تقوم نهضة حقيقية. نحن نبالغ كثيرا فى حسن الظن بالجيل الحالي، لمجرد أنه انتفض وثار .. ونتجاهل حقائق دامغة .. فالثور ات على مدى التاريخ كانت تسبقها عصور تنوير ونهضة ثقافية وحركات اصلاحية، تنتشل المجتمعات من تأخرها وأوضاعها المنحطة، وهو ما لم يحدث قبل «ثورة 25 يناير» .. فلم يظهر عندنا فولتير ولا روسو ولا مونتسيكيو، الذين ظهروا قبل الثورة الفرنسية، ولا بوشكين ودستويفسكى وتولستوى الذين ظهروا قبل الثورة الروسية، ولا طه حسين و العقاد والحكيم وعبدالوهاب وأم كلثوم الذين ظهروا قبل ثورة 1952 والحاصل أنها ثورة اندلعت فى مجتمع منهار يعانى من الفقر - والجهل - والتخلف وانحدار الأخلاق والعلوم والفنون وتفشى السوقية وروح القطيع وفساد الذوق العام، إلى آخر ما ابتلينا به من أمراض اجتماعية خطيرة خلال ال 35 سنة الأخيرة، ومع ذلك سارعنا بالتطبيل لشبابنا الراقى الواعى المتحضر، متغافلين أنه نفس الشباب الذى تعرض لسياسة التجهيل والتسطييح التى اتبعتها حكوماتنا السابقة، وحلقنا فى جنون العظمة حين سمعنا أنه «يجب تربية الشباب الأمريكى كشباب مصر» .. وأن «الثورة المصرية ستدرس فى المدارس الإنجليزية» .. فدبجبنا تلك المقولات فى لوحات أنيقة، وهرعنا لتعليقها فى الشوارع كرمز على خيبتنا التامة. فالغرب يعرف ولعنا بالمديح والتضخيم وتهافتنا على تصديق المبالغات، وإن بعدت عن الحقيقة، ولعل الفوضى التى نعيشها حاليا خير برهان على الأساس الرخو الهلامى المخلخل الذى قامت عليه الثورة، لذلك أقول إن الجيل الحالى ليس مؤهلا لإقامة عصر ذهبى جديد. فالمجتمع المريض لا يفرز جيلا من الأصحاء ومن المؤكد أن جيل اليوم لن يقع فى نفس أخطاء جيل سابق، بل سيقع فى أخطاء أكثر غلظة وفجاجة ومجافاة للذوق لسبب بسيط هو افتقداه الفكر والغنى الروحى. وبالطبع لا أقصد الذى نشأ فى أسرة راقية على يد أسر مثقفة وواعية - بل أشير إلى شباب العشوائيات البائس الذى يعيش فى ظر وف بالغة التعاسة، لا مكان فيها للحب والهيام بطيف فتاة جميلة، تجلس خلف النافذة، كما فعل شاعرنا أحمد رامى أو سماع أغنية جميلة لأم كلثوم أو مشاهدة باليه أو قراءة كتاب، ولكن فقر الفكر والقبح تمت زراعته وتنميته فى كل جوانب الحياة وأصبح هو الأساس. د.هشام بدر - الإسكندرية