ظهر بعد اندلاع الثورة المصرية توجهات تحذر من خطورة عدم وجود قيادة فكرية وحركة تنويرية سبقت الثورة مقارنة بثورات أخرى في العالم سبقتها حركات تنوير فكرية أعطت زخما للعمل الثوري وأنارت طريقه .. فهل يجب ان تكون للثورة قيادة فكرية نخبوية ؟؟ قال الدكتور حسام صبري استشاري الطب النفسي بمستشفى العباسية أن أفراد الشعب من الدهماء هم غالبا الذين يشعلون الثورات لان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي التي غالبا ما تدفع الناس للثورة على حكامهم رغبة في تغيير أوضاعهم السيئة. وأضاف أن هناك كثير من الثورات التي لم تكن في حاجة إلى نخب بينما هناك ثورات احتاجت إلى نخب تحذر الناس من أوضاعهم المتردية وسياسات السلطات الحاكمة التي تؤثر على البلاد، ودور النخب هنا يكون رئيسيا في دفع الناس إلى الثورة لتغيير أوضاعهم البائسة والذين لا يكون لديهم شعور بمدى سوء هذه الأوضاع. وأشار صبري إلى أن متظاهرى التحرير في بداية الثورة كان لديهم وعى كبير بالوضع في المجتمع وكان لهم فهم واضح للسياسات الموجودة في البلاد رغم أن كثير من المشاركين في الثورة لم يكونوا حاصلين على تعليم عال ولم يكونوا من النخب ولكن كان لديهم ما هو أهم وهو الوعي بمشكلات المجتمع إضافة إلى الرغبة في تغييره بأي وسيلة سلمية. ومن جانبه أكد الدكتور مصطفى شاهين أستاذ الطب النفسي بالقصر العيني أن ثورة يناير كان يقودها عملية فكرية ولم تكن عملية إشعالها فورة، موضحا أنه لو لم يكن يقودها عملية فكرية ما كانت أدت إلى هذه النتائج ولما أسقطت نظام مبارك. وأضاف أن القيادات الفكرية للثورة كانت موجودة وهناك كثير من الشخصيات المصرية المرموقة التي ساهمت بدور حقيقي في إشعال الثورة ولكن الأزمة كانت في أن هذه القيادات الفكرية لم تكن مستعدة لتحمل مسؤولية إشعال الثورة بسبب سياسات النظام السابق القمعية وهو ما دفعها إلى عدم تحمل مسؤولية السياسات المعارضة. وأكد أن الرقى الذي ظهر في ميدان التحرير يؤكد على وجود عملية فكرية حقيقية وجهد عقلي كبير لان السلوك الحضاري كان واضحا وأعجب العالم كله وهذا يشير أيضا إلى بعض الشخصيات صاحبة الفكر المستنير والتي ساهمت في ترشيد سلوك الثورة وجعلها تسير في الاتجاه الصحيح مثل المهندس ممدوح حمزة وجورج اسحاق والشيخ صفوت حجازي. وأشار إلى أن الثورة المصرية مرت في المرحلة السابقة بعدم اتزان فقدت فيه جزءا من " العقلانية " التي كانت تتسم بها إلا أن دخول شخصيات مستنيرة فى الأمر سعيا نحو ترشيد السلوك الثوري دفعها للمضي في الطريق الصحيح وهذا يظهر جليا في المرحلة الحالية من الثورة. أما الدكتور هشام بدر أستاذ بجامعة الإسكندرية، فقد أكد أننا نبالغ كثيرا في حسن الظن بالجيل الحالي، لمجرد أنه انتفض وثار ونتجاهل حقائق دامغة، فالثورات على مدى التاريخ كانت تسبقها عصور تنوير ونهضة ثقافية وحركات إصلاحية، تنتشل المجتمعات من تأخرها وأوضاعها المنحطة، وهو ما لم يحدث قبل «ثورة 25 يناير» .. فلم يظهر عندنا فولتير ولا روسو ولا مونتسيكيو، الذين ظهروا قبل الثورة الفرنسية، ولا بوشكين ودستويفسكى وتولستوى الذين ظهروا قبل الثورة الروسية، ولا طه حسين و العقاد والحكيم وعبدالوهاب وأم كلثوم الذين ظهروا قبل ثورة 1952. وأضاف قائلا: الحاصل أنها ثورة اندلعت في مجتمع منهار يعانى من الفقر والجهل والتخلف وانحدار الأخلاق والعلوم والفنون وتفشى السوقية وروح القطيع وفساد الذوق العام، إلى آخر ما ابتلينا به من أمراض اجتماعية خطيرة خلال ال 35 سنة الأخيرة، ومع ذلك سارعنا بالتطبيل لشبابنا الراقي الواعي المتحضر، متغافلين أنه نفس الشباب الذى تعرض لسياسة التجهيل والتسطيح التي اتبعتها حكوماتنا السابقة، وحلقنا فى جنون العظمة حين سمعنا أنه «يجب تربية الشباب الأمريكي كشباب مصر» .. وأن «الثورة المصرية ستدرس في المدارس الإنجليزية» .. فدبجبنا تلك المقولات فى لوحات أنيقة، وهرعنا لتعليقها فى الشوارع كرمز على خيبتنا التامة. وأوضح أن المجتمع المريض لا يفرز جيلا من الأصحاء ومن المؤكد أن جيل اليوم لن يقع فى نفس أخطاء جيل سابق، بل سيقع فى أخطاء أكثر غلظة وفجاجة ومجافاة للذوق لسبب بسيط هو افتقداه الفكر والغنى الروحي.