أسعار الخضروات والفاكهة والأسماك والدواجن اليوم الأحد 11 مايو    أسعار الذهب اليوم الأحد 11 مايو في بداية التعاملات    بعد اقتراح بوتين.. هل تقبل تركيا استضافة مفاوضات أوكرانيا وروسيا؟    السفير الأمريكي لدى الاحتلال: لا مستقبل لحماس في قطاع غزة    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    اليوم.. انطلاق التقييمات المبدئية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    لأول مرة.. نانسي عجرم تلتقي جمهورها في إندونيسيا 5 نوفمبر المقبل    قمة الدوري الإسباني.. قائمة ريال مدريد لمواجهة برشلونة في الكلاسيكو    إخلاء سبيل ضحية النمر المفترس بالسيرك بطنطا في بلاغ تعرضه للسرقة    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    بالتردد.. تعرف على مواعيد وقنوات عرض مسلسل «المدينة البعيدة» الحلقة 25    في ظل ذروة الموجة الحارة.. أهم 10 نصائح صحية للوقاية من ضربات الشمس    تعليق مثير من نجم الأهلي السابق على أزمة زيزو والزمالك    ديروط يستضيف طنطا في ختام مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    أسعار اللحوم في محلات الجزارة بمطروح اليوم الأحد 11 مايو 2025    «جودة الحياة» على طاولة النقاش في ملتقى شباب المحافظات الحدودية بدمياط    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    تامر أمين بعد انخفاض عددها بشكل كبير: الحمير راحت فين؟ (فيديو)    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حريق مطعم مصر الجديدة    الأرصاد تكشف موعد انخفاض الموجة الحارة    كارثة منتصف الليل كادت تلتهم "مصر الجديدة".. والحماية المدنية تنقذ الموقف في اللحظات الأخيرة    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    إصابة شاب صدمه قطار فى أبو تشت بقنا    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 11 مايو 2025    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    "التعليم": تنفيذ برامج تنمية مهارات القراءة والكتابة خلال الفترة الصيفية    إنتهاء أزمة البحارة العالقين المصريين قبالة الشارقة..الإمارات ترفض الحل لشهور: أين هيبة السيسى ؟    سامي قمصان: احتويت المشاكل في الأهلي.. وهذا اللاعب قصر بحق نفسه    أحمد فهمى يعتذر عن منشور له نشره بالخطأ    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    إعلان اتفاق "وقف إطلاق النار" بين الهند وباكستان بوساطة أمريكية    نشرة التوك شو| "التضامن" تطلق ..مشروع تمكين ب 10 مليارات جنيه وملاك الإيجار القديم: سنحصل على حقوقن    وزير الصحة: 215 مليار جنيه لتطوير 1255 مشروعًا بالقطاع الصحي في 8 سنوات    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    مصابون فلسطينيون في قصف للاحتلال استهدف منزلا شمال غزة    المركز الليبي للاستشعار عن بعد: هزة أرضية بقوة 4.1 درجة بمنطقة البحر المتوسط    انتهاء هدنة عيد النصر بين روسيا وأوكرانيا    5 مصابين في انقلاب ميكروباص بالمنيا بسبب السرعة الزائدة    «التعاون الخليجي» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    حكام مباريات الأحد في الجولة السادسة من المرحلة النهائية للدوري المصري    وزيرة التضامن ترد على مقولة «الحكومة مش شايفانا»: لدينا قاعدة بيانات تضم 17 مليون أسرة    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 11 مايو 2025    في أهمية صناعة الناخب ومحاولة إنتاجه من أجل استقرار واستمرار الوطن    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    أمانة العضوية المركزية ب"مستقبل وطن" تعقد اجتماعا تنظيميا مع أمنائها في المحافظات وتكرم 8 حققت المستهدف التنظيمي    راموس يقود باريس سان جيرمان لاكتساح مونبلييه برباعية    «أتمنى تدريب بيراميدز».. تصريحات نارية من بيسيرو بعد رحيله عن الزمالك    أبرزها الإجهاد والتوتر في بيئة العمل.. أسباب زيادة أمراض القلب والذبحة الصدرية عند الشباب    تبدأ قبلها بأسابيع وتجاهلها يقلل فرص نجاتك.. علامات مبكرة ل الأزمة القلبية (انتبه لها!)    منها «الشيكولاتة ومخلل الكرنب».. 6 أطعمة سيئة مفيدة للأمعاء    بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 11 مايو 2025 (آخر تحديث)    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثمن الفادح لتجاهل الحكومة حتميات حسم القضايا الساخنة المصيرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 07 - 2011

مع الأزمة المالية العالمية الكارثية عام 2008 واجهت امريكا واوروبا خطر الأفلاس الحقيقى، وواجهت خطر الكساد العظيم نتيجة للممارسات الفاسدة المنحرفة للبنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين العملاقة. وارتباط ذلك بشبكة فساد عنكبوتيه تتشابك خيوطها مع كافة المعاملات والانشطة والأعمال، ومع تصاعد الأزمة والحمم البركانية والأبخرة السامه وعواصف الدخان المانعه للحركة والرؤية أصبح من المحتم على الدول الرأسمالية العتيدة أن تلجأ لاستخدام كافة الاسلحة والأدوات والسياسات مهما تصادمت مع قواعد الأصولية الرأسمالية الراسخه ومهما تعارضت بشدة مع التزامات الرأسمالية المتوحشه باعتبارها أدوات حكم العالم واستغلاله.وباعتبارها وسائل ضمان حيازة القلة القليلة من كبار حائزى الثروة العالمية على الجزء الاكبر من عائد النشاط الاقتصادى الدولى، وارتكزت الحلول الصعبة على تفعيل دور الحكومات فى النشاط الاقتصادى الى حدود تأميم أكبر المصارف والمؤسسات المالية وشركات التأمين والى حدود امتلاك جزء رئيسى من كبرى شركات انتاج السيارات العالمية مقابل ما تم ضخه من اموال عامة لمنع الأفلاس والانهيار . وكان ذلك اعترافا علنيا بعدم قدرة السوق على تصحيح اوضاعها الخاطئة، كما أنه اعتراف صريح بعدم جدوى القوة الخفية للسوق وقدرتها على التصحيح والتصويب وقت الأزمات الامر الذى يتطلب التدخل الحكومى بكل الأمكانيات العامة على ضخامتها لوقف نزيف الخسائر المهلك، واعادة وضع الاقتصاد والمال والاعمال مرة اخرى على الطريق الصحيح.
وقد قامت حكومات الدول الصناعية الكبرى وفى مقدمتها الحكومة الفيدرالية الأمريكية اضافة الى تأميم البنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين وشركات السيارات الكبرى باللجوء الى الخيارات الصعبة بمعايير اهل الاقتصاد مدركة أن البعد الزمنى وعنصر التوقيت السريع للأصلاح والعلاج يأتى فى مقدمة متطلبات مواجهة الأزمة بشكل ناجح وفعال تقررت فى ظل حكم الرئيس جورج بوش الأبن التلميذ النجيب للأصولية الرأسمالية ورأس الحربة الظاهر على سطح الاحداث لليمين المحافظ وايديلوجيته المسماه بالاصولية المسيحية الصهيونية بالاعلان عن برنامج تحفيز للاقتصاد والامريكى قيمته 900 مليار دولار تم ضخها فى شرايين النشاط الاقتصادى حتى لاتتوقف عجلة الاقتصاد عن الدوران وحتى يتوقف مسلسل الافلاس للمنشأت والمشروعات والشركات وتقل معدلات النزيف المر لتسريح العاملين وما تعنيه من ارتفاع مزعج وخطير لمعدلات البطالة وما تؤدى إليه دائما من خلل فى المعاملات والاعمال واضطراب نهوض المجتمع فى ظل بروز اختلالات اجتماعية وانسانية تحول مجمل الأوضاع فى الدولة من الايجابى الى السلبي، وهو ما يعنى ان الأزمة تستوجب الفتح السريع المخطط لمزيد من الاتفاق العام مع تحميل القادرين قدرا اكبر من الأعباء.
ولم يقتصر العلاج والأصلاح على ذلك بل امتد إلى فئات المجتمع الأقل دخلا والأقل قدره لمساندتها وحمايتها وتحفيزها على المزيد من الاستهلاك بما يدفع حركة النشاط الانتاجى والخدمى للأمام حيث قامت بريطانيا على سبيل المثال بتخفيض ضرائب القيمة المضافة على المبيعات بمعدل 2.5 نقطة مئويه لتخفيض تكلفة السلع الغذائية والاستهلاكية والمعمرة كما قامت برفع حدود الاعفاء الضريبى الى 150 ألف جنيه استرلينى سنويا تساوى نحو مليون ونصف المليون جنيه مصرى فى حين قامت امريكا بعد تولى باراك اوباما الحكم برفع حدود الأعفاء الضريبى إلى 250 ألف دولار سنويا تساوى أيضا 1.5 مليون جنيه مصرى كما تم تعديل نظام التصاعد فى سعر الضريبة لرفع الاسعار الضريبية على الاكثر دخلا والاكثر مقدره ماليا وتخفيضه على الاقل دخلا والاقل مقدره ماليه ولاتقل اهمية عن ذلك السياسات العاجلة لدعم ومساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمنحها اعفاءات ضريبية وبمنحها ايضا تيسيرات فى القروض المصرفية واسعار الفائدة، مع الاهتمام بحقوق المواطن البسيط واحتياجاته الاساسية ومثال ذلك اصرار ادارة اوباما على تطبيق قانون جديد للتأمين الصحى يضمن تمتع كل امريكى بالعلاج اللازم بغض النظر عن مقدرتهم المالية.
ولا يقل عن ذلك أهمية وخطورة ما يرتبط بالتعديلات التشريعية والقوانين الجديدة التى صدرت لاحكام الرقابة والسيطرة على المصارف والمؤسسات المالية وتدقيق الرقابة والسيطرة على ميزانيات الشركات لمنع كافة صور وأشكال التحايل والتلاعب المالى مع تدقيق المتابعة والمراقبة لاعمال البورصات والشركات العاملة فى نطاقها ومراجعة الاشكال المستحدثة من الاوراق المالية بكافة صورها واشكالها بعد ثبوت مسئوليتها عن جوانب مهمة من عمليات التحايل والنصب والتدليس فى الأعمال والمعاملات وفى مقدمتها عمليات توريق الديون العقارية التى كانت وسيلة مهمة من وسائل التلاعب فى السوق العقارى وسببا رئيسيا لانفجار الفقاعه العقارية فى أمريكا وأوروبا والخسائر الكارثية للبنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية والأفراد وما نتج عنه من اصابة نظام الرهن العقارية لتملك المساكن بالشلل شبه التام وفقدان الملايين فى امريكا منازلهم وتعرض الكثيرين لفقدان المأوى والأكثر خطورة لفقدان أهلية التعامل بكروت الائتمان التى هى أساس المعاملات وتسديد الالتزامات الحياتية اليومية.
وترتبط الخبرة الرئيسية لاساليب الاصلاح الجذرى والفعال فى سياسات الدول الصناعية الكبرى بمجموعة من الدروس المستفادة التى يجب سرعة تطبيقها العاجل على الحالة المصرية ليس فقط لمواجهة الاوضاع الانتقالية والتداعيات السلبية المتزامنة مع الاشهر الماضية من الثورة والناجمة عن مخططات الانفلات الأمنى وعن مخططات الترويع الاقتصادى والمالى الذى تتصاعد حلقاته يوما بعد يوم لاشاعة الفوضى والاضطراب فى الاقتصاد المصرى خاصة مع ازمة السولار ثم الأزمة الراهنة للاسمدة وندرتها واسعار السوق السوداء الفلكية ولكن لمواجهة تراكم سياسات فاسدة على مدى ثلاثة عقود ونهب ولصوصية وسرقة للثروة القومية فى ظل تخريب منظم لكافة الاوضاع والمعاملات لضمان سيادة الاحتكار وفرض قانونه الوحشى على الدولة والمجتمع والأفراد وقد أصبحت الكارثة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تتجاوز الاجتهادات الشخصية والتحليلات الفردية بعد أن خرج صندوق النقد الدولى عن صمته وتجاوز التحفظ المعهود للهيئات الدولية فى ادانه النظم القمعية المستبدة ليعرب عن شعوره بالدهشة ازاء حجم الفساد الذى شهدته مصر فى عهد رأس النظام البائد الفاسد مشيرا إلى أن كل دول العالم تعانى الفساد ولكنه اعترف بأنه فوجيء بحجم الفساد الذى كان مستشريا فى مصر قبل ثورة 25 يناير خاصة أن الفئة المتهمة بالفساد هى التى كانت ملتفة حول الرئيس السابق وكانت تزاول جميع انواع الفساد وهى شهادة لايمكن صدورها من مؤسسة دولية بحجم الصندوق الا اذا توفرت لديه ادلة دامغة ووثائق رسمية صريحة وهو ما يجب أن يحسم الكثير من الجدل والتردد والتلكؤ فى محاكمة رأس النظام البائد الفاسد وتشكيله العصابى الاجرامى وكافة رموز الطابور الخامس للمافيا الحاكمة كما يحتم ايضا ضرورة القيام بعملية تطهير واسعة النطاق لكافة القيادات التى عينها النظام المنحرف فى كافة المواقع خاصة المواقع التى تشكل مفاتيح رئيسية للتغطية على الانحراف واللصوصية والنهب والسرقة وتسهيل عملياتها القذرة وتأمين حركة ما سلبته فى الداخل والخارج من أموال واصول.
ويأتى على رأس الأولويات الراهنة حتمية مراجعة كافة القواعد الفاسدة التى اضيفت على القوانين الاقتصادية والمالية والنقدية خلال السنوات العشر الأخيرة تحديدا كخطوة اولى وهى التعديلات التى قننت تحرير حركة الأموال وتحرير تحويل الأرباح والعوائد وتحرير الدخول والخروج من البورصة وتحرير نشاط صناديق الاستثمار الداخلية والخارجية مع تغيب الرقابة اللازمة والواجبة على أعمالها، وعشرات المليارات التى يتم اخراجها للخارج بغير رقيب وبدون حسيب وتعد هذه الأولوية عنصرا لضبط ايقاع الاقتصاد المصرى مع حتمية اعادة النظر فى دور ومسئوليات الاجهزة الرقابية وحدود سلطتها وقدرتها على كشف ومتابعة التجاوزات الاجرامية الفاسدة اضافة الى حتمية فرض الهيبة والاحترام للوظيفة العامة والالتزام بقواعدها الحاكمة وتخليص مصر من كافة صور التلاعب القائمة ومثالها ما نشرته الزميلة الوفد من أن المسئول المالى عن ميزانية البنك المركزى حاصل على بكالوريوس هندسة تخصص كهرباء، وهو الأمر الذى لم يتم نفيه على الرغم مما تضمنه من حديث عن أن التعيين تم كمكافأة بحكم علاقة العمل الخارجية الخاصة السابقة بينه وبين المحافظ وعدم التصدى للصور والاشكال المستغربة مما يعنى أن الحكومة القائمة تسبح عكس تيار الثورة وتدعم وتساند فلول النظام البائد الفاسد وانها غير معنية بملاحقة صور الفساد الوقحة المتداولة بين جموع المواطنين؟!
مطلوب قانون لحماية المقترض الصغير يفرض على البنوك قواعد الصدق ويمنع التدليس
هناك شكوى دائمة من القروض وما يتم تحميله عليها من فوائد ومصاريف تتعدد مسمياتها وتتعدد اشكالها والوانها فهى قضية معلقة تتسبب فى مشكلات اقتصادية جادة خاصة أن أعباء القرض الاجمالية لا تكون ظاهرة منذ اللحظة الأولى وتدخل دائما تحت بند المفاجأة خاصة أن الغالبية العظمى من صغار المقترضين لا يتوافر لديهم الخبرة المصرفية اللازمة والثقافة المالية الدافعة للتدقيق فى التفاصيل المخفية التى لا تظهر ابدا مع العناوين الضخمة عن تسهيلات القروض وفوائدها المنخفضة والأعباء البسيطة وغيرها من التيارات الدعائية الانشائية مما يتسبب فى اصابة قاعدة عريضة من المواطنين بالاحباط ومواجهتهم بمشاكل مالية يصعب على غالبيتهم تحمل تبعاتها وتكاليفها، يضاف لذلك التعسف مع المقترضين بما يخالف القواعد الاقتصادية والمصرفية الى حدود دفعهم للتعثر والافلاس.
ويحذر الدكتور على عبد العزيز سليمان استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة من ظاهرة التدليس على المقترضين وترويعهم بأسعار الفائدة التى تبدو منخفضة وهى فى الواقع الفعلى شديدة الارتفاع مع الاعباء الاضافية مؤكدا ضرورة اصدار قانون لحماية المقترض الصغير حتى يتوقف طوفان التدليس وعدم الشفافية فى معاملاتهم مع البنوك وحتى لا يتعرضوا للتعثر وصدور احكام قضائية عليهم بالحبس بدون مبرر وأن القانون يجب ان يتضمن الحماية فى المعاملات مع البنوك وغيرها وفى مقدمتها شركات البيع بالتقسيط الذى يصنع نظاما ربويا يضر بالحقوق ويضر بمصالح قاعدة عريضة من المواطنين البسطاء الذين يسهل وقوعهم فى الفخاخ المنصوبة من المحترفين ويشير الى ان الجميع قد تابع بشغف جهود جمعية «رسالة» التى يرأسها فضيلة مفتى الجمهورية فى مد يد العون للمدينين الذين تورطوا فى ديون لا يقدرون على سدادها، ودخلوا السجون بسبب ذلك، وهؤلاء هم «الغارمون» الذى يدعون الدين الحنيف الى مساعدتهم من أموال الزكاة. وكشفت التحقيقات الصحفية والاعلامية عن ان هناك مئات بل آلاف قد دخلوا السجون لعدم قدرتهم على سداد أقساط ديون لا تزيد علي عشرات الجنيهات، وبدأت مشاكلهم بالتوقيع على ايصالات امانة وعقود اقتراض على بياض إما لصالحهم أو كضامنين لآخرين.
ويؤكد الخبير الاقتصادى المرموق ان المقرضين عديمى الذمة قد استغلوا هذه الايصالات فى الايقاع بضحاياهم فى دائرة الدين، وبدلا ما كان المقترض يطمح لتحسين حياته قليلا بشراء ثلاجة أو بوتاجاز بالقسط ينتهى به الحال بالتنازل عن حريته ومستقبل أولاده، والمثير للدهشة هو نشاط أجهزة الضبط والتحرى فى ملاحقة وسجن هؤلاء البسطاء بينما كان أولى بهم تتبع وايقاف أولائك المرابين الذين يتعيشون من دماء الفقراء.
وتثير هذه القضية موضوعا مهما حول الرقابة على القروض المدنية والاستهلاكية، ولقد اهتم المشرع المصرى منذ زمن طويل بتنظيم قضية فوائد الديون، واستند هذا الاهتمام ليس فقط لمفاهيم العدل والشرع والسلم الاجتماعي. ولكن ايضا لحماية حقوق المواطن فى وقت كان فيه معظم البنوك ومؤسسات الاقراض فى يد الاجانب وكانت سيطرة الاجانب على الملكيات الزراعية بسبب تورط الفلاحين فى الدين وراء إنشاء بنك مصر 1920 ثم بنك التسليف الزراعى 1932 وللأسف يبدو اننا نسينا هذه الخلفية التاريخية والغينا الحد الاقصى للفوائد فى الديون المدنية وقدره 7%، واصبح من المعتاد ان تضاف فوائد خفية أو معلنة تصل بالفوائد الى مايزيد على 30% أو يزيد.
ولقد تم الغاء الرقابة المباشرة على فوائد البنوك فى ظل عملية الاصلاح الاقتصادي، وكانت الحجة فى ذلك التى روجت لها مؤسسات التمويل الدولية، انه من الواجب السماح بسعر الفائدة لان يقوم بدوره الاقتصادى كمؤشر على قدرة التمويل، وعليه إذا سمحنا لقوى السوق ان تنظم توزيع الائتمان فإن الاستخدامات الأكثر كفاءة وربحية هى التى ستفوز بالتمويل، ولا غبار على هذا المنطق اذا تمتعت الأسواق بالشفافية والتنافسية، ومن ناحية أخرى فإن القروض الاستهلاكية والمدنية لا تخضع لهذه المعايير فى أكثر الدول الرأسمالية حرية، بل ان هناك عوامل اجتماعية تحكم قروض المستهلكين وقروض التعليم وحتى قروض بناء المساكن التى تحصل جميعها على صور مختلفة من الضمانات والدعم والتنظيم.
ويشير عضو مجلس ادارة بنك ناصر الى انه بالرغم من أن معظم هذه الديون الغارمة قد تمت خارج القطاع المصرفي، فان البنوك لا تعفى من مسئولية توريط المستهلكين للدخول فى مديونيات هم غير قادرين على تحملها ولقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة فورة هائلة فى المديونيات وبالذات لشراء السلع المعمرة والسيارات، وتزين البنوك للمستهلك فرص الاقتراض احيانا بلا ضامن وبلا كشف مرتب، الخ ولا يعرف المستهلك على وجه التحديد العبء المالى الذى يتورط فيه، فالبنك قد يكون صريحا بخصوص سعر الفائدة ولكنه لا يوضح المصاريف الاخرى التى قد يتحملها المستهلك لتأمين السيارة التى يقترض بضمانها أو غرامات التأخير.. وأحيانا أخرى قد يستخدم البنك مصطلحات غير مفهومة أو غامضة لايستطيع المقترض حساب تأثيرها على تكلفة الاقتراض، وفى بلد ترتفع فيه نسبة الأمية من الواجب استخدام مصطلحات مفهومة وعقود بسيطة. ففى بعض اعلانات التقسيط يشار الى سعر للفائدة استهلاكى قدره كذا وكثيرا مايعتقد المقترض انه حصل على صفقة رابحة حيث ان هذا السعر مثلا 8% يقل كثيرا عن معدلات الفائدة السائدة ولكن فى الواقع انه يدفع معدل فائدة حقيقيا يفوق ضعف مقدار الفائدة «الاستهلاكية» المعلنة، فإذا اقترضت مائة ألف جنيه لشراء سيارة يسدد ثمنها على أربع سنوات مثلا فستدفع فائدة سنوية قدرها ثمانية الاف جنيه بغض النظر عن قيمة صافى الدين بعد خصم الاقساط المسددة فعلا، فى ظل نظام الفائدة المركب الذى يحسب الفائدة على جملة المبلغ المقترض وقت الحصول عليه.
وتشارك شركات كروت الائتمان فى هذه التجارة الغارمة، حيث انها تفرض غرامات تأخير خفية تفوق كثيرا معدلات الفائدة السارية، فهناك كروت تفرض فائدة على أصل الدين حتى لو تم سداد معظمها، فإذا اشتريت بضاعة بمبلغ 2000 جنيه ثم سددت 1900 جنيه خلال المهلة المعتادة وقدرها 55 يوما، سوف يفرض عليك فوائد تأخير قدرها 18% على كامل القيمة المستخدمة، أى تدفع 30 جنيها فوائد شهريا على دين حقيقى قدره مائة جنيه أى ان الفائدة الفعلية تساوى 360% سنويا! وهكذا يجد المستهلك حسن النية انه يدفع فوائد أقل ما توصف به انها فوائد فاحشة. فإذا كان هذا هو الحال فى القطاع الائتمانى المنظم، فما بال الوضع فى سوق الديون غير المنظم.
والغريب ان أنصار الاقتصاد الحر ينسون ان الدول الرأسمالية المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية قد رأت من اللازم التدخل لحماية المقترض الصغير من غلواء ممارسات البنوك وغيرها من المؤسسات المالية فحسب قوانين الولايات المتحدة وبالذات ما يسمى بقانون «الصدق فى الإقراض» يجب ان يوضح عقد القرض ليس فقط قيمة القرض ومدته واسلوب السداد وسعر الفائدة الاسمي، ولكن ايضا اجمالى عبء الدين وبالتالى يكون المقترض على بينه بقيمة قسط السداد المتفق عليه، ويستطيع ان يحسب الفارق بين السعر النقدى والسعر الاجل، وهكذا قد تكون مأساة المدينين الذين انقذتهم جمعية «رسالة» من أسر الدين فرصة لكى ندعو الى ضرورة ان يراجع البنك المركزى قواعد الإقراض الاستهلاكي، وان نسرع بإصدار قانون لحماية المقترض الصغير.
لابد أن تدق الثورة ابواب الجهاز المصرفى الذى يحتاج الى تعديلات جذرية فى اسلوب عمله وممارساته ومعاملاته مع المواطنين خاصة المواطنين البسطاء بحكم أن الجهاز المصرفى هو شريان تدفق الأموال لكافة الانشطة والأعمال والمعاملات مما يستوجب ان يكون التدفق منتظما ودقيقا وفقا لحسابات اقتصادية سليمة ومتزنة تتوافق مع قواعد الصدق فى الاقراض التى يستوجبها القانون الامريكى .

المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.