"نازلة التحرير؟"، قبل أسبوعين سألتني صديقتي اليسارية القديمة - وهي تقصد جمعة اليوم 8 يوليو -، واستطردت دون أن تسمع إجابتي: "عشان خاطري بلاش، البلد مش ناقصة والناس تعبانة وبتلعن التحرير واللي فيه. الناس عايزة تاكل وتشرب وتنام.". كانت إجابتي صمت، وبعده سؤال عن الأحوال والإبن الذي فشل في عبور عامه الدراسي دون "ملحق"، وهو ما رأيته مشابهاً لما حدث بعد 25 يناير، التي تحتاج الآن لملحق ثورة، لعل وعسى نعبر الدور التاني بسلام. "نازل التحرير؟"، ذلك هو السؤال الذي أرّق المصريون على مدار أسبوع ويزيد، وتحمل إجابته على الرغم من قصرها في "نعم" أو "لا" اختبار حقيقي يجعل من الصعوبة حسمه، وخاصة لمن لم يحسم خياراته منذ البداية، وهو ما يشعل في الوقت ذاته الحوار والجدل والنقاش والخلاف في الشارع والبيت والعمل وعلى شبكات التواصل الاجتماعي التي يغطيها ضباب التخوين والعمالة، رغم أننا جميعا ندعي أن مصر أولاً. "نازل التحرير؟"، سؤال تتجلى صعوبته في تردد البعض في الإجابة عليه، ممن أصابتهم الأحداث بفقدان القدرة على تحديد بوصلة الاتجاه، وقيام البعض بتأجيل حسمه حتى قبيل ساعات قليلة من بدايته، ومنهم الإخوان المسلمين والسلفيين وأنصار حزب الوسط وغيرهم ممن اتخذ منحاهم ودار دورتهم. وهو ما يجعل السؤال المنطقي الوحيد عن شعور الأخ - أو الأخت أيضا - التي دافعت لأسابيع مضت عن عدم النزول، وماذا سيفعل عندما يأمره شيوخه وأساتذته بالنزول بين عشية وضحاها، وكيف يرى "مصر أولاً" في الحالتين. "نازل التحرير؟"، ذلك السؤال الذي حسم كثير من أهالي شهداء ومصابي يناير أمر إجابته رافضين رشوة ذات صبغة دينية تحت مسمى دية تدفعها وزارة الداخلية بوساطة سلفي شهير ليشيع دم الشهداء بين قبائل الوزارة. البعض الأخر وهم قلة قبل الدية المغموسة بدم الأبناء - سواء كانوا مسالمين أو مسجلين خطر-، والذين راحوا ضحية شعار لم يتحقق ولم تنعم به مصر بعد يقول: "عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية". وإذا كان "نازل التحرير؟"، هو سؤال قرار يصنعه صاحبه سائرا على درب من أعلنوها سلمية فلم يقابلهم إلا الرصاص والغاز والهراوات، لانهم رفضوا بقاء مصر في ذيل القائمة بعد العائلة والأقارب والمقربين. ولأن "نازل التحرير؟"، هو استفسار جلل يحسمه من يؤمون ميدان التحرير الآن للدفاع عن أملهم في وطن أجمل نستحقه تكون فيه مصر وأبناؤها أولاً وفي المقدمة. ولأن "نعم، نازل التحرير"، هي تلك الإجابة الوحيدة التي دفع ثمنها من رحل ولم يحاسب قاتليه حتى الآن، وسيشدو بها عشرات ومئات وآلاف يدفعهم الأمل في اكتمال الحلم للتخفيف من وطأة 30 عاماً من النزول الدائم "على الركب"، ظلت فيها مصر في المؤخرة. ولهذا فأنا شخصياً "نازلة التحرير" لأن مصر أولاً. المزيد من مقالات آمال عويضة