بين الواقع والطموح من يقرأ وثائق التخطيط والتحضير لحرب أكتوبر عام1973 سوف يجد أن الركيزة الأساسية لخطة الحرب كانت هي العمل علي تلبية الطموح المستهدف من قرار الحرب دون قفز علي الواقع الذي تحدده امكاناتنا المتاحة... ومن أرضية هذا الفهم الاستراتيجي الصحيح تحققت المعجزة وسقطت كل الأساطير التي كادت ترسخ في نفوسنا وتعمق الإحساس بأننا لا قبل لنا بهذا التفوق الكاسح لدي إسرائيل نتيجة الحملة الإعلامية الضارية التي أعقبت نكسة يونيو1967 واستهدفت تضخيم أوهام القوة التي لا تقهر حتي نعفي أنفسنا بالخوف من قبول مواجهتها! ولكننا للأسف الشديد بدلا من أن نجعل من نصر أكتوبر1973 دليلا ومرشدا لأهمية التوازن الدقيق بين الطموح والواقع فإن أفراح النصر- وهي مشروعة- سمحت لبعض محترفي السياسة بأن يبدأوا الارتداد التدريجي خطوة بعد خطوة نحو الإسراف في طرح الأحلام عن الرخاء القادم! ولأن هذه الأحلام- رغم مشروعيتها ولهفة الناس عليها- كانت تفوق في طموحها حقائق الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أخذت الفجوة في الاتساع بين الواقع والطموح حتي بلغت ذروتها في أحداث18 و19 يناير عام1977 والتي أعقبت صدور بعض القرارات الاقتصادية برفع أسعار بعض السلع, بينما كانت الآلة الإعلامية تروج للرخاء القادم ثم تكرر الأمر ذاته في أحداث الأمن المركزي عام1986 ووصل اتساع الفجوة إلي آخر مدي في السنوات العشر الأخيرة علي شكل احتجاجات واعتصامات شعبية وفئوية جسدت كل مساويء برنامج الخصخصة وأهمها عدم الالتزام بإحداث التوازن الدقيق بين الواقع والطموح! وربما يعتقد البعض أن القرارات والخطوات التي يتأني المجلس الأعلي للقوات المسلحة في اتخاذها عقب تحمله مسئولية إدارة الدولة بعد11 فبراير تبدو أبطأ من المتوقع ولكن الحقيقة أن حرص المجلس الأعلي علي الالتزام بالتوازن الدقيق بين الواقع والطموح يجيء فوق كل الاعتبارات! ومن يعرف ظروف مصر التي عانت في السنوات الأخيرة من اختلالات ملموسة بين نمو متزايد في السكان وانعدام عدالة التوزيع لعوائد التنمية والاستثمار لابد أن يدرك أن الأمر لا يحتمل أي نوع من المغامرة في سياسات الداخل والخارج وأن الخيار الوحيد يتمثل في إعادة الاعتبار لقيمة العمل حتي يصبح الإنتاج هو الغاية والمراد في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن.
خير الكلام: الذين ينثرون الأشواك علي الأرض أغلبهم من الحفاة! [email protected]