يكره صاحبنا الشيخ السلفي قدر كراهيته لإبليس أو أشد من كثرة ما سمع في الإعلام عن بعبع السلفية وعن مشايخ السلفية الذين يرتكبون جرائمهم وهم داخل بيوتهم أحيانا وأحيانا, أخري وهم نائمون, إلا أن صاحبنا يحب جدا الكاتب العلماني أو قل الليبرالي أو الحداثي أو التنويري, أو التجديدي, أو التغريبي أو الاستشراقي أو التبشيري كأشد ما يحب الإنسان الإنسان. فإذا سألت صاحبنا المحب والكاره في لحظة صدق مع النفس من تستأمنه منهما علي ابنك إن اضطررت إلي تركه مع أحدهما الشيخ السلفي أو الكاتب العلماني سنوات طويلة, أو ابنتك التي تحتاج إلي من يرعاها رعاية خاصة ويحافظ علي شرفها, أو إذا اضطررت إلي أن تترك أموالك مع أحدهما لتعود وتجدها لم تنقص أو لم يجحدها من تركتها معه؟. تجد الإجابة تأتي سريعة وسهلة هذه المرة لأن الأمر يتعلق بفلذات الأكباد والأموال فيقول حازما: (مع كراهيتي للشيخ السلفي إلا أن ابني أو ابنتي أو مالي في أمان معه, وليس مع الليبرالي الذي يملأ الفضائيات كلاما, والجرائد مقالات لو دققت النظر فيها جيدا وعدت إلي أرشيفه الخاص وراجعته لوجدته يناقض نفسه طوال الوقت, لكنه يفلت كل مرة بجريمته معتمدا علي ضعف ذاكرة الآخرين). وهكذا الإنسان وقت اللاعودة ووقت الشدة والكرب ينطق بالحق. وهكذا يعرف الناس من الصادق وغير الصادق من السلفيين أو العلمانيين, فالأوزان الحقيقية هي تلك الموجودة في الشارع, وفي الاجتماعات المفتوحة, وفي الاختلاط بالناس ومعايشتهم, والتواضع لهم, وحل مشكلاتهم, لا علي المنابر الإعلامية التي تدار من أشخاص بعينهم, ولمصالح بعينها, ولا في الأبراج العاجية التي ينظرون من خلالها للفقراء بازدراء, ولا بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع, اللهم إلا إثارة البلبلة والفتن, وشغل الناس بما لا ينفعهم لا في دنيا ولا في آخرة. وهذه الأوزان ظهرت وقت الشدة في سيناء, ووقت القتل والمعارك في السويس, ووقت اشتعال النيران في أطفيح وفي غيرها, ففي هذه الأماكن لم نر علمانيا واحدا, ولم يجرؤ أي منهم علي الاقتراب, لأنه يعلم تماما لا أحد سيسمعه أو حتي يعرفه. فالعلماني الذي يملأ شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد ليس له أتباع, ومن يقرأ له في معظمهم يكون من باب أن هذا هو المطروح في الجرائد ولا بديل, فلا يوجد من ينافسهم لاحتكارهم المجال الإعلامي. ولقد صدق خير من مشي علي البسيطة صلي الله عليه وسلم حين يقول: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء علي المال والشرف لدينه. فمن أجل الشهرة والاستمرار ضيفا علي القنوات في الاحتفالات والندوات يفعل أي شيء, ولو طلب منه دليل علي كل ما يقول لما وجد شيئا يقوله. وصدق من لا ينطق عن الهوي حين يحلل نفسية هؤلاء قائلا: تأتي عليكم سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب, ويكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخون فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة, قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: التافه من الناس يتكلم في أمور العامة. المزيد من مقالات عبدالفتاح البطة