علي مدي أكثر من نصف قرن ومنذ قيام ثورة يوليو2591 أخذت مصر بالنظام الرئاسي كنظام سياسي حيث كان السلطان المطلق للزعيم وتنحصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة كما يخضع الوزراء خضوعا تاما لرئيس الدولة وحده ولهذا الخضوع مظاهر متعددة أبرزها حرية الرئيس في عزل وزرائه, كما يشاء وحسب تقديره الشخصي. وكان الرئيس هو الذي يرسم السياسة الخارجية للدولة, كما يعتمد الرئيس علي أنصاره في البرلمان لتحقيق أهدافه, وقد أسفر الأخذ بهذا النظام في الدول النامية, عن فشل ذريع.. وتخلف وتباطؤ التقدم الاقتصادي, ففي ظل هذا النظام الذي يجعل للرئيس سلطة قوية خطيرة والسلطة القوية المركزة تؤدي الي الديكتاتورية وإذا تهاونت الي الفوضي, وتنعدم فيها ارادة الوزارة الخلاقة. وقد انتقد الفقه الدستوري النظام الرئاسي لأنه يمنح الرئيس سلطات مطلقة, ويؤدي ذلك الي الديكتاتورية, كما ان تركيز السلطات في يد رئيس الدولة وبقاء الرئيس في منصبه لفترات طويلة, يؤدي الي الفساد, أما النظام البرلماني فهو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم( السلطة) بين هيئتين إحداهما الحكومة أو مجلس الوزراء, وثانيهما البرلمان الذي يتم انتخابه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة ويجوز فيه للبرلمان سحب الثقة من الحكومة إذا فشلت في تحقيق أهدافها المرسومة, كما يجوز للحكومة حل البرلمان, فهو إذن نظام يعتمد علي التعاون والتوازن بين السلطات وعلي مسئولية الحكومة امام البرلمان وفق آليات محددة لا تستغل لاغراض المصالح الخاصة والمسئولية الفعلية يتحملها رئيس الحكومة. ولهذا فإن النظام البرلماني تحكمه قواعد محددة أهمها عدم مسئولية رئيس الجمهورية ذلك لأن الاختصاصات التي ينص عليها الدستور باسم رئيس الدولة تمارس من قبل الحكومة, أي مجلس الوزراء الذي يحصل علي ثقة البرلمان. وجدير بالذكر أن التقليد يجري علي ان يختار رئيس الدولة رئيس الوزراء من بين رؤساء الكتل البرلمانية الحائزين علي ثقة البرلمان ثم يختار رئيس الوزراء زملاءه الوزراء علي ان تقدم الوزارة بعد ذلك الي البرلمان للحصول علي ثقته, ولهذا فإن الحكومة تكون حرة التصرف ولكن في نطاق القواعد القانونية المقررة بحيث إذا تجاوزت حدود القواعد القانونية فإن تصرفها يكون غير مشروع, وبذلك يتضح ان النظام البرلماني يمكن أن يتلاءم مع الأنظمة السياسية في الدول النامية أكثر من النظام الرئاسي, ويلاحظ أن مجلس الوزراء يتم اختياره من حزب الأغلبية في البرلمان, والبرلمان هو الذي يمنح الثقة للحكومة كما سبق القول. وحينما اندلعت ثورة يناير المباركة.. كان من أهم أهدافها التغيير الجذري واعادة صياغة دستور جديد, يتضمن تغييرا جذريا في النظام السياسي والمؤسسات الدستورية ويقلص من سلطات رئيس الدولة, ولعل أهم طلب للثوار هو ضرورة الاخذ بالنظام البرلماني, وهذا النظام البرلماني يلزم لقيامه وجود هيئات سياسية تعتبر أركان النظام وأعمدته التي يرتكز عليها, وهو وجود برلمان منتخب انتخابا صحيحا من الشعب ورئيس دولة غير مسئول لا يمارس اختصاصات فعلية مع تأمين مدة الرئاسة ووزارة تكون مسئولة أمام البرلمان, وقيام علاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية علي أساس من التعاون مع وجود رقابة فعلية, وانتخاب رئيس البرلمان مدة الفصل التشريعي. ومن المعلوم ان من أسباب قيام الثورة هو غيبة الديمقراطية والفساد السياسي, وسيطرة الحزب الواحد علي الحكم, وسلطات الرئيس الواسعة التي جلبت علي البلاد والعباد النكبات وازدياد الفقر وتأخر الدولة وتخلفها, وكان الضحية هو الشعب بجميع فئاته. ولذلك فإننا نري أن النظام البرلماني هو الأصلح للتطبيق في مصر وفق الدستور الجديد الذي يتعين البدء بصياغته قبل إجراء أي انتخابات. ذلك أن النظام الرئاسي أصبح لا يتلاءم مع الواقع المصري, فالنظام الرئاسي إذا كان ناجحا في بلد ما ليس من المؤكد أن يكون ناجحا في دولة أخري, وتأسيسا علي ذلك فإن النظام البرلماني, هو ضرورة لاحداث التحول والنهوض بالدولة ولمواجهة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية وهو الذي يحقق المصلحة الوطنية ويقود البلاد الي التقدم.