تصفحت الإنترنت باحثا عن بعض المواد العلمية التي تخص موضوعا معينا, وبينما اتصفح تلك المواد إذ بي أعثر علي عدة مواقع لمعاهد علمية وجامعات أوروبية وكندية وأمريكية موجهة إلي شباب الباحثين والعلماءالمصريين تحثهم فيها علي الالتحاق بها وترصد لهم مميزات عدة مالية ومعنوية وعلمية, وبفعل هذه الدعاية وهي حقيقية, وجدت أن أكثر من10 آلاف باحث وأكاديمي مصري قد سجلوا فيها خلال هذا العام. هذه الواقعة جعلتني أبحث في ظاهرة نزيف العقول المتميزة خارج الوطن( هجرة العقول), فوجدت أرقاما مفزعة أولها أن عدد الكفاءات العلمية والفنية المصرية المتميزة يبلغ850 ألفا, ومعظمها يعمل في معاهد علمية وجامعات ومراكز أبحاث وشركات عالمية في الولاياتالمتحدة وكندا والدول الأوروبية, وثانيها أن من بين هذه الكفاءات50 ألف خبرة علمية وفنية مصرية, تحتل مواقع ريادية وقيادية في مؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في تلك البلدان, وثالثها أن500 ألف من هذه الخبرات المتنوعة الاهتمامات في سن الشباب وأقل من45 عاما, مما يعني أن هذه الفئة من شباب العلماء والخبرات العلمية المتميزة قد هاجرت في عصر مبارك وتركت مناخ الوطن الطارد للكفاءات إلي مناخات تغريها وتستقطبها. إن هذا الأمر يثير اشكاليات عدة: أولها أن النظام السابق قد مارس سياسة طرد الكفاءات وتجريف الوطن من قدراته العلمية التي كان يجب الاهتمام بها ووضعها في أولوياته, وكان ذلك جزءا في مسلسل الفساد الكبير, وثانيها كيف لوطن أن يبني بدون عقوله المفكرة المبدعة التي تطور وتبني قدراته العلمية والتكنولوجية في ظل تدهور أوضاع مؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر, وثالثها افتقاد مؤسسات القطاعين الخاص والعام لمراكز البحث والتطوير التكنولوجي واعتمادها علي سياسة التوكيلات وانتاج السلع الاستهلاكية. والأمر الغريب أنه في وقت يحتاج فيه الوطن إلي عقول شبابه, بعد ثورة بيضاء علي نظام فاسد, مازالت حركة هجرة العقول المصرية إلي خارج الوطن مستمرة والتحدي أمام نظام ثورة25 يناير الذي مازال يتشكل, هو كيف يمكن أن نجعل من مصر بلدا جاذبا لعلمائه وخبراته العلمية.