دائما ما أشعر بالقلق وأنا أقرأ دواوين الشعر العامية.. أشعر بأن لغتنا العربية الجميلة تنتهك.. وتفقد خصوصيتها وتكاد تتبعثر حروفها وكلماتها.. أحس بالجزع وأنا أري الكلمة تفرط في حروفها الأصلية وتتنازل عن قواعدها الحقيقية وتصير مشاعا في أيدي شعراء العامية.. ودائما ما أناصر اللغة الفصحي العربية.. أقف في صفها.. أساندها.. وأسعد كذلك بجمال سياقاتها وعباراتها.. ورغم المحن والعواصف التي تتعرض لها, فإنني أجدها دوما شامخة.. قوية معتدة بذاتها وفخورة بكبريائها.. لكنني هنا.. في هذا الديوان..( ويسترن يونيون- عن دار ميريت) للشاعر مصطفي إبراهيم أكسر القاعدة! هذا ديوان جميل لشاعر مصري شاب جميل, متمكن من أدواته.. المعاني واضحة في عينيه والكلمات قوية بين يديه.. مصطفي إبراهيم شاب في العشرينيات من العمر, لكنه يحمل فوق أكتافه تجارب وذكريات ومعاناة تفوق رجل عجوز هرم.. عاش واعترك الحياة لمئات السنوات.. يحدثنا عن الوحدة.. الإحساس بالاغتراب.. حينما يطرد المرء من بيته وفصله وبلده! ويحدثنا كذلك عن الإحساس بالخوف والترصد.. ثمة من يعدو خلفنا ويحصي خطواتنا.. وهناك سطور عن الفقد.. والغدر والشرخ الأول.. الأصدقاء الأعزاء الذين يسقطون منا عبر مشوار الحياة.. الإحساس بالندم.. الحب والشوق والرغبة.. والأيام التي تمضي سريعا والعمر الذي ينقضي.. كلمات تقطر منها المرارة وحب الحياة في آن! هذه كلمات حفيد بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين.. هذه بعض من أبيات الشاعر مصطفي إبراهيم.. أن تنطرد سبعة نوفمبر تبدأ سنين الشقا.. لاكن معرفش حتنتهي إمتا.. وتبدأ سنين العمر تتسرب بقي.. والعمر يعني مكنش بيجري من إمتا؟.. دنا لسه فاكر أول يوم في المدرسة.. وأول غياب مخدوش.. وأول تحية للعلم.. وأول طابور في الحوش.. وأول مرة أنطرد علي ذنب معملتوش.. ومن ساعتها ونا بنطرد.. ومبقتش فارق ف العدد.. ومن ساعتها ونا بنطرد.. م الفصل.. وم المدرسة.. وم البلد.. الإنسان أصله بالونة في حاجات لازم علشان نعرف.. درجة قوتها.. بنكسرها.. وحاجات ف إدينا.. عشان نعرف.. إننا عايزينها.. بنخسرها.. كدبت ف عمرك كام صاحب.. علشان كان نفسك تتطمن؟ وخسرت أصحابك واتطمنت.. طب كام بالون فرقعوا منك.. وانتا بتنفخهم ع الآخر؟ وعرفت آخرهم بس ندمت.. دلوقتي فهمت.. أنا عاوز إيه.. وأنا كنت بفرقع بلالين ليه.. أنا عاوز حاجة بدون آخر.. أو حتي بآخر ما اوصلوش.. كام حيطة ف ضهري.. أضرب وأهري.. ف بدنهم بس ما يتهدوش.. شيء مش مغشوش.. مضمون دايما.. من غير ما احتاج إني أتأكد.. أو حتي أخاف إني أتنكد.. لا يكون ف الآخر برضه فاشوش.. يا بشر عرفاني وعارفه أنا مين.. بلغوا أسفي لكل البلالين.. كلنا كنا ف يوم بالونة.. فقعتنا تجارب بني آدمين.. بلالين عايشين نفسها تلقي.. حد يصدق ويقدرها.. متأكد من إنه عاوزها.. من غير ما يجرب يخسرها.. لأول مرة لأول مرة نفس الباص ما يوصلش.. وأول مرة نفس الناس.. متستعجلش ف السواق.. الفرحة تمللي معايا ليه متكملش؟ وتمللي أسيبك ليه ياست الناس.. ونا مشتاق؟.. تايه في الزحام مين فينا عارفك يارب.. ومين فينا لأ.. مين اللي فينا لو قال باحبك.. قالها بحق واحد بدقن.. بيقول حلال ويقول حرام.. وللا فواعلي أرزقي شادد الحزام.. وللا خمورجي استسمحك قبل ما نام.. وللا عيل لسه معرفش الكلام.. وللا حاطلع أنا اللي عارفك.. أنا اللي تايه في الزحام..