نعم.. الدنيا ليست كل شيء, بل لو قارناها بالآخرة لكانت لا شيء.. ولكن بالنسبة لمصائرنا في الآخرة فهي كل شيء!! لأننا فيها لكي يتم فرزنا وتصنيفنا, كما يتم فرز المنتجات الصناعية.. هذا فرز أول يعتبر أعلي درجة, وهذا فرز ثان به ديفوهات عيوب, ولكنها لا تحول دون طرحه في السوق بسعر أقل من الفرز الأول, وثالث لا يصلح لطرحه في الأسواق من أساسه ويتم إما إعدامه وإما التصرف فيه بشكل غير ربحي.. هكذا نحن.. المؤمنون الذين عملوا الصالحات, وبذلوا قصاري جهدهم ابتغاء وجه الله وطمعا في مرضاته, واستغفروا لذنوبهم كلما وقعوا في الذنب, هؤلاء هم الفرز الأول بين البشر, وهؤلاء هم السابقون والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين علي سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين, كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون( الواقعة:10 24). أما المؤمنون الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فقد جاء ذكرهم في الآية الكريمة وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسي الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم( التوبة:102) هؤلاء هم الفرز الثاني, وهم أصحاب اليمين في الجنة, أما الذين استحبوا دنياهم علي آخرتهم, ولم يذكروا الله إلا قليلا, وارتكبوا من الذنوب كبائرها وصغائرها ولم يتوقفوا, ولم يئوبوا إلي الله قبل أن تحل آجالهم, فهؤلاء هم الفرز الثالث وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة( الواقعة:9). فالدنيا ليست كل شيء.. نعم, والدنيا ليست بشيء.. نعم, والدنيا هي كل شيء.. أيضا نعم. الدنيا هي كل شيء بالنسبة للإنسان الذي يسعي في الأرض.. إما يسعي فيها بعمل الخيرات, وإما يسعي فيها فسادا.. وسوف يقوم كل واحد حسب سعيه فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون( الأنبياء:94) ولسوف يتلقي كتابه بيمينه فيقرأه وهو فرح مسرور, ويذهب إلي أهله داعيا لهم أن يقرأوا كتابه فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية( الحاقة:19 24). أما الذي يسعي في خرابها أو يسعي فيها فسادا, فسوف يجد سعيه هذا مسطورا في صحيفته التي يتلقاها بشماله وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه( الحاقة:25 31). أما الدنيا في حد ذاتها فلا قيمة لها, لأسباب كثيرة أهمها أنها فانية.. فما نحصل عليه فيها من متاع أو أموال أو من زخرف الحياة الدنيا أيا كان.. سوف لا يبقي لنا, فنحن تاركو هذا كله, يوم ندخل قبورنا انتظارا ليوم القيامة, الذي نخرج فيه للحساب والجزاء. وأما أنها ليست كل شيء, فهذا طبيعي, لأننا ونحن فيها لا نجد السعادة التي ننشدها ونبحث عنها, مهما أوتينا من كل شيء.. فالسعادة التي نبحث عنها ليست في الدنيا قطعا.. بل في الجنة وحسب, وهذا ما يؤكده العليم الخبير وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ( هود:108).