أمهله القدر أربع سنوات... فقط... ليعيش حياة قصيرة مليئة بالألم والخوف.. اختتمها بحادث مؤلم ومثير.. يتجاوز وقع الشقاء والهرب والفزع.. والأمل في مستقبل أفضل بعد طول يأس وعناء.. أحمد ممدوح عبد العزيز..19 سنة. قرر الفرار من ضيق الحياة في عزبة الخصة مركز منيا القمح.. والقي بمصيره الي المجهول.. وتحدي الموت لأيام, ظل جسمه الصغير الواهن محشورا داخل مراكب الموت التي تحمل أوهاما كبيرة في عقول صغيرة, تخاطر بوجودها من أجل سراب.. حتي لاحقه الموت.. في ميلانو!!. فراق واهن... ذلك الذي يتذكره أحمد لحظة وداع أسرته الصغيرة.. المكونة من والدين يائسين.. وشقيقين وأخت تصغره بأشهر معدودة.. وهو يودعهم, للمرة الأخيرة.. كلهم ودعوه علي أمل العودة بعد تحقيق طموحات الأسرة الصغيرة في الثراء التي أوفدت بكرها الي المجهول وعمره لايتجاوز15 عاما. ونجا أحمد من غدر الأمواج الشاهقة التي قذفت في النهاية قارب الموت علي ساحل جزيرة لمبيدوزا بالجنوب الايطالي, وتمكن مع رفقاء المغامرة البحرية من التسلل الي محطة القطار الرئيسية للجزيرة والسفر إلي ميلانو, المدينة المشهورة بتجماع شباب أهل الريف المصري.. الذين ربما يقارب عددهم تعداد مواطنيهم في نفس القرية وبنفس الكثافة.. حيث يصل تعداد أبناء قرية صغيرة مثل ميت سهيل لأكثر من6 الاف شاب.. ولا يمكن إحصاء دقيق لشباب مركز ميناء القمح, أو قري المنوفية, وقرية كلا الباب التي يتعامل فيها أسر الشباب المهاجر الي ميلانو, بالقرية المصرية بالعملة الأوروبية اليورو!!.. وكأنهم في إيطاليا. لجأ أحمد ألي أقاربه بشارع بادوفا الذي يشبه مبني الأممالمتحدة.. لكنه غائرا في عمق الأرض, كالجذور حيث يضم كوكتيل شاملا من الأجانب, ولايماثله في الاعتبار والانضباط. وأدركت السلطات الإيطالية حداثة سنه, فشملته بشيء من الرعاية, وألحقته بمدرسة لتعلم اللغة الإيطالية وتلقينه حقوقه وواجباته باعتباره قاصرا لم يصل بعد الي سن الرشد!! من أجل حمايته من براثن مجتمع مفتوح ملغم بالجريمة العشوائية, وأيضا المنظمة.. تبدأ بالانحراف وتمر بالمخدرات, وتفضي غالبا الي السجن! وانتظم أحمد في الدراسة حتي لمع في مقلتيه بريق المال... فترك التعليم والتحق بالعمل مساعد خباز بيتزا لدي أحد الإيطاليين, وشهد اليورو لأول مرة.. وراوده خاطر إسعاد اسرته بإرسال المتاح من المال.. لكن غلاء المعيشة حال دائما دون أداء واجب مساعدة أسرة صغيرة.. تنتظر مثل فراخ الطيور من يؤمن لها حد أدني من المعاش. وجاء موعد تجديد الإقامة الرسمية, من قاصر الي بالغ!! وتوجه الي قسم شرطة الأجانب يحمل تعاقد عمله في البيتساريا صباح يوم الجمعة الموافق12 فبراير الحالي.. لمدة خمسة أعوام, قضي بها يوما واحدا فقط, وترصد القدر مساء اليوم التالي الموافق السبت, ليتورط في شجار, يقع يوميا في كل بقاع العالم, وليس فقط في ميلانو.. انتهي بمأساة.. قتله.. أو ذبحه.. ان جاز الوصف! حكايات وتفاصيل يسردها المقربون لأحمد في السكن والعمل, وأصدقاء الحي, والمقهي الذي يجمعهم دائما, خاصة في متابعة مباريات الدوري الإيطالي الذي يعشقونه ويشهد أحاديثهم, وضحكاتهم, وأحلامهم, في الاستقرار والثراء أيضا. أما اليوم المشئوم فيحكيه ابن عم والده.. حسن أحمد عدلي عبده المقيم في ايطاليا منذ12 عاما, ويعمل فنيا في هيئة النقل العام بميلانو, فيقول إنها كارثة بكافة المقاييس, الابن الأكبر, لا يتجاوز عمره19 سنة, لأسرة صغيرة.. ألقت أملها وطوق نجاتها علي كتف أحمد الذي سقط صريعا ضحية مشاجرة فارغة.. ليس لها أصل!! وقال حسن كان أحمد مع اثنين من الأصدقاء أحدهما مصري والاخر سنغالي, عائدين الي المنزل, حيث استقلوا الأتوبيس من محطة لوريتو للوصول الي البيت, وهي محطة واحدة!! محطة واحدة.. كانت بداية ونهاية.. ومع زحمة الأتوبيس وتقارب الأرجل.. حدث التلامس.. ثم التلاسن.. ثم الشجار الذي أراد أحمد انهاءه بترك الاتوبيس, ولم يشأ خمسة من مواطني بيرو الذين طاردوا أحمد ومن معه, حتي انطلق الصياح الصراخ المثير لانتباه المارة, الذين فوجئوا باستلال أحد المعتدين سكينا وطعن به أربع طعنات صدر الضحية, الذي عاد بعد ابتعاده عن المعتدي, وجسده ينزف دما ليرد اعتباره, الا انه سقط يطلب الاغاثة الحقوني.. ساعدوني.. وعينان زائغتان, لا تجد لها مستقرا.. تعكس هول الاحساس بالغياب والألم والإهانة.. وجسد يحتضر.. وتوقف الشارع برهة من زمن.. مذهولا قبل ان يعي البعض ما حدث.. فيتسابقون من خلال التليفون المحمول الاتصال بالاسعاف والشرطة.. وجري آخرون وراء المعتدين الذين لاذوا بالفرار هاربين من جرمهم, حتي اختفوا عن الأنظار. وعن عيون الشرطة, حتي كتابة هذه السطور. وفشلت سيارة الاسعاف في سباقها مع القدر.. وانتقلت روح أحمد الي بارئها.. وانتشر الخبر كالبرق. واحتقنت القلوب حزنا وغضبا, تحولا الي انتفاضة ضد المحال التجارية التابعة لمواطني بيرو في نفس الشارع الذي كان مسرحا للحادث, وتفشت موجات الشغب والتخريب التي شارك فيها معظم المهاجرين العرب وكثير من الايطاليين الذين أفزعهم وآثارهم هذا الإجرام البشع. والقسوة التي قد لا تشاهد حتي في الحروب! وتدخلت الشرطة, بطبيعة الحال, وقامت باعتقال37 مصريا تم الافراج عن32 منهم وترحيل مصري لم يكن بحيازته أوراق اقامة رسمية, وجهت لخمسة منهم تهم التحريض علي العنف والتخريب وإثارة الشغب, مع تحميلهم تعويضات الخسائر المادية. وتعتقد مصادر أمنية ان الجناه ينتمون الي عصابات يطلق عليها لاتينوس شيكاغو وتضم أعدادا كبيرة من مواطني بيرو ويسعون لفرض سيطرتهم علي الشوارع المحيطة, ولهم أنشطة تتعلق بالدعارة والمخدرات, مما أساء لسمعة شارع بادوفا الذي يحرص كثير من سكان المنطقة علي عدم التجول به ليلا. وعن أوضاع المصريين في ميلانو.. يقول السفير عمرو عباس القنصل العام المصري في إقليم لمبارديا بالشمال الايطالي انه يمكن تقسيم المصريين في ميلانو الي ثلاث شرائح.. تتعلق بالقياس الزمني.. ومن ثم الاجتماعي.. حيث تضم الشريحة الأولي المصريين القادمين لايطاليا من أكثر من20 و30 عاما علي الاقل, وهم الان رجال أعمال معروفون ومندمجون في المجتمع الايطالي, ويملكون سلسلة مطاعم ومعارض سيارات وغيرها, بينما تنتمي للشريحة الثانية من يقيم في ايطاليا لفترات محدودة تتراوح بين5 و7 سنوات, جاءوا في ظل ظروف اقتصادية مختلفة عن الشريحة الأولي, ويبحثون عن عمل ويسهمون في قطاع الخدمات الفندقية والمطاعم وغيرها, بينما الشريحة الثالثة تمثل الهجزة غير الشرعية التي تأتي غالبا عن طريق البحر. والشكل العام للجالية المصرية في ميلانو جيد ومشرف فهي جالية فعالة تسهم في صياغة المجتمع السليم متعدد الثقافات.. وهي بشهادة القيادات الايطالية جالية محترمة ومعظمهم من المقيمين المنتظمين, ويصل تعدادهم إلي27 ألفا و400 نسمة بجانب قلة محدودة من الهجرة غير الشرعية, من الصعب تحديد رقم نهائي بشأنهم. ..والقبض علي مصري خامس في تحقيقات ميلانو ميلانو من هند السيد هاني: إعتقلت السلطات الإيطالية قبل ساعات مواطنا مصريا خامسا متهما بالتورط في أعمال العنف التي نشبت مساء السبت الماضي في اعقاب سقوط الفقيد المصري. وتجري حاليا التحقيقات مع أربعة مصريين لايزالون قيد الاعتقال في سجن سان فيتروريو بمدينة ميلانو شمال إيطاليا, في الوقت ذاته يجري فريق من المحققين الإيطاليين تحرياتهم حول أفراد العصابات اللاتينية في المدنية في محاولة للكشف عن الجناة والقاء القبض عليهم. من جانبه عبر إمام مسجد ميلانو محمود اصف عن أمله ب ألا تؤدي الاحداث المؤسفة التي شهدها شارع بادوفا إلي أن تقوم السلطات بعزل الحي بعد أعمال الشغب التي اندلعت شمال شريامدينة إثر مقتل شاب مصري علي يد مهاجرين من أمريكا الجنوبية. وطالب الإمام في تصريح لوكالة( أكي) الإيطالية للأنباء بوجود مكثف للحكومة ولكن ليس فقط بشكل قوات أمنية, وادان الأمام أعمال العنف التي تسببت في الكثير من الازعاج, وأكد ان بيت الثقافة الإسلامية الذي يدير مسجد ميلانو في فيا بادوفا يعمل من أجل تهدئة الجالية المصرية وترك السلطات المختصة استكمال تحقيقاتها حول ملابسات الحادث. ووصف الشيخ محمود وجود الشرطة بالضرورة, لكنه دعا الي تدخل جدي وحاسم من جانب المؤسسات الاجتماعية من خلال فتح أماكن التجمع وإطلاق مبادرات لمساعدة المهاجرين علي الاندماج, للحيولة دون ايجاد غيتو للمهاجرين بالحي. وحذر الإمام من محاولة إستغلال بعض الساسة هذا الحادث الفردي لصالحهم منوها إلي انه يجب ان نعمل سويا لجعل شارع يا بادوفا مثالا للتكامل ونموذجا للتعايش السلمي علي حد وصفه. وكان مجموعة من المصريين وعرب من شمالي إفريقيا تقدر بنحو مائة شخص قد قاموا ليلة السبت الماضي بأعمال شغب بميلانو بضاحية بادوفا حيث قاموا بتحطيم بعض السيارات وواجهات المحال الزجاحية أثر مقتل شاب مصري19 عاما علي يد مجموعة من مهاجري أمريكا اللاتينية بعد مشاجرة نشبت بينهما بحافلة نقل عام. وتدرس السلطات الإيطالية حاليا اقتراحات بتقديم مجموعة حوافز للمهاجرين المكدسين في فيا بادوفا وغيره من الأماكن المماثلة للانتقال للعيش في مناطق اكثر رحابة, وذلك في محاولة لتحفيز الاندماج المجتمعي بتوزيع المهاجرين والحد من الكثاقة الزائدة لهم في مناطق بعينها. وشكرا للسفارة المصرية الشرقية نرمين الشوادفي: وجهت أسرة الفقيد الشاب أحمد ممدوح الذي راح ضحية الحادث الغادر الأخير بميلانو الشكر للسفارة المصرية والقنصلية والجهود الدبلوماسية لاستعادة جثمان نجلهم وتمكينهم من دفنه بمسقط رأسه بقريته ليكون بالقرب منهم وزيارته بعد أن حرموا رؤيته قبل وفاته, وقالوا انهم منذ تلقيهم النبأ وهم في جزع وترقب انتظارا لرؤيته والقاء النظرة الأخيرة عليه ووداعه خاصة عقب إعلان السفارة إنتهاءها من اجراءات شحن الجثمان. ومن جهته قرر المستشار يحيي عبد المجيد محافظ الشرقية توفير سيارة خاصة لمرافقة أسرة الفقيد للمطار لاصطحاب الجثمان مع تكليف محمد لمعي رئيس مركز ومدينة منيا القمح بتقديم التيسيرات ومد العون للأسرة المكلومة حتي دفن الجثمان بمثواه الأخير بقرية عزبة الطوخي بمنيا القمح.ومن جهة أخري توافد عدد كبير من رجال ونساء القرية الي منزل الفقيد لمواساة أسرته في مصيبتهم ليغطي اللوان الأسود البلدة بكاملها حدادا علي ابنهم.