من بين المخاطر التي تحيط بالمواطن المصري حاليا محاولات إلغاء كل ما صدر من قرارات قبل قيام ثورة يناير, حتي إن كانت في صالح المواطن, لمجرد أنها صدرت في عهد النظام السابق للثورة. آخر هذه المحاولات كانت من إحدي المؤسسات الأهلية برفع دعوي لإلغاء الفحص الطبي لراغبي الزواج, غير أن القضاء الإداري رفض الدعوي وأيد قرار وزيري الصحة والعدل بإجراء الفحص بما يؤكد أهميته وما اتخذ بشأنه من خطوات للتحفيز علي الالتزام به, آخرها التي اتخذت منذ أسابيع قليلة تخفيض تكلفة إصدار الشهادة بنسبة 50 % وقد سبق هذه الخطوة وضع ضوابط لجعل هذه الشهادة غير قابلة للتزوير بعد توحيدها من قبل وزارة الصحة وتزويدها بعلامة مائية وتحديد جهات إصدارها وعدم قبول سواها لتوثيق عقد الزواج من قبل وزارة العدل. وراء هذه الإجراءات قصص وروايات وجهود وتكاليف باهظة تحملتها وزارة الصحة للحفاظ علي صحة الأسرة وسلامة نسلها, وبقي علي الشباب التمسك بها لما لها من أهمية تكشفها السطور القادمة. فحتي أكتوبر الماضي كانت الضوابط لإصدار الشهادة بصورة صحيحة غير كافية, والغريب ان الشباب كانوا يسعون أو يجبرون علي استخراجها بطرق ملتوية أو بأساليب خاطئة, والغريب أيضا أن بعض المقبلين علي الزواج يفكرون في كل ما يتعلق بزواجهم من تجهيزات ومفروشات وتفاصيل حفل الزفاف ولا يتذكرون انه مطلوب إجراء فحص طبي إلا قبل الزواج بأيام, والأغرب أنهم عندما يكتشفون أن هناك عيبا في الغسالة أو الثلاجة يرفضونها ويلجأون إلي جهات حماية المستهلك للحصول علي حقهم, في الوقت الذي لا يحركون ساكنا اذا توجهوا لاجراء الفحص الطبي, والحصول علي الشهادة ووجدوا ان إجراءات استخراجها غير سليمة, لأنهم ربما لا يدركون أهمية هذه الفحوصات لمستقبلهم. لذا قامت وزارة الصحة بتنفيذ برنامج رعاية ما قبل الزواج الذي يتضمن تقديم حزمة من الخدمات لهؤلاء الشباب من بينها التوعية بأهمية الكشف الطبي وإجرائه. فكما يوضح د. خالد العطيفي استشاري أمراض النساء والتوليد ومنسق البرنامج. انه بصدور قانون الطفل الذي نص علي أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج بدون إجراء فحص طبي, أصدر وزير الصحة قرارا خاصا بفحص راغبي الزواج مما استلزم وجود برنامج قومي لخدمات رعاية ما قبل الزواج. وأضاف انه كانت هناك جهات عديدة تقوم بإصدار شهادة الفحص الطبي لراغبي الزواج مما فتح الباب لاصدار شهادات دون إجراء الكشف فعليا أو غيره من المخالفات, غير انه منذ أكتوبر الماضي تم توحيد صورة الشهادة بما لا يدع مجالا للتزوير, وتم تحديد الجهات المخولة بإصدارها وحصرها في نحو 600 منشأة صحية من مراكز ومستشفيات تابعة لوزارة الصحة, تم اختيارها بناء علي شروط وضوابط محددة تضمن تقديم الخدمة بأعلي مستوي من الجودة, كما تم تدريب الفريق الطبي من اطباء وممرضين واخصائيي تحاليل وفنيي المعمل ووضع خطة مستمرة لتطوير الخدمة والتوسع بها. وكانت الخدمة تقدم نظير80 جنيها تم تخفيضها بعد الثورة الي 40 جنيها مقابل الحصول علي شهادة معتمدة بناء علي اجراء مجموعة من الفحوص, التي تنقسم الي فحوص إلزامية تشمل صورة دم كاملة, وتحديد عامل ال( آر أتش) وتحليل سكر عشوائي, بالاضافة الي فحوص تكميلية, وهي اختيارية. يشير د. خالد العطيفي الي ان الشهادة لا تعني أن الشاب او الشابة لائق أو غير لائق للزواج وانما تعني إعلامه بحالته الصحية وما إذا كانت هناك مشاكل تتعلق بصحته العامة او الإنجابية. ويطمئن د. خالد الشباب علي ان استمارة الكشف التي يوقع عليها طالب الشهادة بالعلم وببصمة الإصبع سرية, كما يرجوهم اجراء الفحوصات قبل الزواج بفترة كافية لأن بعض الأمراض المعدية إن وجدت يجب علاجها قبل إتمام الزواج, موضحا أن هذا لن يؤثر علي مدة صلاحية الشهادة, فعلاج هذه الأمراض قد يتطلب أياما أو أسابيع في حين أن صلاحية الشهادة ستة أشهر, كما يرجوهم عدم التساهل في الحصول علي حقهم في الكشف والاطمئنان علي صحتهم, ومن لم يحصل علي هذا الحق يمكنه التوجه إلي مديرية الصحة التابع لها المنشأة الصحية للإبلاغ. ولكن هل تكفي هذه الفحوصات التي حددتها الوزارة لضمان صحة الزوجين وأبنائهما في المستقبل أم أن هناك فحوصات أخري يجب إجراؤها؟ وهل يكفي إبلاغ مديرية الصحة أم أن هناك إجراءات أخري يمكن اتباعها؟ الجزء الأول من السؤال تجيب عنه د. نجوي عبد المجيد أستاذ الوراثة البشرية بالمركز القومي للبحوث موضحة أن هناك ثلاثة أنواع من الفحوصات يجب إجراؤها للمقبلين علي الزواج, الأول لتجنب الأمراض الوراثية والثاني لبيان قدراتهم علي الإنجاب, ثم فحوصات أخري للأمراض المعدية التي قد تنتقل من خلال الاتصال الجنسي. وترجع أهمية هذه الفحوصات والتحاليل لدورها في منع انتقال الأمراض غير الظاهرة للذرية القادمة, وأهم هذه الأمراض انيميا البحر المتوسط, والاكتشاف المبكر للأمراض التي تؤدي للعقم والأمراض المزمنة, ومرض السكر عند الأم, بالإضافة إلي أن هناك تقييما للتاريخ العائلي للشباب وذلك للكشف عن الأسباب التي تؤدي الي التشوهات الخلقية وضمور العضلات وتشوهات القلب والقناة العصبية وخلل التمثيل الغذائي, وتزداد أهمية هذا الفحص في حالة زواج الأقارب. وهناك بعض الامراض التي يمكن تجنبها وعلاجها قبل الزواج مثل الأسباب التي تؤدي إلي تشوهات الشفة الأرنبية في الأطفال, ويمكن تجنبها باعطاء الأم الحامل حامض الفوليك وضبط معدل السكر في الدم. كما يمكن من خلال الفحص أيضا معرفة الأمراض التي يمكن أن تنقلها الأم للأطفال خاصة الذكور مثل هشاشة كروموسوم( اكس) التي ينتج عنها ولادة طفل مصاب بالتشنجات الصرع. وتوضح د. نجوي أن هذا لا يعني منع زواج الأقارب ولكن ضرورة مراقبة ومتابعة الأمهات بعد الزواج. أما الشق الثاني من السؤال, فيجيب عنه خليل مصطفي-المستشار بمحكمة الاستئناف موضحا في البداية انه عند تعديل قانون الطفل استحدث نص جديد يشترط لتوثيق الزواج أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر في حياة أو صحة كل منهما أو علي صحة نسلهما وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص, ويصدر بتحديد تلك الأمراض وإجراءات الفحص وأنواعه والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لذلك. وبنص المادة 31 مكرر من القانون 143 لسنة 1994 , أصبح إجراء الفحص إلزاما ولكن اذا كانت هناك عيوب في الإجراءات أو انواع الامراض أو الجهات المكلفة يتم التعديل بقرار من وزير الصحة لتلافي ماقد يظهر من سلبيات في اثناء التنفيذ, وهذا ما تم بالفعل حيث انه اصدر قرارا عام 2008 لوزارة الصحة وتم تعديله في 2010 لتلافي ما ظهر من سلبيات. ولكن تبقي ضرورة مراجعة تلك الإجراءات حتي لا يقع المسئولون عن هذا الفحص في حيرة اذا تم زواج واكتشف الزوج أو الزوجة ان الطرف الآخر حامل لمرض علي الرغم من حصوله علي شهادة تفيد أنه خال من تلك الامراض, فقد يعود الطرف المتضرر إلي الجهة المصدرة لهذا الفحص بالمسئولية المدنية والتعويضات المالية, هذا فضلا عن تفريغ هذا النص من مضمونه.