إن فضل علماء المسلمين علي الغرب حقيقة وذلك بشهادة مفكرين غربيين منصفين, حيث شاع في زماننا من يتهمون المسلمين بأنهم أجهل شعوب الأرض وأكثرهم همجية, وتفنيدا لهذه الترهات التي يروجها من تربوا علي موائد الغرب ورضوا بالخنوع والهزيمة الداخلية. نوضح أولا مكانة العلم في الإسلام ثم نأتي بشهادة مفكرين غربيين علي عظمة علماء المسلمين وتتلمذ علماء الغرب علي أيديهم. حقا لقد عظم الإسلام شأن العلم وحث علي طلبه والسعي إليه, ورفع مكانة العلماء وشرفهم بأن جعلهم ورثة الأنبياء فقال ربنا سبحانه: وقل رب زدني علما طه:114, والإسلام جعل للعلم والعلماء مكانة عظيمة وفضل العلماء بعلمهم فقال تعالي: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المجادلة:11, ورفع القرآن منزلة العلماء وجعلهم أهل خشيته وقرن شهادتهم بشهادته تعالي وشهادة ملائكته, فقال هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب الزمر:9, وقال عز وجل إنما يخشي الله من عباده العلماءفاطر:28, وقال سبحانه شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة وأولو العلمآل عمران:81. ولقد حثنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم علي العلم وطلبه, حيث قال طلب العلم فريضة علي كل مسلم فيض القدير وقال أيضا من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلي الجنة والإسلام جعل العلم متاحا للجميع لا فرق بين غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود, فقد قرر الإسلام أن يعامل الناس جميعا علي قدم المساواة في الحقوق العامة كحق التعليم والثقافة بدون تفرقة بين شريف ووضيع, ولا بين غني وفقير, ولا بين مسلم وغير مسلم ولا بين رجل وامرأة, فالعدالة الإسلامية لها ميزان واحد يطبق علي الناس جميعا. ولقد أشار بعض المنصفين من الغربيين إلي دور المسلمين وما أسهموا به من إنجازات علمية بعد أن مارسوا المنهج العلمي الصحيح باتباعهم الطريقة العلمية في البحث, فمثلا, تقول الدكتورة زيغريد هونكة في كتابها شمس الله تسطع علي الغرب إن الإغريق تقيدوا دائما بسيطرة الآراء النظرية, ولم يبدأ البحث العلمي القائم علي الملاحظة والتجربة إلا عند العرب وتقول هونكة لم يكن مستوي روجر بيكون العلمي في الكيمياء أرفع من معاصريه, إلا أنه رأي في التجربة التي أخذها غن العرب السبيل الحقيقي للوصول إلي نتائج حاسمة في العلوم الطبيعية,... وتقول أيضا: إن أثمن هدية قدمها العرب لأوروبا هي منهج البحث الذي لولاه لبقيت أوروبا في همجيتها. وقال فون كريمر في كتابه مناهج العلماء المسلمين في البحث: إن أعظم نشاط فكري قام به العرب يبدو لنا جليا في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم, فإنهم كانوا يبدون نشاطا واجتهادا عجيبين حين يلاحظون ويمحصون, وحين يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة, أو أخذوه من الرواية والتقليد, ولذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيرا عندما يكون الأمر في نطاق الرواية والوصف. وقالغوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: إن علم الجراحة مدين للعرب بكثير من مبتكراته الأساسية, وظلت كتبهم فيه مرجعا للدراسة في كليات الطب إلي وقت قريب جدا, فكانوا يعرفون في القرن الحادي عشر من الميلاد غشاوة العين بخفض العدسة أو إخراجها, وكانوا يعرفون عملية تفتيت الحصاة.. وكانوا يعرفون صب الماء البارد لقطع النزف, وكانوا يعرفون الكاويات والفتائل, وكانوا يعرفون المرقد, أي المخدر الذي ظن أنه من مبتكرات العصر الحاضر وذلك باستعمال الزؤان لتنويم المريض قبل العمليات المؤلمة, حتي يفقد وعية وحواسه. بعد كل ماسبق لا يجرؤ أحد أن يتهم المسلمين بالجهل والتخلف إلا أن يكون مغرضا أو في قلبه مرض.