أثار أعضاء هيئة تدريس الجامعات المصرية قضية بالغة الأهمية خلال اجتماعه الأخير بداية الأسبوع الجاري وهي واقعة تدني حوافز المشتغلين بالبحث العلمي . وأعلن الأساتذة أنهم لا يرغبون سوي في تحقيق مطالب الاكتفاء الذاتي . في ظل ارتفاع الأسعار الذي طال كافة المستويات . ترك الأساتذة محاضراتهم وجاءوا إلي الاجتماع ليعلنوا عن تدني أوضاعهم وأنهم يعيشون مرحلة حرجة. لا شك أنها سوف تنتقل تداعياتها علي الحياة العلمية والبحثية. في ظل حالة التنافس العلمي والمعرفي التي تسيطر علي العالم . وهذا يؤكد لنا السبب في خروج الجامعات المصرية من قوائم ترتيب وتصنيف الجامعات العالمية.والذي جاء بناء علي الأبحاث العلمية حيث لم ينل بحث واحد من بينها بتقدير اللجنة التحكيمية . في حين ضمت القائمة 47 بحثًا من إسرائيل بمفردها . ويفسر لنا سبب وصولنا إلي نسبة الضعف في الأبحاث العلمية المقدرة بحوالي 70%. وتكتمل منظومة الحزن بما أعلنت عن الإحصائيات بفوز تسعة علماء إسرائيليين بجوائز نوبل. بينما حاز العرب علي 6 جوائز. ثلاث منها بدوافع سياسية. لأن إسرائيل تنفق علي البحث العلمي ضعف ما ينفق في العالم العربي. فبلغ مجموع ما أنفقت إسرائيل علي البحث العلمي غير العسكري ما يعادل حوالي 9 مليارات دولار حسب معطيات 2008. كما تنفق إسرائيل ما مقداره 47% من إنتاجها القومي علي البحث العلمي. وهذا يمثل أعلي نسبة إنفاق في العالم. بينما تنفق الدول العربية ما مقداره 0.2% من دخلها القومي والدول العربية في آسيا تنفق فقط 0.1% من دخلها القومي علي البحث العلمي. القضية الخطيرة والجادة تنقلنا إلي مطالعة ما أورده الإسلام عن تكريم العلماء ودعم البحث العلمي . حتي أن الرسول صلي الله عليه وسلم . عندما تحدث عن الدنيا ووصفها بأنها ملعونة وملعون من فيها إلا ذكر الله . وعالم ومتعلم .ونبه المولي تعالي عن الفرق بين العالم وغيره. في قوله تعالي : قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . وهذا ما يجسد حقيقة العالم الإسلامي المعاصر الذي فقد العلوم والمعارف بينما يتقدم الغرب خطوات واسعة في ذلك المجال الحيوي المهم. د. حسين عويضة رئيس نادي هيئة تدريس الأزهر أوضح أن العلماء ورثة الأنبياء. وقد أوضح الرسول صلي الله عليه وسلم فضل العالم علي العابد كفضله علي أدني الناس عملا . ولكن ما نواجهه في العصر الحاضر يكشف أبعادا سلبية تلقي بظلالها علي المستقبل الإسلامي في العالم . فالأبحاث العلمية لدينا في حالة متدنية تعيش البيروقراطية بأبشع صورها فالتعامل مع العالم والباحث يتم وكأنه مع موظف إداري . علي الرغم من أن الله تعالي أعلي شأنهم بقوله سبحانه : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقصر سبحانه خشيته علي هؤلاء العلماء من الباحثين الذين يتوصلون إلي المعارف والآيات الكونية التي تدل علي عظمة الخالق . أشار لذلك سبحانه في قوله تعالي : إنما يخشي الله من عباده العلماءُ . ومع هذه العناية الإسلامية بالعلوم والعلماء نجد الكارثة المعاصرة أن العلماء والباحثين يلهثون وراء لقمة العيش . وبالتالي لن نجد بحث علمي ولا حضارياً ولا أي شيء آخر . ونخرج صفر اليدين من سباق الجامعات العالمية . فلا يعقل أن نشغل الباحث بلقمة العيش ونطالبه بالبحث والإنجاز العلمي. أضاف: أوضح رسول الله صلي الله عليه وسلم أن من سلك طريقاً يطلب فيه علماً. سهل الله له به طريقاً إلي الجنة. وأنّ الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به. وانه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض. حتي الحوت في البحر. وفضل العالم علي العابد. كفضل القمر علي سائر النجوم ليلة البدر. وإن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً. ولكن ورثوا العلم. فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر. وقال السلف إذا كان يوم القيامة. جمع الله عزَّ وجل الناس في صعيد واحد. ووضعت الموازين. فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء. فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء. فالعلماء حماة الدين. وأعلام الإسلام. وحفظة آثاره الخالدة. وتراثه . يحملون للناس عبر القرون. مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها. فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم. فهم بمثابة المجاهدين في سبيل العقيدة والشريعة. وإصلاح المجتمع الإسلامي . وقد أعرب أهل البيت عن جلالة العلماء. وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم. قولاً وعملاً. حتي قرروا أن النظر إليهم عبادة. وأن بغضهم مدعاة للهلاك. وقال: قال رسول الله : مروجها احد الصحابة اغد عالماً أو متعلماً. أو أحِبّ العلماء. ولا تكون رابعاً فتهلك ببغضهم. المفكر الإسلامي د. محمد وجيه الصاوي الأستاذ بجامعة الأزهر قال : يجب تقديم العون للعلماء ورعايتهم بما يسهم في القضاء علي التردي السلبي الذي يصاحب الحالة العامة التي تواجههم . فقد أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم أن مجالسة العلماء عبادة وقال لقمان لابنه: يا بني. جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك. فإن الله عزَّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة. كما يحيي الأرض بوابل السماء. وبالتالي يجب أن نرعي العلماء حتي نسعي إلي تقديم كافة ألوان المساهمة المالية والمعاملة الإيجابية لهم . فلا يمكن بعد أن أفني العلماء حياتهم في البحث العلمي . داخل المكتبات والمعامل. نجد حالة من التنكر للجميل سواء علي مستوي الجامعات أم علي مستوي المسئولين رغم أن كافة المسئولين بالدولة تخرجوا من تحت أيدي هولاء الأساتذة . فنسمع يوميا قصصا وحكايات عن أساتذة لا يجدون علاجا او ملجأ بعدما كانوا ملء السمع والبصر . وبالتالي لا يمكن الحديث عن بحث علمي ولا تقدم في ظل حالة الجحود للمبادئ الإسلامية الداعية إلي التقدم العلمي والمعرفي . فالنظر في آيات الكون أسس العلم التجريبي الذي نهض فيه الأوائل مثل ابن سينا والفارابي والكندي. أضاف : يجب أن نسعي إلي تكريم العلماء والارتقاء بشأنهم في سبيل المحافظة علي العملية التعليمية التي أخذنا فيها صفر اليدين بعد صفر الجامعات يجب النظر الي العلماء والمفكرين باعتبارهم مصدر التنمية المستقبلية وسوف يسألنا الله يوم القيامة عن التقصير في حق العلماء.