لابد أن نعتصم مع النفس أولا, ونتطهر من ظلم أنفسنا وظلم الآخرين. وفي هذا الصدد فإننا نتذكر كلمات رائعة قالها الشيخ الشعراوي.. وهي كلمات ربما أجبر علي قولها عندما تعرض الرئيس المخلوع لمحاولة اغتيال في أديس أبابا.. فقال لمبارك: الملك لا يدوم ولا كيد للوصول إليه, وألا تآمر علي الله لنيل ملك لأنه لن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله, فإن كان الحاكم عادلا فقد نفع بعدله, وإن كان جائرا ظالما قبح الظلم في نفوس كل الناس فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكما, ونصح كل حاكم بألا يطلب الحكم بل يطلبه الحكم. .. واليوم وقد من الله علينا بعودة الوطن نجد الكثيرين بدلا من أن يحافظوا علي مصر ويضعونها في أعينهم يكونون أول من يخالف.. والأمثلة علي تلك المخالفات تتجسد في البناء دون تراخيص.. أو عمل تعليات مخالفة للمنازل.. أو البناء علي الأراضي الزراعية.. أو البلطجة.. إلخ.. وهو سلوك يتناقض مع ثورة الشعب ومبادئها التي عكست إنكار الذات, والتفاني في خدمة الوطن, وخلاصه من الفساد والمفسدين.. ومن أجلها سالت دماء الشهداء وحمل جرحي الثورة أرواحهم علي أكفهم لإنقاذ مصر من براثن الظلم والانتهازيين الكبار.. فلا يجب إذن مع غياب الأمن أن يسارع البعض منا بدعوي الأنانية والانتهازية.. أو ربما من منطلق الجهل وضعف الوعي بالجليل من قضايا الوطن إلي انتهاز الفرصة لتحقيق مآربهم الخاصة.. واليوم أيضا وقد ظهرت الفرقة بين بعض الجماعات; وأصبح البعض يسعي للظهور الإعلامي ويتصدر الصفوف الأولي للمشهد دون أن يضعوا مصر أولا; وفي صدارة الاهتمامات خصوصا والثورة المضادة التي يديرها فلول النظام السابق وأركان حزبه المنحل تسعي لإغراق البلاد في المشكلات والفوضي, ووقف حركة التغيير; والتقدم.. فإن كل الشرفاء في الداخل وفي خارج مصر.. وكل الأحرار والثوار مطالبون الآن بالحفاظ علي مكاسب الثورة واستكمال خطواتها نحو الديمقراطية والحرية والرخاء.. ومن أجل هذا شرعنا بمشاركة كل القوي الوطنية والثورية بالإعداد لمؤتمر مصر الأول, الذي يعقد في السابع من مايو المقبل.. فمصر هي الضامن لكل ثائر حر وشريف; وهي الحضن الدافئ لكل المصريين, وهي الريادة ومنبع الحضارة والعلوم والفنون والآداب لكل العالم.. .. ومن ثم فإننا يجب أن نعتصم مع أنفسنا ونحاسبها قبل أن نعتصم في الميدان الأشهر( ميدان التحرير).. فمن يذهب إلي الميدان الآن يجب أن يضع مصر نصب عينيه, وأن تكون هدفه الأول والأخير.. ومع مطالبتنا بمحاسبة الرئيس السابق ولصوص الوطن فإن واجبنا يحتم علينا أن نعمل جميعا علي إنقاذ الوطن, وإعادة دوران عجلة الإنتاج بأقصي قوة.. وأن يكون الهدف في هذه المرحلة تشكيل جبهة موحدة لحماية الثورة, والحفاظ علي مكتسباتها, لأن الاختلاف والفرقة والتشتت تعني ببساطة نجاح الثورة المضادة التي تجد في النفوس الضعيفة استجابة لمخططاتها بقصد أو بغير قصد.. وحتي لا يصعد أحد علي دماء الشهداء لتحقيق مكاسب حزبية.. أو فئوية محدودة, وحتي نكون أوفياء لهؤلاء الشهداء يجب علينا أن نعمل علي إنجاح مؤتمر مصر الأول وتشكيل المجلس الوطني لقوي الثورة ليكون بمثابة المتحدث باسمها والراعي لها.. فمصر ليست كأي وطن فهي أم الدنيا.. وهي المحور والارتكاز في المنطقة وفي العالم وهو ما عكسته صحيفة إندبندنت البريطانية حين أكدت أنه إذا نجحت ثورة مصر, نجحت كل الثورات العربية.. فهذه قيمة مصر وقدرها ومكانتها.