إشادات بتعزيز مصر للامتثال للمعايير الدولية واحترام حقوق العمال    التحديات الاقتصادية للحكومة الجديدة.. 5 إجابات عن أسئلة شائكة تطرحها بوابة أخبار اليوم    المؤتمر الطبي الأفريقي يناقش التجربة المصرية في زراعة الكبد    مستوطنون إسرائيليون يهدمون 11 بيتا في الضفة الغربية ويهجرون سكانها    شكرى: معبر رفح يجب ألا يكون مجالاً للصراع العسكرى    العراق تعتقل مخربين حاولوا الهجوم على مقر شركة عراقية جنوبي بغداد    نواب يمينيون حاولو عرقلة مؤتمر بالكنيست بشأن الاعتراف بدولة فلسطين    "حكماء المسلمين" يُعرب عن قلقه بشأن تردِّي الأوضاع الإنسانية في السودان    إجلاء مئات المواطنين هربا من ثوران بركان جبل كانلاون في الفلبين    المنتخب الأولمبي لكوت ديفوار يصل القاهرة لمواجهة مصر وديا    حسام حسن: لم أكن أرغب في الأهلي وأرحب بالانتقال للزمالك    السجن المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لسائق وشقيقه بالقليوبية    شقيق المواطن السعودي المفقود هتان شطا: «رفقاً بنا وبأمه وابنته»    4 سنوات من الأشغال الشاقة الممتعة!    محمود عبد الشكور: عبد المنعم إبراهيم من أهم ممثلي مصر على مستوى السينما أو الدراما أو المسرح    حماس: الاحتلال اعتقل 16 ألفا منذ 1967 والنساء تعرضن منذ 7 أكتوبر لأبشع الانتهاكات    خالد الجندي يوضح فضل العشر الأوائل من ذي الحجة (فيديو)    لاستكمال المنظومة الصحية.. جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق    الصحة: الإصابة بسرطان الرئة في تزايد بسبب ارتفاع نسبة المُدخنين    وزير الخارجية الإيطالي: لم نأذن باستخدام أسلحتنا خارج الأراضي الأوكرانية    المنتج محمد فوزى عن الراحل محمود عبد العزيز: كان صديقا عزيزا وغاليا ولن يعوض    عزة مصطفى: نمر بمرحلة زمنية صعبة.. والخطر اللي إحنا فيه محصلش قبل كدة    استعدادا للعام الدراسي الجديد.. التعليم تُعلن تدريب معلمي المرحلة الابتدائية ب3 محافظات    رسميًا.. طرح شيري تيجو 7 موديل 2025 المجمعة في مصر (أسعار ومواصفات)    خالد الغندور يرد على اعتذار سيد عبدالحفيظ    فليك يضع شرط حاسم للموافقة على بيع دي يونج    نيمار: فينيسيوس سيفوز بالكرة الذهبية هذا العام    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة مع نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء    حتي الأن .. فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحصد 58.8 مليون جنيه إيرادات    الداخلية تواصل تفويج حجاج القرعة إلى المدينة المنورة وسط إشادات بالتنظيم (فيديو)    لحسم الصفقة .. الأهلي يتفاوض مع مدافع الدحيل حول الراتب السنوي    مواعيد وقنوات ناقلة.. كل ما تريد معرفته عن دوري أمم أوروبا "يورو 2024"    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    حكم صيام ثالث أيام عيد الأضحى.. محرم لهذا السبب    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    طريقة عمل المبكبكة، لغداء شهي سريع التحضير    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    تعليمات عاجلة من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2024 (مستند)    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    ضبط 3 أشخاص بحوزتهم 12 كيلو أفيون مخدر قيمته 1.2 مليون جنيه    إصابة 4 أشخاص في حادث سير بالمنيا    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوع الأدبي وقبول الآخر
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 02 - 2010

تميل نظريات الأنواع الأدبية أو الفنية التقليدية إلي الاتفاق علي وضع قواعد للسلوك الإبداعي‏,‏ ثم تحاول بعد ذلك أن تفسر تجليات كل نوع‏,‏ علي أساسها‏,‏ وهو سلوك تسبب في إقصاء الكثير من الأعمال الإبداعية التي لم تلتزم بهذه القواعد‏. إما بسبب فرط تجريبيتها‏,‏ أو بسبب بدائيتها من وجهة نظر نظرية الأنواع الأدبية السائدة‏.‏
وقد خضعت تجليات الأنواع الأدبية والفنية‏-‏ في تاريخ تطورها الغربي الخاص‏-‏ إلي سياق تراكمي‏,‏ نما في مجتمعات‏,‏ تقاربت فيها ظروفها المعرفية والتقنية‏,‏ وكانت مستويات نضوجها العلمي والاجتماعي‏,‏ وأنماط إنتاجها الاقتصادي متقاربة إلي حد بعيد‏,‏ وهذا ما منح سمات الأنواع الأدبية الأوروبية سمة الثبات‏,‏ وجعل التعامل معها يأخذ سمت التفوق والسيادة‏,‏ ذلك برغم خضوع هذه السمات في مراحل نموها إلي أسس تاريخية ونسبية‏;‏ سواء في خصائصها الفنية‏,‏ أو في شكول إنتاجها وتلقيها‏,‏ لكن شيوعها علي نحو عالمي‏,‏ قد أضعف الوعي بحقيقتها النسبية‏,‏ كون هذه التجليات الأدبية أو الفنية التي قام علي أساسها تأسيس نظرية الأنواع الأدبية السائدة‏,‏ قد حددت من منظريها الغربيين بناء علي معاينة واقع موضوعي‏,‏ ومعطي تاريخي‏,‏ أفرزته بيئة ثقافية بعينها‏,‏ فما يظل مميزا في بيئة ثقافية ما‏,‏ قد يكون نسبيا‏,‏ ولا يلتفت إليه في بيئة أخري‏,‏ لأنه يظل مرتبطا بسياقه المعرفي‏,‏ ومشدودا إلي مكانه الذي أنبته‏,‏ بناء علي نمط إنتاجه الاقتصادي‏,‏ ومحيطه الثقافي المحلي‏,‏ إلي غير ذلك من محددات تاريخية تحققت فيها تجلياته‏.‏
يتصارع مع أية محاولة جديدة لمعالجة نظرية الأنواع الأدبية‏,‏ في ثقافتنا العربية‏,‏ عدد من الصعوبات‏,‏ أهمها ثبات الجهد التنظيري في مسألة الأنواع الأدبية علي اجتهادات الأنواع الأدبية الأوروبية الكلاسيكية الراسخة‏,‏ دون الاهتمام بغيرها من نصوص وتجليات أدبية وفنية تنتمي إلي ثقافات غير أوروبية‏,‏ بحيث إننا لا نعدو الحق إذا قلنا إن قوانين النوع القائمة‏,‏ وأصوله‏,‏ قد اعتمدت علي إرث تاريخي غربي‏,‏ قام التنظير فيه علي التحديق إلي ذاته الإبداعية‏,‏ دون غيرها‏,‏ أكثر من اعتماد هذه القوانين علي استقراء أفقي‏,‏ يتسع لتجليات أكبر عدد ممكن من الأنواع في بيئاتها الثقافية العديدة‏,‏ من أجل تحديد الثوابت المشتركة بين مختلف أساليب النوع الأدبية أو الفنية‏,‏ علي اختلافها الثقافي‏,‏ واختلافاتها الأسلوبية‏,‏ وهو استقراء ضروري لتحديد شعرية نظرية صحيحة لمسألة النوع الأدبي‏,‏ ونقصد بالشعرية هنا تلك‏'‏ المحاولة التي نقوم من خلالها بتفسير التأثيرات الأدبية عن طريق وصف تقاليدها‏,‏ وقراءة العمليات التي تجعلها ممكنة‏,‏ وهي عملية مرتبطة في نظر عدد من النقاد بالبلاغة‏'‏ التي اهتمت بدراسة وسائل اللغة الإقناعية والتعبيرية‏,‏ منذ العصور الكلاسية‏;‏ أي تقنيات اللغة والفكر‏,‏ التي يمكن أن تكون مستخدمة لتشييد الخطابات التأثيرية‏',‏ كما يذهب إلي ذلك الناقد البنيوي الأمريكي جوناثان كللر‏(1944).‏
وبالرغم من صعوبة تجريد واقع التجربة الأدبية‏,‏ أو الفنية من سياقها التاريخي‏,‏ فإنني أري أن نزع أولولية الخصوصية الثقافية من مفهوم النوع يقودنا إلي علم دراسة النوع من منظور كلي‏,‏ أكثر اتساعا وشمولا‏,‏ فوجود نموذج عام للنوع‏,‏ لا يعني إلغاء ما يسمي الخصوصية الثقافية‏,‏ بقدر ما يعني التعرف علي حدود اشتغال هذه الخصوصية علي المستوي الجمالي‏!‏
علي جانب آخر‏,‏ كثر ما نظر إلي النوع من مستواه النصي‏,‏ دون أن يوضع في الحسبان أهمية عامل التلقي في تحديد هوية النص الأدبي‏,‏ هذا برغم أهمية دور التلقي في أية دراسة علمية للنوع‏,‏ فلكل متلق نص‏,‏ أما المكتوب فنص واحد‏,‏ فضلا عن أن ما يظن أنه أصل تفسيري أو تأويلي يكون محملا بمئات التأويلات الكامنة الأخر‏,‏ التي قد تغير درجة الانتماء النسبي‏,‏ باختلاف زمان التلقي‏,‏ ومكانه‏,‏ وهذا ما يمنح الحكم علي انتماء عمل أدبي أو فني ما إلي نوع بعينه نسبيته المتغيرة‏,‏ بسبب تغير منظور كل نوع علي المستوي الزمني التعاقبي عند تلقيه‏,‏ وهو أمر يثبت خطأ التعويل علي سمات النص الأدبي أو الفني الجمالية وحدها‏,‏ بمنأي عن زمان تلقيها ومكانه‏..‏
من أجل هذا تأتي أهمية أن نعيد النظر إلي مشكلات النوع الأدبي من خلال آليات التلقي‏,‏ هذا إذا تحرينا أن نفهم نظرية النوع في اتساعها‏,‏ في ظل التعدد التأويلي الذي قد يقبله كل نوع أدبي أو فني من خلال سياقه التاريخي‏,‏ وخصوصيته الثقافية‏,‏ وذلك بسبب قدرة التجليات الأدبية أو الفنية المعاصرة علي قبول أكثر من معيار للانتماء النوعي‏,‏ من هنا يكون التلقي عاملا مهما في تحديد النوع‏,‏ بل إنه أهم عنصر يضمن تلاحم البني الأسلوبية والشعرية في النص‏,‏ وذلك بما يقوم به من تنظيم إدراكنا للنص‏,‏ الأمر الذي يمنح الرسالة الأدبية أو الفنية تماسكها التأويلي والدلالي‏..‏
وبالرغم من شيوع نظريات النوع القائمة علي إرث أوروبي لم يزل يحدق إلي ذاته الإبداعية‏,‏ والنقدية‏,‏ محاولا فرض ثقافته النسبية بصفتها حضارة‏,‏ لها صفة الإطلاق‏!‏ فإن هذه النظريات السائدة لم تزل عاجزة عن استيعاب كل التجليات المتحققة في النصوص الإبداعية والنقدية‏,‏ قديمة كانت أو معاصرة‏,‏ وذلك لاختلاف السمات الجمالية لكل بيئة ثقافية عن بيئة ثقافية أخري‏,‏ هذا فضلا عن وجود تنوع هائل في الأعمال الأدبية والفنية‏,‏ وأساليب إنتاجها‏,‏ ومفهوماتها التي تخرج عن تعريف الأنواع الأوروبية القارة‏,‏ حيث تظل لكل تقسيم نوعي قائم استثناءات كثيرة‏,‏ لا يضمها المفهوم المعتاد للنوع‏.‏ هذا بالإضافة إلي عجز الأطروحات القائمة عن تفسير التغيرات التي تطرأ علي النصوص الأدبية أو الفنية‏;‏ ويظل طرح مسألة النوع بالنسبة إلي أجناس غير أدبية‏,‏ أو نشاطات خطابية شفهية‏,‏ تعتمد علي الفرجة الشعبية‏,‏ في نظريات النوع الكلاسية أمرا نادراعلي الدوام‏.‏
ونذهب هنا إلي أن تشابك آلاف التجليات النصية المعبرة عن نوع واحد‏,‏ في سمات دنيا‏,‏ علي الرغم من اختلاف شكولها الجمالية‏,‏ ومكوناتها الأسلوبية‏,‏ أمر ممكن دائما‏,‏ ويشكل جزءا من نموذج نووي واحد تشترك فيه مختلف الصناعات والشعريات العديدة لنوع ما‏,‏ من هنا يكون سؤالنا مشروعا عن نوع يقوم علي نواة ثابتة‏,‏ نوع نووي يتسم بقبول الآخر‏,‏ يؤسس الطريقة المنهجية لما هو مشترك ومتقاطع بين النصوص الجمالية والأسلوبية العديدة‏,‏ من خلال البحث عن نموذج نوعي يجاوز شعرياته المختلفة‏,‏ ويكون قادرا علي جمع ثوابت هذه النصوص المختلفة وتجلياتها‏,‏ ذات الخصوصيات الثقافية المتعددة‏,‏ في سبحة واحدة‏.‏ الأمر الذي يصعب القيام به إلا عبر الإمساك بالأشكال الكلية للنوع‏,‏ أي الإمساك بالبنية النوعية التي تتشكل عبرها‏,‏ أو انطلاقا منها بقية البنيات‏.‏
وهذا ما يلزم أي اجتهاد تنظيري بإعادة اختبار المفهومات الأولية‏,‏ علي نحو يكون فيه الواقع الأدبي في شموليته مرجعا للفهم‏,‏ وهو السبيل الصحيح‏,‏ وربما الوحيد‏,‏ الذي يمكن من خلاله مراجعة فهمنا لنظرية النوع الأدبي أو الفني‏,‏ وذلك عبر الاهتمام بالأساس المشترك في عديد التجليات الإبداعية المختلفة لكل نوع‏,‏ قياسا علي ثوابت عالمية واسعة في الظاهرة المدروسة‏.‏ أي أن نموذجنا فيما نسميه النوع النووي في حقيقته‏,‏ لا ينفي حقل الشعريات المقارنة‏,‏ ولكنه يحد من نسبيته المطلقة‏!‏ ويحصر الاختلاف‏-‏ من خلال بنية النموذج الكلية‏-‏ في إطاره الجمالي‏,‏ لا البنيوي‏..‏
المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.