عيار 21 الآن بالمصنعية بعد آخر ارتفاع.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024 بالصاغة    وزير المالية: نعمل على سياسات مالية تدفع القطاع الخاص لقيادة التنمية    بعد تبكيرها رسميًا.. مواعيد صرف مرتبات شهر يوليو 2024    «بيت الزكاة والصدقات» ينتهي من ذبح الأضاحي مع استمرار توصيل اللحوم للمستحقين    بعد مطالبته بخضوع بن جفير لاختبار كشف الكذب.. "معسكر الدولة" ينتقد تضارب نتنياهو    الحوثيون: 3 غارات أمريكية بريطانية على الحديدة غرب اليمن    موراتا قبل قمة إسبانيا ضد إيطاليا: أقصونا مرتين وزوجتى لن تشجع بلدها    قيادي من حماس: 40 طفلا قتلهم الجوع في غزة والمجاعة تتفاقم نتيجة حرب الإبادة الجماعية    عودة +90.. ألبانيا تحرم كرواتيا من "ريمونتادا" ال 120 ثانية في يورو (فيديو)    20 صور ترصد الإقبال الكبير على شواطئ الإسكندرية فى رابع أيام العيد    تكثيف أمني لكشف ملابسات العثور على جثة صيدلي داخل شقته بقنا    بالاجابات.. مراجعة اللغة العربية للصف الثالث الثانوي 2024    حسن الخاتمة.. وفاة صيدلي من الشرقية أثناء أداء مناسك الحج    عمرو يوسف نجم عيدي الفطر والأضحى بإيرادات «شقو» و«ولاد رزق 3»    نتنياهو: نحن في حرب على عدة جبهات وهذا ليس وقت السياسات التافهة    رنا سماحة تعبر عن سعادتها بنجاح مسرحية «العيال فهمت»    فى اليوم العالمى ل الأنيميا المنجلية.. 4 علامات تدل على الإصابة بالمرض    طريقة عمل كبسة اللحم بالأرز البسمتي.. وصفة شهية في عيد الأضحى    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول في برنامج الاستزراع السمكي والأحياء المائية بزراعة سابا باشا جامعة الإسكندرية    هل يضع حزب الله جيش الاحتلال الإٍسرائيلي في اختبار صعب؟    الرئيس الإيطالي: على الاتحاد الأوروبي أن يزود نفسه بدفاع مشترك لمواجهة روسيا    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    وزيرة الهجرة: نتابع موقف الحجاج المصريين والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن المفقودين وعودة الجثامين    النيابة تندب لجنة من حى بولاق أبو العلا لمعاينة العقار المنهار    فينيسيوس.. سلاح "السيليساو" في "كوبا أمريكا"    مراكز شباب الغربية تستقبل المواطنين في مبادرة العيد أحلى    تقارير: الهلال يعرض 100 مليون يورو مقابل ضم لياو    فن وثقافة وألعاب.. بهجة العيد مع أطفال الإسكان البديل    صور.. عمرو دياب يشعل حفل عيد الأضحى في دبي    ما حكم ترك طواف الوداع لمن فاجأها الحيض؟.. الإفتاء توضح    بعد إصابة زملائهم .. 3 لاعبين استغلوا الفرصة وتألقوا في الدوري وخطفوا الأضواء    سرقة درع الدوري الإنجليزي.. تعرف على التفاصيل    "الصحة": تنفيذ 129 برنامجا تدريبيا ل10 آلاف من العاملين بالوزارة والهيئات التابعة    3 أبراج فلكية تكره النوم وتفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى.. هل أنت منهم؟    في رابع أيام عيد الأضحى.. توافد الزوار على بحيرة قارون وغلق شواطئ وادي الريان    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    ذكرى ميلاد الفنان حسن حسني.. 500 عمل فني رصيد «الجوكر»    ذبح 3067 أضحية للمواطنين بمجازر الجيزة خلال عيد الأضحى    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    أكلات هامة لطلاب الثانوية العامة.. لتعزيز الذاكرة والتركيز    غياب 4 نجوم عن الأهلي أمام الزمالك وثنائي مهدد    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    صحة الشرقية تعلن تنظيم قافلة طبية بالفرايحة غدا    المالية: إسقاط ضريبة القيمة المضافة على آلات ومعدات الصناعة المستوردة    "رياضة الشرقية": مليون مواطن احتفلوا بالعيد في مراكز الشباب    حماية المستهلك بالبحيرة يشن حملات على المحلات والمخابز خلال إجازة عيد الأضحى    أجر عمرة.. مسجد قباء مقصد ضيوف الرحمن بعد المسجد النبوي    وكالة الأنباء السورية: مقتل ضابط جراء عدوان إسرائيلي على موقعين في القنيطرة ودرعا    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    محمد رمضان يعلن غيابه عن دراما رمضان 2025 للموسم الثاني على التوالي    فعالية «توظيف مصر» برعاية «التحالف الوطنى»    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوع الأدبي والتحديق إلي الذات‏" 3 "‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 01 - 2010

قامت أوروبا بعد ثورتها الصناعية‏,‏ بغزو العالم‏,‏ فاستعمرت دولا عديدة من قارتي إفريقيا وآسيا‏,‏ ومنها مواطن حضارات قديمة‏,‏ فضلا عن أمريكا وأستراليا‏,‏ بحثا عن مناطق نفوذ من جهة‏,‏ وعن ثروات‏,‏ وأسواق جديدة بسبب تراكم إنتاجها الصناعي من جهة أخري‏.‏ وكان من شواهد هذا الغزو‏,‏ ما نهبه الأوروبيون من هذه المستعمرات‏,‏ وهو شاهد فاضح علي أكبر عملية سرقة في التاريخ البشري‏,‏ ففي مرحلة الرأسمالية التجارية‏,'‏ المرحلة الميركانتيلية‏',‏ بين نهاية القرن الخامس عشر‏,‏ وبداية القرن الثامن عشر‏,‏ وبعد اكتمال حركة الكشوف الجغرافية‏,‏ وظهور الدول القومية‏,‏ استمر نقل كميات الذهب والفضة‏,‏ وسرقتها من إفريقيا‏,‏ وأمريكا اللاتينية‏,‏ وآسيا‏,‏ إلي القارة الأوروبية‏,‏ تلك الكميات التي أسس عليها نظام قاعدة الذهب بعد ذلك‏,‏ فمن الثابت أنه خلال الفترة الممتدة ما بين‏(1500‏ 1800)‏ م‏,‏ كان رصيد دول القارة الأوروبية من الذهب يقدر بحوالي‏(10‏ 4)‏ مليار مارك ذهبي‏,‏ وهذا يعني أن ما يمثل نسبة‏60%‏ من رصيد هذه الدول‏,‏ قد نهب من المستعمرات الجديدة‏,‏ كما يذهب إلي ذلك‏-‏ مقتبسا‏-‏ الاقتصادي المصري رمزي زكي في كتابه‏'‏ التاريخ النقدي للتخلف‏'.‏
استخدم الأوروبيون في ذلك جميع الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافهم‏,‏ وكان نموذجهم عن الإنسان هو نموذج الإنسان القادر علي الإنجاز‏,‏ والفعل‏,‏ حتي لو أدي ذلك إلي استخدام أبشع أشكال القوة‏,‏ والقهر‏,‏ وكان نشر الثقافة الأوروبية‏,‏ بما تحمله من قضايا‏,‏ وعادات‏,‏ وتقاليد‏,‏ وممارسات‏,‏ وسيلة من وسائل دعم هذا الاستعمار‏,‏ فاندثرت ثقافات‏,‏ وطمست خصوصيات‏,‏ وأبيدت شعوب‏.‏
هذه المقدمة لا أراها بعيدة عن القضية التي نتناولها هنا‏,‏ المرتبطة بنظريات الأنواع الأدبية السائدة‏,‏ تلك النظريات التي قامت علي التحديق إلي الذات الإبداعية الأوروبية التي شهدت انتشارا‏,‏ وذيوعا بصفتها أنواعا رفيعة‏,‏ تسعي بقية الأنواع غير الأوروبية إلي تقليدها‏,‏ والالتزام بأصولها‏,‏ وبجمالياتها‏,‏ فعلي مدي ثلاثمائة وخمسين سنة حاولت أوروبا الغربية استيعاب الآخر ثقافيا‏,‏ من خلال السعي إلي إزالة الآخرية عنه‏,‏ وقد نجحت في ذلك إلي حد بعيد‏,‏ حين نشرت أسلوب حياتها‏,‏ وطرائق معيشتها‏,‏ ومفهوماتها‏,‏ وقيمها‏,‏ وسمات أنواعها الأدبية والفنية‏,‏ في مختلف أرجاء العالم‏,‏ وفي البلاد التي استعمرتها بخاصة‏.‏
ربما يرجع هذا النجاح‏,‏ ضمن أسباب أخري‏,‏ إلي سمة محددة للثقافة الأوروبية‏,‏ التي اتصفت علي مدي زمني طويل بأنها سمة للإنسان من حيث هو إنسان‏,‏ ومن ثم فإن ازدهارها صار‏'‏ برهان تفوق الأوروبيين الطبيعي علي غيرهم من شعوب العالم‏'‏ كما يذهب إلي ذلك الناقد الفرنسي‏,‏ البلغاري الأصل‏'‏ تزفيتان تودوروف‏'(1939)‏ فلم يكن الأوروبيون يخشون من أي أخطار علي هوياتهم آنذاك‏,‏ ذلك لأن نشر ثقافتهم علي نطاق عالمي‏,‏ ينطوي علي الدفاع عن هويتهم الحضارية‏,‏ إزاء الخارجين البرابرة‏,‏ وهو الرأي الذي يؤكده الناقد الثقافي الإنجليزي‏'‏ تيري إيجلتون‏'(1943).‏ هكذا ظهرت الثقافة الأوروبية الحديثة‏_‏ علي مدي حقبة زمنية طويلة‏-‏ بصفتها التبرير الأيديولوجي للتوسع الاقتصادي الأوروبي‏,‏ ذلك علي أساس أن أوروبا هي المركز العالمي الحديث‏,‏ أما بقية حضارات العالم وثقافاته‏,‏ فحضارات وثقافات غابرة‏.‏ بل إن ما سمي في كثير من الأحيان بالسياسة الدولية‏,‏ توقف إلي حد كبير علي مسألة تأويل الحديث هذه‏,‏ ورد الفعل تجاهها‏,‏ وهما الجانبان اللذان وضعا بصفتهما معياري التحضر‏!‏ وذلك إبان الربع الأخير من القرن التاسع عشر‏,‏ وأوائل القرن العشرين‏,‏ كما يذهب إلي ذلك عدد من المفكرين الغربيين‏,‏ ممن يرون استمرار هذه النزعة التي تسعي إلي احتواء المجتمعات غير الأوروبية‏;‏ الأفريقية‏,‏ والآسيوية بخاصة‏,‏ في مجتمع دولي‏,‏ أوروبي السمات‏.‏
وأظنني لا أعدو الحق إذا قلت إن مشكلات نظرية النوع من مفهوم حقل الشعريات المقارنة‏,‏ قامت علي نزعة الاحتواء الأوروبية ذاتها‏,‏ ذلك بسبب هذه المركزية الثقافية التي نجحت في فرض شروط تجلياتها الإبداعية‏,‏ وخصائص أنواعها الأدبية والفنية‏,‏ علي الثقافات الأخري وفي الأحوال كلها‏,‏ يمكننا النظر إلي النوع الأدبي بصفته إطارا نظريا يتعامل مع السبل التي يمكن من خلالها أن نصنف عملا ما‏,‏ وننسبه إلي طبقة من الأعمال المرتبطة به‏.‏ ويقع علي عاتق نظرية النوع الأدبي مهمة إقامة هذا التصنيف‏,‏ والحكم عليه بمجرد إنشائه‏.‏
علي المستوي اللغوي‏,‏ تفيد كلمة‏'‏ النوع‏'‏ في أصلها العربي‏,‏ معني التذبذب والتقلب‏,‏ وتطلق علي الصنف من كل شيء‏,‏ أما المصطلح الإنجليزي فمزعج‏;‏ ويذهب المنظر الأمريكي‏,‏ التشيكي الأصل‏'‏ رينيه ويلك‏'(1995-1903)‏ إلي أن اصطلاح نوع‏'Genre'‏ كلمة لم تؤسس نفسها في اللغة الإنجليزية بمعناها الأدبي إلا في حقبة متأخرة‏,‏ وقد عالج وجهة النظر هذه المنظر المجري‏'‏ بيتشي تاماش‏'‏ الذي يري أن هناك من يستخدم مصطلح نوع‏'Genre'‏ إشارة إلي ثالوث‏;‏ الشعر الغنائي‏,‏ والأدب الملحمي‏,‏ والدراما‏,‏ بينما يفضل آخرون مصطلح جنس‏''Species,‏ أو شكل‏'Form',‏ أو نمط‏'peTy',‏ ومازال عدد من النقاد يستخدم حتي الآن مصطلح طبقة‏'Class'..‏
وتجدر بي الإشارة إلي ثلاثة تيارات أساسية تتجه إليها معظم التناولات الخاصة بالنوع الأدبي أو الفني‏,‏ يذهب الأول إلي الالتزام بالنسبية الثقافية‏,‏ واحترام خصوصية كل عمل أدبي بناء علي بيئته المحلية‏,‏ الأمر الذي يدفع هذه الخصوصية إلي إطلاقية مخلة‏,‏ وغير عملية‏,‏ أو علمية‏,‏ ويميل التيار الثاني إلي رفض فكرة النوع من أساسها‏,‏ منتقصا من أهمية وجوده‏,‏ مؤمنا بأنه لم يتبق الآن سوي الكتابة‏,‏ وهي رؤية علي الرغم من وجاهتها‏,‏ فإنها تتجاهل صعوبة الهروب من التقسيم اليسير السائد مثلا بين الشعر‏,‏ والنثر غير الشعري‏,‏ أو بين المسرحية‏,‏ والشعر‏...‏إلخ‏.‏ وكما يؤكد المنظر الفرنسي‏'‏ جيرار جينيه‏'(1930)‏ قائلا‏:‏ إن تداخل الأنواع‏,‏ أو الانتقاص من قدرها‏,‏ يمثل في حد ذاته تيارا يقع في نظرية الأنواع نفسها‏,‏ فلا أحد يمكنه أن يهرب من هذا التركيب البسيط‏,‏ أما التيار الثالث‏,‏ فيؤمن بأهمية بقاء قواعد صارمة لكل نوع‏,‏ الأمر الذي يؤدي أحيانا إلي التعامل مع النوع الأدبي‏,‏ وقوانينه المتحولة‏,‏ بصفته مناظرا للنوع البيولوجي‏,‏ وقوانينه الأكثر ثباتا‏,‏ فيتحول بذلك أصل النوع‏,‏ من خلال تجلياته التاريخية‏,‏ إلي النوع ذاته‏,‏ وشواهد امتثال نظرية النظام الأدبي في كثير من قوانينها لنظرية النظام الطبيعي‏,‏ أكثر من أن تحصي في هذا السياق‏,‏ حيث أظهر كثير من الكتابات النظرية التقليدية‏'‏ النوع‏'‏ بصفته شيئا سابقا علي نصوصه أنفسها‏.‏
حدث الشيء ذاته‏,‏ ولكن علي نحو عكسي‏,‏ في المفهومات المرتبطة بالشعر العربي‏,‏ وبتعريفه في ثقافتنا‏.‏ يظهر هذا جليا فيما يطرحه نقاد وشعراء تقليديون من مفهومات عن الشعر‏,‏ تستديم سماته التاريخية‏,‏ في أقدم تجلياتها‏,‏ دون الانتباه إلي ذاك الخفق الشعري الجديد الممتد علي جسد العالم‏,‏ فتعامل هؤلاء مع الخصائص التاريخية القديمة لهذه الأصول بصفتها خصائص شعرية بنيوية‏,‏ لا يقوم الشعر إلا بها‏,‏ برغم أنها لا تزيد علي كونها خصائص جمالية لها شروط إنتاجها‏,‏ وتلقيها‏,‏ وهي شروط تاريخية محصورة بحدود بيئة ثقافية‏,‏ كانت لها سماتها الحضارية الخاصة‏,‏ وسياقاتها اللغوية التاريخية‏,‏ وجغرافيتها التخيلية المختلفة‏,‏ تركت لنا تراثا عظيما دون شك‏,‏ يجب علينا إحياؤه بالإضافة إليه‏,‏ ومجاوزته‏!.‏

المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.