رئيس جامعة أسيوط يتفقد مناقشات مشروعات تخرج برنامج نظم المعلومات الإدارية BIS بكلية التجارة    تراجع سعر الدولار الآن.. كم سجلت أسعار العملات اليوم الأحد 6-7-2025 في البنك الأهلي؟    تبدأ من 68 قرشًا.. أسعار شرائح الكهرباء 2025 المنزلي والتجاري قبل تطبيق الزيادة المرتقبة    موعد صرف معاشات شهر أغسطس 2025 (احسب معاشك)    تجارية القاهرة: مصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا لتفعيل مبادرات البريكس    وزير الخارجية يبحث مع المفوض الأوروبي لشئون الهجرة سبل التعاون المشترك    شي جين بينج يتغيب عن قمة البريكس التي تدعمها الصين لأول مرة.. لماذا؟    تقارير: «فيفا» يخفض أسعار تذاكر مباراة تشيلسي و فلومينينسي في كأس العالم للأندية 2025    مصدر في الأهلي : المفاوضات مستمرة في صفقة أسد الحملاوي .. وأوجستين خارج الحسابات    الرياضيات تجدد سعادة طلاب الثانوية العامة بمدارس الجيزة    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسميًا (الرابط المعتمد)    إعدام 13 طن أغذية فاسدة خلال حملات رقابية مكثفة بالمنيا    متحف «نجيب محفوظ» يطلق العدد الأول من نشرته الإلكترونية    مجدي الهواري يشيد بأغنية عمرو دياب الجديدة    «يساعدونك على حل مشاكلك بهدوء».. أكثر 5 أبراج تفهمًا للغير    محمود حجازي يكشف عن الدور الفني الذي يحلم بتقديمه| خاص    من بينها ممارسة التمارين الرياضية.. 5 طرق للوقاية من إنسداد القلب    محمد الضاوي كريستو يقترب من النجم الساحلى بموافقة الأهلى    اتحاد التأمين: دراسة إصدار وثائق "التأمين على قدر الاستخدام" و"تأمين السيارات الذكية"    12 يوليو بدء التقدم لاختبارات القدرات.. ورئيس اللجنة العليا: انتهينا من وضع نماذج الامتحانات    البحوث الإسلامية يطلق سلسلة الأطفال المرئية (أخلاقنا الجميلة) لتعزيز الوعي القيمي والتربوي    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالدقهلية    جنايات سوهاج تقضى بإعدام طالب جامعى قتل طفلا وإلقاء جثته فى ترعة انتقاما من أسرته    يوفنتوس يعود للتدريبات 24 يوليو استعدادا للموسم الجديد ويواجه دورتموند وديا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بتكساس ل50 قتيلا على الأقل    تحديات تواجه إيلون ماسك لتأسيس حزب أمريكا.. النظام الانتخابى أبرزها    الدولة تفتح ذراعيها لرواد الأعمال: 100% زيادة فى مخصصات دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية تصل الي 3 مليار جنيه    ورش للأطفال عن السمسمية والأمثال الشعبية ضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها"    وزير الإسكان: تخصيص 316 قطعة أرض للمواطنين الموفقين لأوضاعهم بمنطقة الرابية    محافظ الجيزة يوجه بتوفير عدد من التخصصات الطبية بمستشفى مبارك بالقناطر    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعى مصرى محلى الصنع بالكامل .. اعرف التفاصيل    خبير يوضح سبب عدم تأثر مصر في سنوات ملء سد النهضة وحجز مياه النيل    مصر تواجه الجزائر وتونس تلاقي الأردن بنصف نهائي البطولة العربية لسيدات السلة    تعيين رؤساء أقسام جدد بكليتي الزراعة والعلوم في جامعة بنها    كما انفرد في الجول.. كهرباء الإسماعيلية يضم أوناجم    الذكرى الأولى لفقيد الكرة المصرية، كيف عاد أحمد رفعت من الموت ليكشف الحقيقة؟!.. مأساة وفاته أوجعت قلوب المصريين.. 35 صدمة كهربية أعادت قلبه للحياة.. من المتهم بالتسبب في رحيله؟!    تحرير 139 مخالفة للمحلات المخالفة قرار غلق ترشيد استهلاك الكهرباء    كيف يضمن القانون حقوق الطرف الأضعف في منظومة العمل ؟    مستوطنون إسرائيليون يطردون رعاة فلسطينيين من مراعيهم.. وأخرون يقتحمون الأقصى    بسبب تغيبه.. محافظ الدقهلية يقرر نقل مدير محطة مياه الشرب بدميرة للعمل موظفًا فنيًا بالجمالية    زاخاروفا: موسكو ترى أن واشنطن مهتمة باستعادة العلاقات الثنائية    شريف الدسوقي في ليلة حكي «ع الرايق» بمعرض الفيوم للكتاب| الثلاثاء    مصر تُعرب عن تعازيها للولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا الفيضانات بولاية تكساس    الداخلية تضبط سائق شركة نقل ذكي بتهمة ارتكاب فعل خادش للحياء مع سيدة    أسماء مصطفى تكتب: "الهيئة الوطنية".. الحارس الأمين لنزاهة انتخابات الشيوخ    الصحة تنظم برنامجا تدريبيا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة الأطباء    محافظ الدقهلية يحيل مدير جمعية زراعية للتحقيق لعدم تواجده وتعطيل أعمال صرف الأسمدة للمزارعين    محافظ الدقهلية:إحالة مديرة مستشفى مديرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    حدث منتصف الليل| 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الإقليمي.. وإرجاء إضراب المحامين    آل البيت أهل الشرف والمكانة    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مشكلات النقد العربي‏:‏ النظرية والتطبيق
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 12 - 2010

أظن أنني لا أعدو الحق لو قلت إن المشكلة الأساس في خطابنا النقدي العربي بعامة‏,‏ وخطابنا النقدي الشعري بخاصة‏,‏ تكمن في هيمنة فائض نقدي يقدمه نوع مشهور من نقاد ملأوا فضاءنا النقدي‏,‏ وقاعات ندواتنا‏,‏ وعددا من مؤتمراتنا‏. بخطابات تقليدية مكرورة وفائضة‏,‏ لاتجاوز الشرح والتفسير‏,‏ لا لزوم لها‏,‏ ولا أهمية أيضا‏,‏ خطابات نقدية متهافتة لاتكمن المشكلة في غيابها‏,‏ بل تكمن في حضورها اللافت الذي شغل مكان نقود أخر‏,‏ كان المجتمع الأدبي العربي في أشد الحاجة إليها‏.‏
يمكنني القول إن الحركة النقدية العربية علي نحو عام تتحرك جيئة وذهابا بين قطبين‏:‏ الأول يبحث عن أصل لكل تطور شهدته النظرية النقدية الغربية الحديثة في تراثنا النقدي القديم‏,‏ وهو سلوك وضع الخطاب النقدي العربي المعاصر تحت وطأة محاولات الإنعاش المستمرة للأسئلة النقدية القديمة ومن خلال ربط الاجتهادات النقدية العربية التراثية علي نحو تعسفي بنظريات حديثة‏,‏ لها اسئلتها المختلفة‏,‏ وسياقاتها الكلية الفلسفية والاجتماعية المتباينة‏,‏ الأمر الذي أسفر عن نوع من الاجتهادات التلفيقية بين المناهج النظرية الحديثة وبين الخطاب التراثي النقدي العربي‏.‏ ونحن لا نستطيع في هذا السياق أن نغض الطرف عن هذا الحضور‏,‏ أو عن تأثيره السلبي بخطاب النقد العربي المعاصر‏,‏ بما يمثله من سلفية نقدية ظلت مهيمنة علي المستوي الأكاديمي‏,‏ في مصر بخاصة‏,‏ والعالم العربي بعامة‏,‏ عقودا طويلة‏,‏ وهي سلفية تعلن عن نفسها بوضوح عبر عدائها لمناهج البحث المعاصرة‏,‏ إما صدا وجهلا من البداية‏,‏ أو رفضا للأصول المعرفية الغربية‏,‏ وللأسس الفلسفية التي قامت عليها النظريات المعاصرة‏.‏
أما القطب الثاني‏,‏ من نطلق عليهم الآن نقاد الحداثة‏,‏ فآثر الوقوف علي الضفة الأخري من النهر أمام هذه السلفية النقدية المسيطرة علي الوسطين النقديين الأكاديمي والإعلامي آنذاك‏,‏ كانت جهود نقل الخطاب الغربي وترجمته من كتب مدرسية متوسطة المستوي والقيمة‏,‏ في السبعينيات والثمانينات بخاصة‏,‏ هي أساس مشروع عدد كبير منهم‏,‏ ادعوا به ريادة لايستحقونها‏,‏ كما كان من البين أن مشروعاتهم النقدية آنذاك لم تأخذ نفسها بالجدية اللازمة‏,‏ بعد أن غضوا الطرف عن الجهد الذي كان له اقتضاؤه حينها في مساءلة المنقول‏,‏ أو في اختبار تطبيق ما نقلوه من نظريات علي إبداعنا المحلي‏,‏ هذا الإبداع الذي كان قادرا علي الإضافة إلي هذه المنهجيات والنظريات‏,‏ أقول ذلك استنادا إلي تأمل أثر هذا الركام النظري المنقول بواقعنا النقدي والإبداعي‏,‏ آنذاك فقد جاء كثير من هذا المنقول مبتسرا ومشوها‏,‏ إما بسبب ضعف لغة الناقل‏,‏ أو بسبب غياب المعرفة بالأسس التي قامت عليها هذه النظريات في بيئاتها النظرية الغربية المختلفة حقا عن بيئتنا العربية‏.‏ ولن نعدم استثناءات عديدة بالطبع للرؤية التي أعممها الآن‏,‏ ولكنها صحيحة إلي حد بعيد‏.‏ هكذا لم يستطع النقل أن يقدم ما يحتاجه واقعنا العربي النقدي من تنوير‏,‏ وتجديد‏,‏ ومراجعة‏,‏ سواء علي مستوي تنقيح خطابنا النقدي التاريخي وإسهاماته من جهة‏,‏ أو علي مستوي تمثل الخطاب النقدي الحديث‏,‏ وما ينقل إلينا عبره من نظريات ومناهج وفلسفات من جهة أخري‏.‏
لقد أدي الابتعاد عن تطبيق النظريات والمناهج النقدية المعاصرة علي واقعنا الإبداعي بخاصة إلي اتكاء عدد من نقادنا الحداثيين علي خطاب نظري جاهز‏,‏ اختزل النظرية‏,‏ وذلك في أفضل تجلياتها المنقولة‏,‏ إلي مجموعة عمياء من الإجراءات‏,‏ دون قدرة علي تطويرها‏,‏ أو الإسهام فيها‏,‏ هذا الإسهام الذي لم يكن ممكنا دون احتكاك النظرية بتطبيقاتها الإبداعية التي تتحداها علي مستوي المنهج‏.‏ ذلك بما يفرضه التطبيق من تطور علي النظريات والمناهج أنفسها‏,‏ وهي مهمة كانت كفيلة بدعم التواصل بين النظرية والأسئلة الفاعلة والضرورية في ثقافتنا المعيشة‏.‏
لقد خلق هذا القصور التطبيقي فجوة بين خطاب نقدي مطمئن وسائد‏,‏ وحركة إبداعية محلقة ومجاوزة‏.‏ الوضع الذي فصل النظرية عن سياقها الثقافي‏,‏ وقد كان في مكنة الخطاب النقدي العربي المعاصر أن يكون جزءا من المشهد النقدي العالمي‏,‏ لو التفت إلي تطبيق النظريات النقدية المعاصرة علي واقع إبداعي مختلف عن البيئة التي أنتجتها‏.‏ ذلك لأن ضغط المشكلة الإبداعية هو العامل الفاعل الذي يدفع الناقد إلي التنظير‏,‏ لأن أي تنظير يقوم بالضرورة بناء علي معاينة واقع موضوعي مرتبط بما يبدعه المشهد الأدبي في مجتمع ما‏,‏ تراكمت عليه مشكلات ثقافية واجتماعية‏,‏ وجمالية‏..‏
ويمكن الرد علي منطقي في هذا التناول بأن هذا النقل قد أتاح للباحثين بعد ذلك‏,‏ وطلاب الدراسات في الأدب العربي بخاصة فرصة معرفتها‏,‏ وتطبيقها علي نصوص إبداعية‏,‏ تراثية كانت أو حديثة‏,‏ ولكن نظرة مخلصة إلي عشرات الرسائل التي تناقش في تخصص الأدب العربي أو الأدب المقارن‏,‏ في العقدين الأخيرين بخاصة‏,‏ تكشف‏,‏ دون جهد‏,‏ فداحة الضعف المنهجي الذي تعاني منه هذه الرسائل‏,‏ التي تدعي الطابع العلمي دون إجراءاته‏!‏ ذلك لأنه من الصعب أن يطبق الطالب منهجا لم يسبق لأستاذه المشرف تطبيقه‏,‏ ومعرفة خباياه‏,‏ أو لم يسبقه إليه‏,‏ فبتنا نري رسائل دكتوراه‏(‏ مطبوخة‏)‏ لايفهم الأستاذ في منهجها أكثر من الطالب‏!‏ وذلك في ظل ضعف طلاب الدراسات العليا في إتقان لغة ثانية أو أكثر‏,‏ تخولهم قدرة الخوض الواثق في مشهد النقد المعاصر‏,‏ قراءة وكتابة‏!‏ فأنتجت جامعاتنا ومعاهدنا وأكاديمياتنا حاملي شهادات عاجزين عن التواصل مع واقعهم النقدي علي المستويين المحلي والعالمي‏,‏ وعن استيعاب النصوص الإبداعية الحديثة المتوافرة في بيئتنا الثقافية المعاصرة‏,‏ تلك النصوص التي لاتخضع ممارستها إلي تقاليد الأنواع الأدبية التقليدية بخاصة‏.‏ وفي هذا ما قد يفسر عجز دراساتنا الجامعية عن تناول النصوص الإبداعية المعاصرة‏,‏ التي تبتدع في أفقها وأسلوبها‏,‏ ولاتتبع‏..‏
فصلت هذه الحال طلاب الأدب‏,‏ ودراسي الدراسات العليا‏,‏ عما يمور به الواقع الإبداعي من تيارات جمالية وإبداعية جديدة‏,‏ في ظل حضور مسيطر لأجيال أخذت فرصتها في التعبير عن أنفسها‏,‏ لكنها لم تتخل‏,‏ للأجيال الجديدة عن المواقع التي تستحقها لوضع رؤيتها المعاصرة‏,‏ أو إسهامها الذي يعبر عنها‏,‏ وقد كان في قدرة الأجيال القديمة‏,‏ لو ارتضت مواقع الاستشارة‏,‏ أن تمنح خلاصة تجربتها للأجيال الجديدة‏,‏ في عقد اجتماعي تكاملي مثمر‏,‏ بعد أن استمر شغلها لمناصبها الثقافية والأدبية والصحفية والعلمية‏,‏ ممتدا إلي عقد زمني‏,‏ أو إلي عقدين‏,‏ وربما أكثر من ذلك‏.‏
تري‏,‏ هل كان في مكنتنا فتح باب المساءلة للمناهج النقدية الحديثة‏,‏ والنظريات الغربية المعاصرة‏,‏ إذا اهتم مدرسو النقد وأساتذته في جامعاتنا بتطبيقها علي واقعنا الإبداعي الحديث بخاصة؟ بعد أن أدي الخلل في الموازنة بين التنظير الذي نقل‏,‏ دون الالتفات إلي شروط إنتاج ما ينقله‏,‏ والممارسة النقدية التي عجزت عن تطبيق النظريات النقدية المعاصرة علي واقعنا الإبداعي المختلف‏,‏ إلي سيطرة ما أسميه الأدب النقدي النظري علي الممارسة النقدية‏.‏ الأمر الذي رسخ الحفاظ علي هذه النظريات المنقولة في بناها البدائية‏,‏ وتداولاتها المدرسية في أكثر صيغها يسرا‏,‏ وأشد شكولها اختزالا‏,‏ وهذا ما أوهن علي نحو فادح قدرة خطابنا النقدي المعاصر علي الاستفادة منها علي مستوي حقيقي ومؤثر‏,‏ وللكتابة بقية‏..‏
المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.