الرى: عمل التدابير اللازمة لضمان استقرار مناسيب المياه بترعة النوبارية    شروط القبول في برنامج إعداد معلمي تكنولوجيا والتعلم الرقمي بجامعة القاهرة    تداول 4 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    إسرائيل تتراجع عن هدنة غزة التكتيكية.. نتنياهو لسكرتيره العسكري: القتال يستمر    تشكيل هولندا أمام بولندا في يورو 2024    مانشستر يونايتد يقترب من حسم مستقبل نجمه المعار    غياب رباعي الأهلي أمام الاتحاد السكندري    «الرياضة» تعلن تنفيذ 6 آلاف مشروع ومبادرة شبابية بالمحافظات    وصفه ب«العشوائية».. الوداد يعترض على الترتيب النهائي للدوري المغربي    أول أيام عيد الأضحى.. رئيس مدينة ملوي يتابع سير العمل بالمستشفى العام ويقدم الهدايا للمرضى    شريف منير يستبدل أضحية العيد بالبطيخ.. ما علاقة فلسطين؟ (فيديو)    أنغام تلتقي الجمهور الكويتي ثاني أيام عيد الأضحى    "قصور الثقافة": فعاليات مكثفة للاحتفال بعيد الأضحى    طريقة حفظ لحوم الأضاحي وتجنب تلفها    وكيل «صحة الشرقية» يفاجئ العاملين بمركز الحسينية ويجازي مفتشي ومشرفي التغذية    مشايخ القبائل والعواقل والفلسطينيين يهنئون محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    ضبط 207 قطع سلاح نارى و286 قضية مخدرات خلال حملات أمنية مكبرة    مصرع شابين والبحث عن اثنين آخرين إثر سقوطهم بسيارة في ترعة المنصورية بالدقهلية    وفاة سيدة مصرية أثناء أداء مناسك الحج    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    محافظ المنيا يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    تقرير: هكذا يقتل الجوع في غزة الأطفال    بالفيديو.. كولر وإمام عاشور وقفشة يروجون لفيلم "ولاد رزق 3"برعاية تركي آل الشيخ    قمة السلام الدولية حول أوكرانيا تبحث كيفية تجنب «كارثة نووية»    «التخطيط»: تنفيذ 361 مشروعا تنمويا في الغربية بتكلفة 3.6 مليار جنيه    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    بالتفاصيل مرور إشرافي مكثف لصحة البحر الأحمر تزامنًا مع عيد الأضحى المبارك    قوات الاحتلال تعتقل 3 مواطنين جنوب بيت لحم بالضفة الغربية    ريهام سعيد: «محمد هنيدي اتقدملي ووالدتي رفضته لهذا السبب»    إيرادات Inside Out 2 ترتفع إلى 133 مليون دولار في دور العرض    أدعية وأذكار عيد الأضحى 2024.. تكبير وتهنئة    الأهلي يتفق مع ميتلاند الدنماركي على تسديد مستحقات و"رعاية" إمام عاشور    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    مصدر من اتحاد السلة يكشف ل في الجول حقيقة تغيير نظام الدوري.. وعقوبة سيف سمير    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    وزيرة التضامن توجه برفع درجة الاستعداد القصوى بمناسبة عيد الأضحى    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    إصابة شاب فلسطينى برصاص قوات الاحتلال فى مخيم الفارعة بالضفة الغربية    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    التونسيون يحتفلون ب "العيد الكبير" وسط موروثات شعبية تتوارثها الأجيال    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    انخفاض في درجات الحرارة.. حالة الطقس في أول أيام عيد الأضحى    إعلام فلسطينى: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلى استهدف مخيم فى رفح الفلسطينية    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر بصفته نظما
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 04 - 2010

يظهر النص الشعري للقاريء المتمرس بصفته محصلة لدهشة شاعر تتجلي في اللغة‏,‏ بل إنني لا أعدو الحق لو قلت إن النص الشعري يحتاج من الدهاء‏,‏ والتخطيط‏,‏ ما يحتاجه تدبير جريمة‏.‏ فهو مثل نزوة لا يعرف صاحبها نتائجها‏,‏ ولكنه يجب أن يدبر لحدوثها جيديا‏.‏ يعرف الناقد الفرنسي ميشيل ريفاتير‏(1924-2006)‏ القصيدة بأنها نص‏'‏ يقول شيئيا ويعني شيئيا آخر‏'.‏ وهذا ما يؤكده الفيلسوف الألماني جادامر‏(1900-2002)‏ علي نحو آخر بقوله إن‏'‏ الشعري يحتفظ دائميا بسمة غير محددة علي نحو خاص‏,‏ وهي أنه من خلال شمولية اللغة‏,‏ يقدم الشعر شيئيا يظل مفتوحيا علي جميع أنواع القول التخييلي‏',‏ فالنص الشعري نوع من التطرف في علاقة الكلمات بأشيائها‏.‏ أما فعل القراءة فيتيح تأسيس معني متماسك للنص‏,‏ ذلك لأن المعني الشعري ممارسة وليس معطي‏,‏ وهذا ما يضع القاريء في بنية النص‏,‏ هذا القاريء الذي يقوم من خلال الممارسة بإعادة تشكيل النص علي المستوي التأويلي وفق خبراته السابقة‏,‏ علي مستويي المعني والشكل‏,‏ وهما مستويان قد يعوض أحدهما الآخر‏,‏ ذلك لأنه من الممكن أن يكتفي القاريء بحد أدني من العلامات النصية المضمونية أو الشكلية بصفتها مشيرات كافية للدلالة علي نوع المقروء‏.‏
إن خصوبة أي معني شعري جمالية في طابعها‏,‏ فهي لا تنشأ من وجود احتمالات متباينة نختار منها‏,‏ ثم نستبعد بقيتها فحسب‏,‏ بل تنشأ أيضيا من غياب إطار مرجعي قادر علي أن يقدم معايير حاسمة للمعني الشعري الصحيح‏,‏ وللمعني الشعري الخطأ‏.‏ ولا أقصد هنا أن المعني الشعري لا بد من أن يكون ذاتييا صرفيا‏,‏ فلنحو النص تأثيره الدائم علي المعني‏,‏ وعلي الرغم مما يتطلبه استيعاب المعني الشعري علي اختلافاته من الذات القارئة من جهد‏,‏ فإن الوصول إلي اختيارات أخري بديلة لهذا المعني ممكن علي الدوام‏,‏ وهو معني لا يكتمل في العادة إلا من خلال الإسقاط الدائم لفائض نصي ما‏,‏ ولحمولة معان نحوية زائدة علي سياق تأويلي بعينه‏.‏
وقد قصدت من تحليلي النقدي في مقالات سابقة لقصائد من شعر الواكا والهايكو اليابانيين إيضاح الكيفية التي يمكن أن تحمل بها عبارة شديدة النثرية‏,‏ وبادية البساطة في آن‏,‏ معني شعرييا شديد العمق‏,‏ وطازجيا‏,‏ يمكنه أن يدل علي انتماء النص المقروء إلي الشعر‏,‏ وهذا ما يلزم المتلقي بأن يكون ذا أهلية تأويلية‏,‏ تمكنه من أن يظفر‏'‏ بمعناه الشعري‏'‏ الخاص في النص‏,'‏ فما يوجد هناك في العمل الفني أكثر من مجرد المعني الذي اعتادته خبرتنا‏[‏ بما يسمي الواقع‏].‏ هكذا يقتضي الحصول علي المعني الشعري قراءة متزامنة لمعنيين أو أكثر من معاني النص الممكنة‏,‏ واحد منها هو ما نسميه‏'‏ المعني المنطقي‏',‏ وآخر يرتبط به‏,‏ مبتعديا عن منطق الواقع حينيا‏,‏ ومقتربيا إليه أحيانيا‏..‏
إن الشعر‏-‏ علي وجه الدقة‏-‏ شيء‏'‏ مصنوع‏'.‏ وقصد الشاعر لإنتاج قصيدة يشمل في العادة نية لإنتاج نوع مخصص من بنية لفظية‏,‏ وما يرتبط بها من معان ممكنة‏,‏ بناءي علي ذلك يقرر الشاعر علي نحو متواصل أن جزءيا معينيا من مادته اللغوية تخص بنيته الشعرية دون غيرها‏,‏ سواء استطاع تعليلها أم لم يستطع‏,‏ وأن ما يحذفه في التنقيح لا يخص نصه الشعري‏,‏ حتي ولو كان في حد ذاته جيديا في سياق آخر‏',‏ كما يذهب إلي ذلك الناقد الكندي نورثرب فراي‏(1912-1991),‏ الأمر الذي يؤكد أهمية مفهوم النظم‏,‏ وهو المفهوم الذي نعالجه في هذا المقال‏.‏
وأذهب في هذا السياق إلي أن القراءة الشعرية‏-‏ في حقيقتها‏-‏ شكل من شكول النظم‏.‏ والنظم هو‏:'‏ التأليف‏,‏ نظمه‏,‏ ينظمه‏,‏ نظميا‏,‏ ونظمت اللؤلؤ أي جمعته في السلك‏,‏ والتنظيم مثله‏,‏ ومنه نظمت الشعر‏,‏ ونظمته‏,‏ ونظم الأمر علي المثل‏,[‏ كما تفيد لفظة النظم معني المحاكاة علي مثال‏],‏ وكل شيء قرنته بآخر‏,‏ أو ضممت بعضه إلي بعض فقد نظمته‏,(...)‏ والنظم ما نظمته من لؤلؤ وخرز وغيرهما‏,(...)‏ والنظام الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ‏,‏ وكل خيط ينظم به لؤلؤ أو غيره فهو نظامي‏'.‏ يقول عبد القاهر الجرجاني‏(‏ توفي سنة‏471‏ ه‏)'‏ وأما نظم الكلم فليس الأمر فيه كذلك‏,‏ لأنك تقتفي في نظمه آثار المعاني‏,‏ وترتبها علي حسب ترتيب المعاني في النفس‏,‏ فهو إذن نظم‏,‏ يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض‏,‏ وليس هو‏(‏ النظم‏)‏ الذي معناه ضم الشيء إلي الشيء كيف جاء واتفق‏',‏ وفي هذا ما يشير إلي أهمية الوعي والقصد في النص‏,‏ ثم يعرف النظم قائلا هو‏'‏ تعليق الكلم بعضها ببعضي‏,‏ وجعل بعضها بسببي من بعض‏,‏ كما يقول‏'‏ إن هذا النظم الذي يتواصفه البلغاء‏,‏ وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله‏,‏ صنعة يستعان عليها بالفكرة لا محالة‏',‏ وفي هذا ما يشير إلي فكرة الصناعة‏,‏ بما تطرحه من أهمية‏'‏ الشعرية‏'‏ أو التأليف‏,‏ أو ما يسمي ب‏'‏البويطيقا‏',‏ في تشكيل النص‏,‏ أما السؤال المهم الذي تستبطنه عبارات الجرجاني‏,‏ دون الدخول في تحليل لا تحتمله مساحة المقال فهو ما الذي يسبق الآخر في صنعة النظم هذه‏,‏ التشكيل أم التأويل؟
علي جانب مقابل‏,‏ اكتسبت كلمة النظم دلالة سلبية في تاريخنا الأدبي‏,‏ حين جرفت قوتها أفكارنا إلي معني واحد للنظم يشير إلي الكتابات العروضية التقليدية في أضعف تجلياتها‏,‏ الكتابات الشعرية المعادة المكرورة المنتشرة الآن علي نحو هائل في محافلنا الأدبية‏,‏ وهي كتابات لا تنتسب إلي الشعر إلا ارتباطيا بمفهومه التقليدي الضيق‏;‏ الالتزام بالإيقاع والقافية‏,‏ هكذا أصبح لكلمة‏'‏ النظم‏'‏ تاريخ تداولي حديث أضفي عليها صفات سلبية عديدة‏,‏ تصل إلي ما يفيد وصف المنعوت بها بالتصنع‏,‏ و نفيه من الحقل الشعري‏,‏ وذلك من خلال القالب المتداول‏:'‏ هذا نظامي‏,‏ وليس بشاعر‏',‏ بل تحولت كلمة النظم علي أفواه الشعراء والنقاد إلي ما يشير إلي من لا يتقن الشعر بقدر إتقانه الشكل‏,‏ هذا برغم ما تحمله كلمة‏'‏ النظم‏'‏ في حقلها الدلالي من ثراء يعبر في الشعر عن صناعته بعامة‏..‏
النظم في رأيي الخاص هو أساس العملية الشعرية كلها‏,‏ هو صناعة الشعري من خلال اللغة‏.‏ النظم خلق إبداعي يسبقه قصد‏,‏ هذا ما يفعله الشاعر‏,‏ وما يقيمه المتلقي‏,‏ أما الإدراك الجمالي للمعني الشعري فيتوقف علي القاريء مثل توقفه علي النص‏,‏ فقراءة النص الأدبي لا تسير في اتجاه واحد‏,‏ ذلك لأن المعني الشعري هو ما ينظمه متلقي النص في أثناء الممارسة أيضيا‏,‏ بل إنني لا أعدو الحق لو قلت إن هناك نصوصيا شعرية عديدة تحتاج إلي جهدي تأويلي خاص لاصطياد المعني الشعري فيها‏,‏ وإلا استقبلها المتلقي بصفتها نصوصيا خالية من الشعر‏,‏ مثل عدد كبير من نصوص قصيدة النثر العربية المعاصرة‏,‏ وهي نصوص لا تقدم إشارة مباشرة إلي انتمائها النوعي إلا من خلال شكل كتابتها‏,‏ ومعناها الشعري الخافق فيها‏,‏ وليس من شك في أن الجهد المبذول من القاريء في نظم هذه النصوص بصفتها شعريا يتطلب زيادة في الطاقة التي تتغيا التخلص مما يسمي التأويلات اللاشعرية المعتمدة علي ما نسميه المعني المنطقي المباشر للنص‏,‏ إن النظم هو صناعة المعني الشعري الممتد بين منتجي شاعر‏,‏ ومنتجي قاريء‏,‏ علي جسد النص‏..‏
المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.