تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    سعر السبائك الذهبية اليوم السبت 21 يونيو 2025.. 50 جرام تكسر حاجز ال250 ألف جنيه    استقرار الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري في بداية تعاملات اليوم    الفاصوليا ب80 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية السبت 21 يونيو 2025    بوتين يلتقي أمين عام منظمة «أوبك»    انقطاع المياه اليوم ل12 ساعة عن هذه المناطق    وزير الدفاع الإسرائيلي: قتلنا سعيد إيزادي قائد فيلق فلسطين في قوة القدس التابعة للحرس الثوري    مواعيد مباريات اليوم السبت 21 يونيو 2025 والقنوات الناقلة    خريطة الحركة المرورية اليوم بشوارع وميادين القاهرة والجيزة    نتيجة الشهادة الإعدادية في محافظة كفر الشيخ 2025.. طريقة الاستعلام فور ظهورها    وائل جسار يتألق بحفله في مهرجان موازين بباقة من أروع أغانيه (صور)    منى الشاذلي تتصدر تريند جوجل بعد استضافتها نجل حسن الأسمر: "كتاب حياتي" يُعيد الجمهور إلى زمن الأغنية الشعبية الذهبية    شجون الهاجري تتصدر تريند جوجل بعد ضبط فنانة مشهورة بحوزتها مواد مخدرة في الكويت    اليوم.. نظر أولى جلسات محاكمة قاتل صديقه فى بولاق الدكرور    «اللاعبون بالبيضة والحجر» في قبضة الأجهزة الأمنية    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد صنداونز في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    طقس أول أيام الصيف، شديد الحرارة، اضطراب بحركة الملاحة البحرية، واليوم أطول نهار في العام وظل الإنسان أقصر ما يكون    آسر ياسين.. سفاح السينما والدراما    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    مراجعة ليلة الامتحان في اللغة العربية للثانوية العامة 2025 الأدب والقصة «فيديو»    الخريطة الكاملة ل الإجازات الرسمية المتبقية في مصر 2025 بعد إجازة رأس السنة الهجرية    سلاح ذو حدين| وراء كل فتنة.. «سوشيال ميديا»    طريقة عمل البليلة باللبن في خطوات بسيطة    «كان في محله بيشتغل».. شهادة جار عن رحيل «رمزي الترزي» في حادث انهيار عقارات حدائق القبة    جاكسون يعتذر بعد طرده أمام فلامنجو في مونديال الأندية    جيش الاحتلال يعتدي ضربا على 6 فلسطينيين بينهم سيدة في الضفة    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    مؤمن سليمان يقود الشرطة للتتويج بالدوري العراقي    النائب محمد الفيومي: مشروع قانون الإيجار القديم هو العدالة والرحمة.. وأطمئن المستأجرين بأنه لن يُطرد أحد    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    نائب الرئيس الأمريكى: الوقت بدأ ينفد أمام الحلول الدبلوماسية بشأن إيران    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    «وحش ويستحق الانتقاد».. إسلام الشاطر يشن هجومًا لاذعًا على محمد هاني    بعد قرار المركزي الأخير.. حدود السحب من البنوك وatm وانستاباي ورسوم الاستعلام عن الرصيد    رغم فوائدها الصحية.. ما هي أبرز الأسباب التي تمنع الولادة الطبيعية؟    هنا الزاهد وتامر حسني وزينة يواسون المخرجة سارة وفيق في عزاء والدتها (فيديو)    تفاصيل جديدة في واقعة العثور على جثة طبيب داخل شقته بطنطا    الوداد المغربي يعلن ضم عمر السومة رسميًا    منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    تكليف مهم من نقيب المحاميين للنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي    لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا |150 معهدًا يقدم ترشيحات العمداء وفقًا للضوابط الجديدة    وفاة رئيس لجنة امتحانات الثانوية بسوهاج في حادث.. وتحرك عاجل من نقابة المعلمين    شاهد.. قناة السويس تنجح فى التعامل مع عطل سفينة 1 RED ZED.. فيديو وصور    الدفاعات الجوية الإيرانية تعترض صواريخ إسرائيلية فوق مدينة مشهد (فيديو)    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    ترامب يمهل إيران أسبوعين للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي    جيش الاحتلال: اعتراض طائرة مسيرة فى شمال إسرائيل تم إطلاقها من إيران    القنوات الناقلة مباشر لمباراة بايرن ضد بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية.. والمعلق    إيران تمهل "عملاء إسرائيل" حتى الأحد المقبل لتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو    إنجاز طبي بمستشفى القصاصين.. استئصال ورم بالغدة النكافية بلا مضاعفات    منها المساعدة في فقدان الوزن.. لماذا يجب اعتماد جوزة الطيب في نظامك الغذائي؟    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجوه في الذاكرة

أحدثكم اليوم عن كتاب صدر‏,‏ لا أدري كيف أصفه‏,‏ ولا أدري لأي فن أنسبه‏, هل هو شعر أم نثر؟ وهل هو مجموعة من القصص‏,‏ أم مجموعة من القصائد‏,‏ أم هو الفنان معا‏,‏ شعر في النثر‏,‏ ونثر في الشعر‏,‏ وقصائد قصصية‏,‏ وقصص شعرية؟
وأنا أطرح السؤال وأرجو أن تشاركوني في الإجابة عنه‏,‏ لأنكم قرأتم هذا الكتاب حين نشره صاحبه الشاعر فاروق شوشة منجما في زاويته في لأهرام تحت عنوان وجوه في الذاكرة‏.‏
صحيح أنه اكتفي بهذا العنوان فلم يقل عن النصوص التي نشرها تحته إنها قصص أو قصائد‏.‏ لكننا نستطيع أن نجد فيها الفنين معا‏,‏ الشعر والنثر اللذين لابد أن يجتمعا في كل نص أدبي‏,‏ لأن مادتهما واحدة وهي اللغة التي لا يخلو فيها الشعر من بعض العناصر النثرية كالإشارة والتقرير‏,‏ ولا يخلو فيها النثر من بعض العناصر الشعرية كالاستعارات والصور‏.‏ لكننا نميز الشعر عن النثر بغلبة العناصر الشعرية في النص الذي نسميه قصيدة حين نجده مستوفيا الشروط التي يجب أن تتحقق في هذا الشكل الأدبي‏.‏ والعكس صحيح‏,‏ فنحن نميز النثر عن الشعر حين نري أن العناصر النثرية هي الغالبة‏.‏
لكن فاروق شوشة‏,‏ يحيرنا بنصوصه هذه التي يكاد فيها الشعر أن يكون معادلا للنثر‏,‏ ونقرأ فيها القصيدة‏,‏ فنجدها قصة‏,‏ ونقرأ القصة فنجدها قصيدة‏.‏
إنه في هذه النصوص يتذكر وجوها‏,‏ ويصور مشاهد‏,‏ ويقص علينا سيرا يعرف أبطالها ويرافقهم في حياتهم المنظورة التي يعيشونها في الواقع وحياتهم المستورة التي يعيشونها مع أنفسهم‏,‏ يفكرون‏,‏ ويحلمون فيصرحون حينا ويكتمون أحيانا‏.‏ وهو في هذه القصص يستخدم لغة قريبة من لغة النثر تتميز بالبساطة والوضوح‏,‏ وتتسع للتقرير والإشارة إلي الأشخاص والأماكن والحوادث التي نعرفها‏,‏ أو نعرف بعضها علي الأقل‏,‏ لأن فاروق شوشة يحاول أن يكون أمينا فيما يقص علينا‏,‏ وفيا لذكرياته‏,‏ يسمي الناس الذين يعرفهم‏,‏ ونعرفهم معه‏,‏ كما نجد مثلا في حديثه عن الرحبانية الثلاثة منصور وعاصي وفيروز‏.‏ فإذا استغني عن التسمية بالإشارة عرفنا كذلك أنه هنا يتحدث عن الشاعر طاهر أبو فاشا‏,‏ وهنا عن إبراهيم منصور‏.‏ فإن لم نكن نعرف الشخص فنحن نعرف النموذج الذي عبر حياتنا كما عبر حياة فاروق شوشة‏,‏ في الطفولة أو في الكهولة‏,‏ في القرية أو في المدينة‏,‏ فأثار في نفوسنا هذه العواطف وزودنا بهذه الذكريات‏.‏
بنت الجيران التي أيقظت فينا مراهقتنا الأولي تلك الصبية قرب سن تكور النهدين‏/‏ قرب تأرجح الردفين‏/‏ قرب تشكل الجسد الصغير‏/‏ وصنعة الخراط يبدع في تشكلها فتاة ساحرة‏.‏ أو تلك الزوجة العابثة التي لم تعد تري بأسا في موعد يتاح يكسر الملال‏/‏ أو نزوة تغير المذاق بعد طول عشرة منضبطة‏/‏ قد سئمت من طعمها الحلال‏.‏ أو ذلك الرجل الكذاب المنافق يتخفي تحت منظارين زيف ورياء‏/‏ ويلاقي الناس بالبشر وبالترحاب والصدر الحنون‏/‏ فعل من يملك بعضا من دهاء‏/‏ فيسيل الكذب الأسود من بين ثنايا الكلمات‏/‏ وهو يعطي الناس من حوليه أحلاما ويسقيهم وعودا‏.‏
ومن الطبيعي أن تتسع لغة فاروق شوشة في هذه النصوص للمفردات والعبارات التي نستخدمها في لغة الحياة اليومية حين نتحدث مثلا عمن يدفع الحساب في المطعم أو المقهي‏,‏ أو عن المشوار بالمعني الدارج أي الطريق الذي نقطعه لنقضي حاجة من حاجاتنا‏,‏ أو حين نعبر عن الكثير الشائع فنقول إنه أكثر من الهم علي القلب‏,‏ إلي غير ذلك مما يستحق دراسة مطولة نراجع فيها تجاربنا في تطعيم الفصحي بهذه اللغة الدارجة كما نراها في نصوص فاروق شوشة هذه‏,‏ وفي كتابات يحيي حقي‏,‏ وحسين فوزي وغيرهم‏.‏
‏***‏
لكن لغة فاروق شوشة في هذه النصوص ليست نثرا خالصا‏,‏ وإنما هي كما قلت من قبل نثر في شعر‏,‏ أو شعر في نثر‏.‏ ليست تقريرا وسردا فقط‏,‏ ولكنها تصوير وتخييل أيضا‏,‏ لأنها حركة دائبة بين الخارج والداخل‏,‏ وتنقل مستمر بين العالم الواقعي الذي نعرفه ونصفه ونشير إليه والعالم الذي نتخيله ونحلم به ولا نستطيع التعبير عنه إلا بلغة الشعر‏.‏ وكيف نستطيع التعبير عما كان يعترينا ونحن صبية مراهقون نتلقي نداءات الأجساد المشتعلة بما لا تفصح عنه إلا العيون؟ إننا في هذا المقام لا نملك إلا الشعر فنقول كما قال فاروق شوشة كانت بواكير الحرائق في دمي اشتعلت‏/‏ وشيء مثل ومض البرق منهمرا يسيل علي الورق‏/‏ بدأت عذاباتي مع الشعر الذي سيزيد من جمر الحريق‏.‏
وفاروق شوشة هنا يتحدث عن نفسه‏,‏ أو عن حكايته مع فتاة الشرفة البيضاء‏,‏ لأنه في مقام التذكر‏.‏ فالوجوه التي يستدعيها تذكره بوجهه‏.‏ والنص الذي يتحدث فيه عن غيره يتحدث فيه عن نفسه‏.‏ ومن هنا هذا المزج الخلاق بين السرد والغناء‏,‏ بين ضمير الغائب وضمير المتكلم‏,‏ أو بين القصة والقصيدة‏.‏
ليس معني هذا أن النصيبين كانا دائما متعادلين‏.‏ فالقصة في بعض النصوص تغلب‏,‏ وقد تبلغ حد التسجيل والنقل عن الواقع دون انفعال‏.‏ فالكاتب هنا يرسم مشهدا‏,‏ ويضع نفسه في موضع المراقب الذي يطلعنا علي ما يحدث ويضحكنا أحيانا علي ما يراه‏.‏ والقصيدة تغلب في نصوص أخري‏.‏ وقد تصبح غناء خالصا لا ينقصه عنصر واحد من عناصر الغناء‏.‏
ويظل السؤال مطروحا حول الشكل الذي تنتمي له هذه النصوص‏.‏ ونظل في انتظار الجواب‏.‏

المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.