في العصر الحاضر خلط كثير من الناس بين تصرفات الصوفية وبين التصوف, كما خلط كثير من الخلق بين أفعال المسلمين وبين الإسلام, وأفعال المسلمين في أي مكان وفي أي زمان, لم تكن أبدا حجة علي الإسلام. بل إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم يحذر الناس من فساد الزمان ومن البعد عن السنة, وفي حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم, يبين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان الشريعة هي الأساس, وأننا سنري فتنا, وسنري مخالفة, وسنري اختلافا بين الناس, يقول حذيقة: كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر, مخافة ان يدركني, فقلت: يارسول الله, إنا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن, قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي, تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم, دعاة إلي أبواب جهنم, من أجابهم إليها قذفوه فيها, قلت: يارسول الله, صفهم لنا, فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتا قلت: فما تأمرني ان أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وامامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو ان تعض بأصل شجرة, جتي يدركك الموت وأنت علي ذلك. فالحق ان المسملين ليسوا حجة علي الإسلام, ولما أمر صلي الله عليه وآله وسلم أمير الجيوش قال له:.. وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم علي حكم الله, فلا تنرلهم علي حكم الله, ولكن أنزلهم علي حكمك, فإنك لا تدري, أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟( أخرجه الإمام أحمد في المسند). ولذلك, فإننا عندما نتفاوض, نتفاوض باجتهادنا, فليس هذا هو كلام الله ولا كلام رسوله, إنما هذا ما فهمناه من كلام الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم, ومن أجل ذلك, فإن العلماء من أهل التصوف تقيدوا بالكتاب والسنة, واجتهدوا كما اجتهد الفقهاء, وكما اجتهد أهل العقيدة والمتكلمون, اجتهدوا في هذا الفهم, لكنه مقيد بالكتاب والسنة. نشأت الآن ناشئة تنكر التصوف, لما رأته من بعض خلل أو بدع, ممن ينتسبون الي التصوف, ولو نظرنا الي سيرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, لوجدنا ان هذا الذي فعلوه مخالف للمنهج النبوي, فلقد وجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصناما حول الكعبة فلم يهدم الكعبة, وإنما أزال الأصنام وأبقي الكعبة, هذا هو المنهج النبوي, إنه منهج رباني, كذلك لو نظرنا الي قوله تعالي: (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) } البقرة:158{ فهذه الآية تبين: أن الصحابة كان عندهم حرج أن يفعلوا تلك الأفعال التي فعلها المشركون, عندما قصدوا وحجوا الي بيت الله, وأرادوا إلغاء السعي جملة, لكن السعي من دين ابراهيم, هذا من الحنيفية... هذا بأمر الله سبحانه وتعالي, وهؤلاء المشركون قد خلطوا الوثنية بشريعة ابراهيم, فخلصها الله سبحانه وتعالي منها, وجعل شريعة ابراهيم صافية, نحج بها الي يومنا هذا: من طواف, وسعي, ورمي, ومبيت, ووقوف بعرفة.. الي آخر هذا, وخلصها من النواقص أو الزوائد التي أضافها الوثنيون المشركون, لم يلغ هذا الأمر, لأن هذا ليس من الإنصاف, وليس من العدل, ورسول الله صلي الله علي وآله وسلم يعلمنا الانصاف والعدل, ولذلك خلص هذا من ذاك. وعندما سأله صلي الله عليه وآله وسلم بعض من معه, فقال له: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) وهو اسم شجرة كان المشركون يعكفون حولها ويعلقون بها أسلحتهم(, فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: سبحان الله, هذا كما قال قوم موسي لموسي:) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة( أخرجه الترمذي, فلم يكفرهم, ولم يلقهم في اليم, وإنما وضح لهم هذا من ذاك. وعندما سمع امرأة رأته وهي تغني, فقالت: وإن لنا نبيا يعلم ما في غد وكانت تضرب بالدف, وتندب من قتل يوم بدر فقال: دعي هذا, وقولي بالذي كنت تقولين( أخرجه البخاري) أي اتركي مسألة ان النبي يعلم الغيب بذاته, وعودي الي ما كنت عليه. منهج واضح اننا إذا اختلط الأمر, لا نرمي الجميع, بل علينا أن نخلص هذا من ذاك, نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر وننكر البدع والانحرافات. لكن التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين أعدائه وأدعيائه, فهناك من يتمسك بمجموعة من البدع مدعيا أنها هي التصوف, والتصوف براء من ذلك. التصوف هو حفظ مرتبة الإحسان, التصوف مقيد بالكتاب والسنة, التصوف له علماؤه عبر العصور, كتبوا فيه وعاشوا من أجله, وأوضحوه بألفاظ مختلفة في عصور مختلفة, تكلموا عن الزهد, وألف فيه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة, تكلموا عن الورع, والتقوي, وأعمال القلوب, وكتب كل هؤلاء في هذا, ولكن ابتلينا في عصرنا هذا بمن يريد ان يخالف المنهج النبوي في حقيقة أمره, إلا أنه تزيا في الظاهر بالزي النبوي, تراه يطلق لحيته, ويقصر ثوبه, ويضع سواكه فوق أذنه وكأنه من الجيل الأول, ومن السلف الصالح, ثم تراه في بعض الأحيان عن جهل, وفي بعض الأحيان عن غرور وكبر يخرج علي المنهج النبوي, أحداث الاسنان سفهاء الأحلام, يقولون من كلام خير البرية, لا يجاوز ايمانهم تراقيهم, فإنا لله وإنا اليه راجعون.