الجهد الذي يقوم به مركز عبدالرحمن بدوي للابداع, يستحق منا بلاشك الإشادة والتقدير... أربعة كتب جديدة صدرت في الأسابيع القليلة الماضية, وكلها جديرة حقا بالقراءة والدراسة وإعادة التأمل لمن سبق وقرأها.. عبد الرحمن بدوي(1917 2002) الذي يعد واحدا من أشهر الفلاسفة المصريين والعرب والتي مازالت مؤلفاته محط الأنظار ومرجعا حيويا للعديد من طلاب الجامعات العربية والأجنبية وعلي رأسها جامعة السربون والذي قدم للمكتبة العربية والعالمية أكثر من150 مؤلفا فلسفيا يدور العديد منها حول الفكر والفلسفة الوجودية التي طالما آمن بها( خاصة في مطلع حياته) والتي تمجد معها الإنسان وتعلي من قيمته مؤكدة أنه وحده يملك التفكير والإرادة الحرة, وأنه يستطيع أن يتحكم في مسار حياته, وفي مرحلة لاحقة وربما في تحول مفاجيء وبعيدا عن التوجه الفكري الوجودي لبدوي قدم كتابيه( دفاع عن محمد صلي الله عليه وسلم ضد منتقديه) و(دفاع عن القرآن ضد الطاغين فيه) واللذين يعدان بمثابة انقلاب وتحول في مسار فكره, فسره الفيلسوف الكبير مؤكدا أنه يبحر في بحور الفكر الوجودي والفكر الإسلامي جنبا إلي جنب, ولايظلم أحدهما علي حساب الآخر.. بدوي, منذ بداية مشواره الفلسفي الطويل وعبر مؤلفاته العديدة القيمة ومقالاته المنشورة باللغة العربية, فضلا عن اللغات الأجنبية( الفرنسية, الأسبانية, الألمانية, الإنجليزية), بالإضافة إلي الكتب الفلسفية التي قام بترجمتها من اللغة الأم, وهو أمر مهم ينبغي أن نقدره ونشير إليه إذ أنه قام بتعريب مؤلفات عن اللغة اللاتينية الأم وهو يعد بمثابة جهد شاق نادرا مايستطيع القيام به المترجمون هذه الأيام, بالإضافة إلي ترجمته للموسوعات الفلسفية. نذكر هنا بعضا من أعماله المهمة.. نيتشه, شوبنهاور, أرسطو عند العرب, التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية, خريف الفكر اليوناني, ربيع الفكر اليوناني, الزمان الوجودي, شخصيات قلقة في الإسلام, الإنسانية والوجودية في الفكر العربي, المثل العقلية الإفلاطونية منطق أرسطو( يقع في خمسة أجزاء), شهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية, الإنسان الكامل في الإسلام.. والعديد والعديد من المؤلفات التي لاتسع المساحة هنا لذكرها, استطاع هذا الرجل العظيم بدأبه المتواصل وعقله المستنير وقدرته الفائقة علي القراءة والتحليل أن يترك لنا ثروة معرفية ثمينة جديرة حقا بالتقدير... أعلم أن هناك حالة من الخصام من جانب قطاع كبير من القراء( خاصة الأجيال الجديدةالشابة) وكتب الفلسفة باعتبارها بعيدة عن أرض الواقع, ولكونها تطرح أفكارا ميتافيزيقية, لكنها فكرة خاطئة بالتأكيد إذ أن الفلسفة تبحث في الحقيقة في تفاصيل أفكارنا ومعتقداتنا, وكل تلك الأمور الصغيرة الكبيرة التي تتحكم في مجريات حياتنا, ولكن ربما من منظور فكري وعقلي رفيع يتطلب منا القراءة والبحث المتأني والنفس الطويل. فقط علي سبيل المثال, كتاب( رسالة في التسامح) تأليف جون لوك والذي قام بتعريبه د. بدوي عن اللغة اللاتينية يدعو إلي التسامح الديني وقبول الأديان الأخري بغض النظر عن الدين الرسمي السائد في الدولة, متتبعا تاريخ المسيحية في هذا الصدد وراصدا حدود مهمة(الحكومة المدنية) من ناحية, ومهمة( السلطة الدينية) من ناحية أخري وأحسب أن هذه القضية تمسنا بشدة هذه الأيام.. تحية إلي مركز عبدالرحمن بدوي الذي يعمل بدأب وصمت تحت رعاية محسن بدوي... [email protected]