جرائم القذافي لاحصر لها.. قصف وخطف واغتصاب وقتل عمد ينتهي بحرق واخفاء الجثث ليس فقط للثوار ولكن للاطباء والإعلاميين وأطقم الاسعاف. وفي أجدابيا المكلومة لم تكد المنازل تهنأ بعودة سكانها الذين هربوا من جحيم كتائب القذافي حتي بدأوا يستعدون للفرار مرة اخري بعد احتلال البريقة وتراجع الثوار. الأهرام عاشت عشرة ايام من الرعب والموت وسمعت الكثير عن اغتصاب الصبايا وخطف الشباب واجهاض الحوامل فضلا عن قطع الكهرباء وخطوط الاتصالات وغيرها من المآسي الإنسانية وأشكال التدمير. وقد استهدفت كتائب القذافي العسكريين من صفوف الثوارة والأطباء والمصابين ولم يفت عناصر الكتائب عند حصارها لمستشفي محمد المقريف باجدابيا ان تستولي علي أجهزة الكمبيوتر المسجل بها أعداد وأسماء الشهداء والمصابين والذي يؤكد الدكتور ونيس العبيدي ان اعداد المصابين التي كانت مسجلة174 في آخر أسبوع منهم50 شهيدا. وقد زادت أعداد الحالات السيئة من المصابين. كما يقول خالد غازي شعبان الممرض المصري الذي رفض ترك المستشفي وهو من منطقة العرقوب(15 كم جنوب البريقة) والتي تم تدمير300 منزل بها وكان بين الحالات التي زادت علي عشرين مصابا5 حالات استدعت التدخل الجراحي بالبتر سواء للاقدام او اليدين, ولم يستطع الدكتور علي البرق الذي جاء إلي بنغازي ليشارك في علاج المصابين اجتياز بوابة اجدابيا واستوقفته الكتائب لأكثر من ساعة اختفي بعدها ولم يظهر منذ ثلاثة أسابيع ويؤكد الدكتور أحمد القناش مدير المستشفي الميداني: تم خطف فريق الاسعافات الطبية ومنهم الدكتور رضا المرزقني الذي حضر من أمريكا للمشاركة في اسعاف ومعالجة الجرحي من الثوار. ويضيف الدكتور ونيس العبيدي تم خطف مسعفين من امام باب المستشفي, وكذلك مدير مستشفي مرس البريقة, وعدد من طلاب كلية الطب الذين حضروا للمساهمة بجهودهم في انقاذ المصابين ومنهم شاب مصري لانذكر له اسما سوي عبدالخالق حضر الي مستشفي محمد المقريف وعمل كمسعف لعدة أيام قبل ان تخطفه كتائب القذافي. ويضيف محمد عرفه ممرض مصري.. ان جنود الكتائب اختطفت ايضا عددا من المصابين منهم طفلة عمرها6 سنوات مع والدها وكانا مصابين بطلقات نارية وأيضا صبي لايزيد عمره عن9 سنوات يعمل كراعي أغنام قريبا من البوابة الشرقية للمدينة وقد وصل عدد المفقودين من الأطقم الطبية ومن أبناء مدينة اجدابيا إلي مالايقل عن مائتي شخص, وحول رحلة الهروب والعودة من وإلي اجدابيا يقول حمد بلقاسم محمود معظم سكان اجدابيا البالغ عددهم208 آلاف نسمة هربوا الي الشرق باستثناء عدد قليل من العائلات لايتعدي10% من السكان.. واتجه الجميع الي طبرق وتحولوا في المناطق السكنية وبقي أكثر من أربعة أسر من الرجال يبيتون خارج الخيام والنساء تنام أكثر من عشرين امرأة في غرفة واحدة وظللنا لاحد عشر يوما دون توافر اي تفاصيل للحياة التي انتقلت من اجدابيا الي المدن والتجمعات البدوية في الصحراء البعيدة وبعضها ايضا تنقصه الكهرباء والمياه والاغذية والادوية لولا بعض المصابيح الصغيرة والشموع وقوافل الاغاثة جاءت من مصر وطبرق ودرنة والبيضاء. عجيلة طاهر الحرفة احد ابناء مدنية طبرق حكي لي عن اخلائه هو واخوته وأغلب أبناء عمومتهم ورفاقهم منازلهم لايواء الهاربين اليهم من اجدابيا وهو ما أكده ابراهيم الغرباني بقوله: عندما انقطعت الاتصالات جاء اولاد عمومتنا من قبيلة القطعان للاطمئنان علينا واصروا علي نقلنا مع جيراننا الي منازلهم في المنطقة الشرقية التي اخلوها تماما لنا وكانوا يوزعون علي كل عائلة يوميا خروف للذبح مع الخضر والأرز والمشروبات وأرسلوا ايضا اغاثات وكل مستلزمات المعيشة لكل من لم يستطع الخروج من اجدابيا او من بقي في المناطق القريبة منها؟ كان عبدالجواد محمد صالح الذي يستعد للهرب في نقاش حاد امام منزله مع زوجته التي رأت ان الفرار الي درنة او طبرق اكثر أمانا من الزويتينه التي يرغب في الذهاب اليها لانها اقرب ولكن الزوجة رأت انها اخطر لكونها احدي نقاط هلال النفط التي تتحرك كتائب القذافي للسيطرة عليه. وبالطبع انتصرت ارادة الزوجة يقول عبدالجواد: بقينا في اثناء الاحتلال الاول لتسعة ايام في اجدابيا مختفين انا وبعض العائلات في منازلنا حتي نفذ الزاد ولم يعد لدينا مانطعم به اولادنا وأصبح اكثر ثراء وغني من يمتلك في منزله بضع حفنات من المكرونة وزجاجة زيت حتي جاع الأطفال ولم تكن هناك محلات مفتوحة ولا مستودعات تجارية توفر لنا مانحتاج فضلا عن الرعب الذي عشنا فيه نتيجة اطلاق الراجمات والصواريخ وقذائف الدبابات علينا وقصف الطائرات قبل سريان قرار الحظر الجوي والتي وصلت في احد الايام الي40 غارة طيران استمرت من العاشرة صباحا وحتي السادسة مساء. وكان اكثر ما افزعنا هو اغتصاب الصبايا وخطف الشباب لاستخدامهم كدروع بشرية. ويحكي حمد سعيد عن هروبه القسري هو وعائلته للمرة الثانية متذكرا الهروب الاول قبل ثلاثة اسابيع تحت القصف الصاروخي ومطاردتهم برصاصات القناصة الذين انتشروا في شوارع اجدابيا وعلي اسطح بناياتها الي الصحراء, كنا لانعرف اين نذهب ومعنا17 عائلة اخري وانطلقنا بسياراتنا حتي وصلنا الي منطقة ساونو علي بعد80 كم من اجدابيا ورأينا بعض المساكن تحت الانشاء دون ابواب او شبابيك ولاتوجد بها كهرباء او مياه لم ينقذنا من الموت عطشا إلا بعض البدو الذين امدونا ببعض الماء المالح من آبار المنطقة وامدنا اهل طبرق بعد علمهم بمكاننا بالمساعدات الغذائية قبل ان ننهي جولتنا بين الهاربين والمستعدين للهرب كانت بعض الاغاثات الغذائية قد حضرت من المنطقة الشرقية بصحبة طاهر الحزمه والعمدة عثمان أكريم والتي وزعت بسرعة من خلال لجان من الشباب في عدد من مساجد اجدابيا. ولعل ما احدثوه من فزع ورعب تسبب في حدوث84 حالة إجهاض لنساء حوامل خلال3 ايام فقط حسب الدكتور علي المغربي خصوصا بعد انتشار حوادث القبض علي الشباب واغتصاب الفتيات الصغيرات من قبل المرتزقة العبيد وقت احتلال إجدابيا في الشوارع وفوق أسطح البنايات والقصف العشوائي للمنازل والذي طال ساحات المساجد عند خروج المصلين بعد أداء صلاتي المغرب والعشاء جمع( صلاة الخوف) ومنع المصلين بالسلاح من أداء صلاة الفجر واختباء الناس في منازلهم بعد انتشار حالات خطف الشباب مثل حميد بعيو الذي اختفي من امام منزله مع بعض رفاقه ولم يسمع اهله خبرا عنه حتي الآن برغم مرور أسبوع وكذلك عتيق محمد فرج القبائلي الذي اختفي اثناء عودته من منطقة الاربعين50 من غرب اجدابيا محملا بالاغذية لسد بعض النقص منها. وفاجأته قوات القذافي ومعه محمود محمد عمر وعبدالله عبدالرحيم رشيد ويوسف المعتوق صالح وشقيقه مفتاح معتوق. ويضيف مهدي القبائلي شقيق عتيق: انهم ظلوا يبحثون عنه فلم يعثروا له اورفاقه علي أثر سوي سيارته التي وجدوها محترقة عند البوابة الغربية لاجدابيا وبجوارها مقبرة جماعية لاكثر من20 جثة ومقبرة اخري صغيرة وجدت بها عائلة رجل وزوجته وطفلاه الصغيران فضلا عن القتلي الذين كانت تقتلهم طلقات القناصة والمدفعية والدبابات. ولم ينس اهل اجدابيا احاديث وذكريات مائة شهيد و325 مصابا منهم اكثر من20 شهيدا دفنوا في مقبرة جماعية, وكان عبدالواحد بشير اول شهيد غير مسلح لم تكن له اي علاقة بالحرب.. ويروي شقيقه علي بشير للأهرام قصة استشهاده بعد ان ترك الثوار, علي مدخل المدينة وعاد, وقد وجدهم شهداء تروي دماؤهم الأرض وتمنعه كتائب القذافي من الدخول. ويحكي شقيقه علي بشير والذي كان بصحبته ومعهما صديق آخر: لم نستغرق اكثر من30 دقيقة قالوا لنا عودوا من حيث اتيتم حاولنا الالحاح عليهم ليتركونا نعود الي منزلنا فرفضوا وعندما استدرنا بسيارتنا للانصراف شاهدوا( استيكر) لعلم الاستقلال ملصق علي السيارة من الخلف ورغم صغر حجمه إلا انهم لمحوه فصاح احدهم( معاهم.. معاهم) لينطلق علينا سيل من الطلقات النارية فترنح شقيقي عبدالواحد ثم سقط بجواري وأصيب بأربع طلقات احداها في القلب اخترقته من الظهر, وأصيب مرافقنا في رجليه فأوقفت السيارة انزلونا وطلبوا منا الانبطاح ارضا ففعلنا وانا استعطفهم لانقاذ اخي وصديقه بالذهاب الي المستشفي الواقع علي بعد كيلو مترين من البوابة فرفضوا في صلف شديد وتجبر ولم يكتفوا بذلك بل هددوني ايضا بالقتل وبعد15 دقيقة كانت دماء اخي قد شكلت تحتنا سجادة حمراء قالوا أذهب به الي بنغازي(180 كم شرق اجدابيا) فصرخت فيهم: المستشفي علي بعد ألفي متر وتطلبوا مني الذهاب180 كم فرفع احدهم بندقيته في وجهي قائلا وإلا ستقتل ايضا فحملت آخي الي السيارة ولم ابتعد اكثر من180 كم حتي قضي أخي بعد ان ظل طوال هذه المسافة يضحك وهو يقول ضربوني الكلاب ولم ينته ضحكه إلا بصعود روحه الي بارئها. أما ابشع ماتم في اجدابيا فهو الصاروخ الذي سقط فوق9 شباب كانوا يجلسون امام منزل احدهم بعد احتلال الكتائب للمدينة بايام واستشهد فيها ثلاثة اشقاء فكما يقول والدهم محمد السنوسي بوخزيم إنهم علي قيد الحياة احدهم تم بتر يده اليمني وقدمه اليسري في مستشفي الهواري ببنغازي ويرقد في العناية المركزة والآخر قطعت يده اليسري والاخري تم تثبيتها بالمسامير البلاتين. يقول محمد سنوسي: يوم21 مارس الماضي قبيل المغرب جلس الشباب امام المنزل تحت شجرة وكنت معهم حتي هاتفني احد اصدقائي وطلبني للتوجه اليه لمشاهدة الاخبار ولم اتحرك اكثر من عشرين مترا حتي وجدت قذيفة تسقط فوقهم احدثت دويا هائلا رفعتهم الي اعلي ثم هوت بهم الي الارض. إن قصص الرعب والدمار التي يعيشها شعب أجدابيا ليست لها نهاية, والكل ينتظر حلا من الداخل أو الخارج لإيقاف هذه المآسي.